مواضيع اليوم

حرب التحالفات السياسية المغربية بين الانتهازية والمصلحة الوطنية

شريف هزاع

2011-11-29 10:27:32

0

حرب التحالفات السياسية المغربية بين الانتهازية والمصلحة الوطنية
هل يتحول حزب الأحرار إلى مقبرة للبام بعد فشل مشروع الهمة؟


عبـد الفتـاح الفاتحـي


في وقت ذهبت فيه التحليلات السياسية أن خروج فؤاد عالي الهمة من العمل السياسي، قد يشكل نهاية حتمية لحزب الأصالة والمعاصرة، ولا سيما بعد أن وقعت حركة 20 فبراير على شهادة وفاة هذا الحزب. وأكدت عدة مؤشرات أن حزب التجمع الوطني للأحرار قد يشكل المقبرة التي يؤول إليها رفات الوافد الجديد على العمل السياسي المغربي.

إلا أن الرأي العام الوطني تفاجأ بالإعلان عن تشكيل تحالف الأحزاب الثمانية "الرابطة من أجل الديموقراطية"، بل وتفاجأ حتى مناضلو أعضاء المكاتب السياسية للأحزاب المشاركة في التحالف. وهو ما جعل بعض السياسيين يصفون الحدث المثير لمزوار بأنه أمر دبر بليل، وصفقة سياسية غير شفافة، حدد معالمها حزب الأصالة والمعاصرة الذي لا يزال يتحكم في دفة العمل السياسي على حد تعبير القيادي في حزب الاستقلال عبد الله البقالي.

وتوقفت كل القراءات السياسية على فجائية الإعلان عن "تحالف مزوار"، وهو ما يؤكد أن ترتيبات تأسيس هذا التحالف لم تكن على قدر كبير من الوضوح، ولا سيما مسار تطور مفاوضات الأحزاب السياسية المتحالفة، بحيث لم يكشف عن أي تفاصيل بناء التحالف. ولذلك ينظر إليه كجزء من مؤامرة سياسية لقرصنة حكومة 2012 أكثر منه تحالف سياسي مؤسس على قناعات قوية وتناغم رؤى سياسية مرحلية للذهاب إلى الانتخابات التشريعية بأسلوب موحدة، ولكنها إعلان للتوجه إلى الانتخابات بطريقة عادية، على ضوئها يتم اقتسام الكعكة الحكومية بحسب حصيلة كل حزب مشارك في التحالف، قبل التوجه إلى أحزاب أخرى لاستكمال الأغلبية، وإن كان حزب الأحرار يتوقع أن هذا التحالف يمكنه أن يحقق الأغلبية خلال الانتخابات المقبلة.

ويقود صلاح الدين مزوار رئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار" بالنيابة عن فؤاد عالي الهمة مهندس حزب "الأصالة والمعاصرة"، تحالف أو “الرابطة من أجل الديموقراطية” الذي يضم الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية وأحزاب نووية أخرى كالحزب "العمالي" و"العهد الديمقراطي" والحزب الاشتراكي واليسار الأخضر وحزب النهضة والفضيلة، وحزب البيئة.

ويزداد الصراع سخونة غداة الإعلان من أن مزوار يترجم المشروع السياسي لفؤاد علي الهمة الفاعل الرئيسي للتحالف، إضافة إلى أن التحالف الذي أعلن عنه جاء ملغوما ولم يسبقه نقاش سياسي حتى بين الأحزاب المشكلة له.
يعتقد أن يكون هذا التحالف سبب ردة فعل للبيان الذي خرجت به مكونات أحزاب الكتلة، وأكدت فيه استمرار عمل الكتلة الوطنية.

وإن كانت كل المؤشرات الموضوعية تفيد بأن تركيبة المشهد السياسي المغربي لا تساعد على خلق تحالفات منطقية، لاعتبارات تتعلق بالخلط غير المنسجم، فمن جهة تحكمت فيها براغماتية ذاتية ذلك أن رؤساء الأحزاب المتحالفة لم تستشر قواعدها، ومن جهة أخرى فإنه لا وجود لمشترك إيديولوجي لهذه الأحزاب.

