مواضيع اليوم

حرب تموز 2006 .. ليلة التصق وجهي بالكنبة

عمادالدين رائف

2009-07-15 14:28:59

0

عند عودتي إلى المكتب، مع الثالثة من بعد ظهر 12 تموز 2006، ألفيته خالياً على غير عادته. فقد انسحب الجميع مبكرين إلى بيوتهم بانتظار ما سيحدث. قلة من زملائي العاملين في المركز الرئيسي لاتحاد المقعدين اللبنانيين يقطنون في بيروت، فكان من الأفضل لهم المغادرة. بقيت مع جهاد، وهو شاب لديه شلل أطفال ويستعمل جهازين وعكازين خشبيين في تنقله، وكان يشغل حينذاك منصب أمين سر الاتحاد.

عملت مع الشاب النشيط لثلاث ساعات على تحديث لوائح اسمية لأعضاء المنظمة القاطنين في ضاحية بيروت الجنوبية وجوارها من مناطق بيروت، مزودين اللائحة بأرقام الهواتف والعناوين؛ وكان جهاد يتصل بكل من تم التأكد من رقم هاتفه من الأعضاء أو الأصدقاء كي يطمئن إلى صحته، وإمكانية تحركه مع عائلته في حال تفاقم الوضع. كنت أتلمس حينها مدى صعوبة العمل على إجلاء الأشخاص المعوقين حركياً في حالات الطوارئ، ولما يكن لدي تجربة عملية بعد. ليست مسألة سهلة أن تتابع مئات الأسماء، وتميز أحدها عن الأخر، فهي ليست قصة اسم ورقم، ربما كانت هذه العملية لتكون مستحيلة لولا ذاكرة جهاد ومعرفته الشخصية بكل منهم، وحالة كل شخص على حدة، ووضعه العائلي، ودرجة إعاقته...

مع السادسة مساء بدأت بإعداد استمارات للنازحين المرتقبين من الاتحاديين وغيرهم من الأشخاص المعوقين وأسرهم، واستمارات إحالة. وبعد أن أرهقني التعب وراء شاشة الكومبيوتر، استسلمت للنوم على أريكة جلدية في مكتب الإدارة.

مرت ساعات قليلة قد أن توقظنا أصوات القنابل الإسرائيلية المنهمرة على الضاحية الجنوبية لبيروت، كان يفصل بيني وبين جهاد كاريدور الشقة الطويل. وكان يصرخ "عماد.. بلشوا". لم يكن لدينا جهاز تلفاز في ذلك المكتب، ويبدو أن جهاز الراديو الوحيد لم يكن ليعين صديقي في التقاط خبر عما يحدث، وكانت الأصوات لفرط قوتها توحيها بأنها أقرب من الضاحية. لحظات، وموجة أخرى من القذائف.. هدير طائرات، أما طائرات الاستطلاع من دون طيار "أم. ك"، أو "إم كامل"، كما يسمونها فلم تفارقنا للحظة. "شو رأيك نزل جسر الكولا؟!". "لا سمح الله!"، لم يكن الشاب متخوفاً، بل بدت الضربة شديدة بحيث أن الشقة قد اهتزت.

حاولت التحرك، فلم أستطع. كان وجهي المعرق قد التصق بجلد الكنبة، تملصت منها رويداً رويداً، ثم تلمست طريقي إلى حمام المكتب الوحيد في عتمة التقنين. أحضرت شمعة وانتظرت انتهاء جولة الجنون.. بدأت الأخبار تصل عبر المذياع الصغير، وجلست خلف شاشة الكومبيوتر من جديد أفلفش "إيلاف" و "النشرة"، ثم كافة الوكالات العالمية..

حينها أطل فجر الثالث عشر من تموز لينذر بالأسوأ.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !