ملالي إيران بحکم نفوذهم الاستثنائي المستشري و بعد ان إستنفذوا مختلف الطرق و الوسائل المختلفة للتدخل في الشؤون الداخلية في کل من لبنان و العراق، يظهر انهم بدأوا يميلون الى إستغلال القضاء في هذين البلدين من أجل تصفية حساباتهم الخاصة مع شخصيات سياسية مخالفة او معارضة لنفوذهم، و قد کانت قضية إتهام العلامة محمد علي الحسيني رئيس المجلس الاسلامي العربي في لبنان بالتخابر مع اسرائيل، نموذجا و مثلا ساطعا بهذا الخصوص، والتي أثبتت وقائعها و مجرياتها بأن النظام الايراني المتطرف يقف خلف إذکائها و إستمرارها.
قضية العلامة الحسيني و بعد أن تم حسمها قسرا و تعسفا ضده و أصدر حکما قضائيا بسجنه لخمسة أعوام، لم تنته أصدائها و تداعياتها المختلفة حتى و تمت إثارة قضية أخرى في القضاء العراقي بإتهام نائب رئيس جمهورية العراق طارق الهاشمي بالارهاب، وقد تم التلميح و الإشارة عشية إعلان الاتهام الى الزعم بتورط مسؤولين عراقيين آخرين من قبيل أياد علاوي و صالح المطلك في قضايا مشابهة، القاسم المشترك الاعظم الذي يجمع بين الهاشمي و علاوي و المطلك، هو موقفهم السلبي من النفوذ الايراني في العراق، لکن و بعد أن وجد النظام الايراني صعوبة و إستحالة إتهام هذه الشخصيات العراقية المحورية في آن واحد معا، رکزت على الهاشمي و ترکت الآخرين الى إشعار آخر کما يبدو.
الزعم بتورط طارق الهاشمي في قضايا متعلق بدعم و مساندة الارهاب، لها علاقة قوية جدا بمواقف هذه الشخصية العراقية من النظام الايراني و سعيه من أجل أن يکون القرار السياسي العراقي و على مختلف الاصعدة بعيدا عن نفوذ الملالي، وقد حدث و لأکثر من مرة تصادم بين الهاشمي و تيارات سياسية شيعية داعمة و منفذة لأجندة سياسية خاصة بالملالي، لکن و بسبب من حساسية الاوضاع يومئذ، لم يکن بوسع النظام الايراني وقتها دفع العراقية الموالية لها لمواجهة الهاشمي و وضع حد لتصرفاته و مواقفه الرافضة للملالي، وقطعا ليس بالامکان أبدا إغفال العامل الزمني في إثارة القضية إذ إنها تزامنت مع بدأ عد تنازلي ملحوظ لسطوة و نفوذ النظام الايراني في المنطقة من جهة، و هبوب نسائم التغيير في الربيع العربي الذي طفق يطيح بنظم دکتاتورية في المنطقة، من جهة أخرى، وان التهديد الجدي الذي بات النظام السوري"الحليف الاساسي للملالي في المنطقة"، يواجهه عشية إندلاع الانتفاضة الشعبية السورية ضده، يمثل في الوقت نفسه تهديدا أهم و أقوى ضد النفوذ الايراني في المنطقة برمتها وان مسألة خروج سوريا و لبنان من دائرة نفوذ الملالي صارت مسألة وقت، ومن هنا کان لابد للنظام الايراني من المضي قدما في سياسة جديدة تهدف الى العمل الجدي من أجل الدفاع بإستماتة عن النظام السوري الى آخر لحظة و دعم نفوذهم في العراق الى أبعد حد و تصفية خصومهم السياسيين هناك، ومن هذا المنطلق تمت إثارة قضية الهاشمي التي أثارت في نفس الوقت قلقا و توجسا لدى مختلف الاطراف السياسية العراقية و خصوصا السنة و الکورد، وان دفاع الکورد عن الهاشمي لم يکن في الحقيقة إلا دفاعا عن أنفسهم إذ أنهم تيقنوا من أن سماحهم بحسم قضية الهاشمي تعني ان يضعوا أنفسهم في إنتظار لحظة رمي"وجوه"کوردية بارزة بنفس التهمة او مايشابهها و الهدف النهائي هو التصفية السياسية.
الجولة الاخيرة لطارق الهاشمي و زيارته لقطر و السعودية و إستقباله هناك بصفته الرسمية، و تلك الزيارة السرية التي قام بها قبل بضعة أيام نيجيرفان بارزاني الى طهران و لقائه هناك بمسؤولين بارزين و طلبه منهم"وضع حد للمشاکل بين حکومة الاقليم و الحکومة المرکزية و للمواجهة بين المالکي و مسعود بارزاني"، و ماأکدته مصادر کوردية مطلعة بخصوص أن النظام الايراني قد وضع مطاليب أمام نيجيرفان بارزاني من أجل ذلك حيث وافق الاخير عليها، نقطتان حساستان تؤکدان الدور الاستثنائي للنظام الايراني في العراق وان قضية الهاشمي ان هي إلا بمثابة بداية مشوار جديد في معترك نفوذ النظام الايراني في العراق، رغم انه ليس من السهل التکهن بالصورة النهائية التي ستتبلور في ضوئها قضية الهاشمي و کيف ستحسم من جراء ذلك، لکن يقينا بأن الصراع سيحتدم على المستوى الداخلي للعراق و على مستوى المنطقة أيضا لما للأمر من علاقة و تأثير على دول المنطقة، خصوصا فيما لو يتم وضع حد نهائي للنظام الايراني في تسييسه للقضاء في لبنان و العراق.
التعليقات (0)