وإذا كانت الإيديولوجيا قد عجزت عن التأسيس لتحالف اليسار فيما بين الأحزاب اليسارية، ترى كيف تأتى ذلك لأحزاب الثمانية تشكيل تحالفها الجديد هذا بهذه السرعة الكبيرة،.

إن المحاولات العديدة لتوحيد أحزاب اليسار حول تحالف يساري قوي لم تنجح، وإن تم تشكيل تحالف اليسار الديموقراطي، الذي دخل الانتخابات التشريعية والجماعية الماضية بلوائح موحدة في عدد من الدوائر، لكنه عجزت عن الارتقاء إلى مستوى الاندماج، لاستمرار العقلية التقليدية الماسكة بزمام القيادة.

وإذا كان الإيديولوجية الحزبية لتحالف الثمانية تنوعت بين أحزاب ليبرالية كحزب الأصالة والمعاصر (حزب بلا إيديولوجيا واضحة) وحزب الاتحاد الدستوري وحزب الأحرار، وأحزاب يسارية كالاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية وحزب العمالي وحزب الخضر اليساري...، إضافة إلى أحزب مصنفة في خانة الأحزاب المحافظة كحزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية وحزب النهضة والفضيلة...، فإنها الخلطة قد لا تستقيم لكون ما يجمع أحزب الثمانية أكثر مما يفرقها.

وإن كانت التحالفات القبلية لها ما يبررها على مستوى الشفافية السياسية وإعداد برامج متناغمة بين الأحزاب المتحالفة، فإنها في تجربة التحالف الثماني الذي هندسه فؤاد علي همة قد لا تنضج عن وعي سياسي، لكونها قد تمت تحت الطاولة وبلا وضوح أخلاقي شفاف يمنحها ثقة المواطن وباقي الشركاء السياسيين.


ويكاد يستشعر المتتبع السياسي أن ارتفاع عدد الأحزاب المغربية إلى حد التضخم السياسي في جانبه الشكلي، عززت الصورة السيئة للعمل السياسي المغربي. فالمغاربة اليوم يعتبرون أن السياسة فضاء حكر على الانتهازيين والوصوليين، تختفي فيها قيم الأخلاق لصالح الفساد. وأن الأحزاب ما هي إلى وسائل للاستفادة من ريع الدولة، ولممارسة الفساد في ظل حماية قانونية.

إن قراءة في التوقعات الرقمية تشير بأن حزب الأحرار أو البام يمكن أن يتقدم في عدد المقاعد في الانتخابات التشريعية، وذلك على ضمانة دعم السلطات بطرقها وأساليبها المباشرة وغير المباشرة، وأن المقاعد التي ستحققها باقي أحزاب التحالف الثماني مستغلة زخم تحالفها مع الأصالة والمعاصر والأحرار ستمكنها من تجميع أغلبية تشكيل الحكومة من داخل التحالف وحده.

إلا أن تحليلات أخرى رأت في تحالف الثمانية سابق محموم على قيادة حكومة ما بعد استحقاقات 2012، دليلهم في ذلك أن التحالف لم يُبْنَ على رؤية سياسية موحدة، مما يعزز نظرية المؤامرة على الأحزاب الوطنية والتاريخية لصالح الأحزاب الإدارية التي أنشأها البصري في زمن سنوات الجمر والرصاص، وواصل بناءها تلميذه فؤاد عالي الهمة قبل خروجه من ردهات وزارة الداخلية ليؤسس حزب الأصالة والمعاصرة ويحصل على المرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية 2009 بعد مرور 6 أشهر على تاريخ تأسيسه متقدما على حزب الاستقلال الذي يقود الحكومة.

إن أحزابا قوية ومؤثرة قد لا تبقى مكتوفتي الأيدي أمام هذا التحالف المريب، وهو ما يوفر زخما نضاليا لحركة 20 فبراير على أن لا شيء تغيير في المغرب طالما أن الهمة لا يزال يتحكم في المشهد السياسي المغربي، وهو اتهام موجه إلى جهات أخرى للنضال ضده في وقت يبدو فيه حزب الاستقلال مكرها بعدد من الملفات الشائكة ومنها سعيه المتواصل في الحفاظ على التماسك الحكومي إلى نهاية فترة ولاية عباس الفاسي، إلا أن ذلك لا يمنع باقي فرقاء الكتلة من التحرك في اتجاه كبح جماح خطة الأصالة والمعاصرة.

وعلى العموم فإن اتهامات عبد الله البقالي، وما أعرب عنه رئيس حزب التقدم والإشتراكية نبيل بنعبد الله في برنامج حوار من أن الكتلة قوية ولها رهانات مستقبلية أو بالأحرى محاولة التأكيد بأنه لا يمكن تجاوزها بتحالف ملغوم، كما أن هذه الأصوات قد تجد دعما في نضالات حركة 20 فبراير.

ويتخوف المراقبون من أن يندرج تشكيل هذا التحالف في إطار لعبة شد الحبل بين الفاعلين السياسيين الكبار في الأغلبية، وإضافة إلى حزب الأصالة والمعاصرة على خريطة تشكيل الحكومة المقبلة، وبعد أزمة سحب مشروع المالية التي أعده وزير المالية والاقتصاد صلاح الدين مزوار على مقاس برنامج انتخابي هيأه حزب الأصالة والمعاصرة، وهو ما قرأ فيه عباسي الفاسي وقيادة الكتلة أنه مسطر وفق أجندة سياسية يتموقع فيها البام في المراكز القيادية في الانتخابات لأن فيه دعاية انتخابية لتحالف البام والأحرار والاتحاد الدستوري قبل أن تلتحق بهما الحركة الشعبية في نسخة تحالف معدلة، وطبعا قبل نسخة التحالف الثماني الأخير.

مما يترتب عن هذا التحالف احتقان سياسي كبير من قبل حزب العدالة والتنمية الذي لن يتوان في تعبئة أطره والهيئات الموالية ضد التحالف وضد الفاعلين الأساسيين فيه، وهو ما يعني أن الحملة الانتخابية القادمة قد تكون مميزة لطبعة الصراع والتناحر في الحملات الانتخابية، وأمام هذا الواقع فإنه بإمكان أحزاب الكتلة إذا ما قوت تحالفها بناء على تصور جديد بإمكانها الاستفادة من دعم العدالة والتنمية لإفشال نوايا الهمة وتحالفه الثماني.

ولا أعتقد أن براغماتية حزب العدالة والتنمية لن تقودها إلى تقوية مواقعه السياسية بالتقارب مع أحزاب الكتلة، وقد يلعب هذا الدور حزب الاتحاد الاشتراكي الذي شرع في لقاءات مع حزب العدالة والتنمية، وإن كان ينتظر موقف نظيريه في الكتلة تجاه العدالة والتنمية، وعليه فإن العدالة والتنمية لا تملك خيار التقارب مع أحزاب الكتلة من خلال نافذة الاتحاد الاشتراكي الذي يثوق إلى المشاركة في حكومة 2012، وبالتالي تقوية ملامح تحالف من خارج الكتلة، ومن داخلها، وإن كانت رغبة حزب الاستقلال هي الأخرى واردة إلا أنها محفوفة بكثير من التحديات.

إن الممارسة السياسية المقبلة ستؤسس لمسار جديد من الصراع السياسي، إن لم يتم ضبطه بنصوص تشريعية شفافة، ولا سيما أن كل المؤشرات تفيد بأن الصراع الانتخابي سيكون محتدما، بعد فتيل تشكيل تحالف الثماني الذي أعلن عنه صلاح الدين مزوار.

elfathifattah@yahoo.fr




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات