حرب الاختلاط .. حرب بلا قضية !
تركي سليم الأكلبي
حرب داحس والغبراء قامة بسبب ناقة وفرس ،
أما الحرب الدائرة الآن فلا داحس لها ولا غبراء !
هو صراع طبيعي على " الكعكة " .
وبما أن كل صراع لا يقوم إلا بوجود طرفين أو أكثر ، فقد جاءت
حرب الاختلاط وقبلها حرب عمل المرأة ، وقيادة المرأة للسيارة ، وهي حروب تأسست على التخوف من تغيير واقع اجتماعي قام على تنزيل المتغير منزلة الثبت الديني ، وعلى التخوف من تأثير ثقافة الآخر وتحديدا الغرب لتكشف هذه الحروب مجتمعة عن حقيقة أهمية نشؤ الصراع ، وفي أحيانا تتطلب تلك الأهمية خلق العدو الوهم كما هو الحال في نهج القوى العظمى المسيطرة على العالم . ولتكشف هذه الحروب وآخرها حرب الاختلاط عن صراع من طرف واحد يتمثل في جانبين أحدهما لا مجال لمناقشته هنا لتشعبه واهتمامه الأكبر بالسياسة ، والفكر الإسلامي
المعاصر ، والصراع مع الحداثة ، وتركيزه على الأطروحات والرؤى الفكرية في مجال قضايا الأمة الإسلامية ، و( تأميم ) المواطن والابتعاد التام عن قضاياه الداخلية .
أما الجانب الآخر فهو الجانب الدعوي والوعظي والفتيا وهو الطرف الأكثر ارتباطا بخصائص المجتمع وبكثير من السمات الشخصية ( شخصية الفرد والمجتمع ) ومنها المحافظة على كل ما هو تقليدي ، والتشبث بالقديم ، ومقاومة التغيير ، والخوف الشديد من الجديد والتجديد ، والاطمئنان للمعتاد والمألوف ولتراث الآباء وأساليب حياتهم والتجارب التي مروا بها ، والاعتماد الكلي على ذاكرة التاريخ ونتاج الآباء الفكري والثقافي والعلمي .. رغم العديد من الجوانب المضيئة فيه التي لم تسقط المستقبل وحقيقة التغيّر الاجتماعي ، ورغم دعوة الإسلام إلى الإعداد والاستعداد للتغيّر كسنة من سنن الله في الكون من خلال التفكير وطرائقه العلمية والإعمال العقلي بعملياته المتعددة .
وبما أن المجتمع من أكثر المجتمعات تديّنا وله عاطفة دينية من أقوى العواطف البشرية ، وللمحافظة على استمرار الأوضاع القائمة والحد من تأثير رياح التغيير اعتمد الطرف البارز في صراعه مع تيارات " الليبرالية والعلمانية والتغريبية " كما لو أن وجودها في السعودية حقيقة ثابتة .. اعتمد على أدوات الصراع الأقوى التي تساير الواقع الاجتماعي بخصائصه ، ومكوناته الثقافية ، وموروثاته الفكرية ، وعاداته وتقاليده السائدة ، وأساليب حياته . كما اعتمد على تحريك عواطف العامة الدينية باتجاه الرفض لكل ما من شأنه أن يحدث تغيّرا في نمط التقبل لمعطيات العصر التي لا تتفق مع ما سمي بالخصوصية الاجتماعية حتى مع عدم مخالفة هذه المعطيات للثوابت الدينية .
ولعل من أقوى هذه الأدوات أثرا وتأثيرا تأثرا :
الوعظ التدييني المكثف والمتاح لكل من أراد أن يمتطي صهوته
- حتى أن بعض الأميين أصبحوا من الواعظين - وعبر كل الوسائل الاتصالية من المجلس إلى المسجد إلى المواقع الالكترونية إلى مختلف الوسائل الإعلامية والمنابر الاتصالية وبكل أساليب الإقناع العلمية والشعبية وحتى الخرافية .
وبرغم أن الوعظ الديني أمر مطلوب لتبصير الناس بسنن وفرائض دينهم إلا أن ما يميز الخطاب الوعظي تركيزه الشديد على المسائل الفقهية الخلافية باعتبارها ثوابت دينية ومسلمات قطعية ، وابتعاده عن كل ما يتعلق بهموم المواطن العادي وقضاياه ومشكلاته وعلاقاته بالأجهزة الحكومية الخدمية ، وابتعاده عن كل ما من شأنه توظيف تديّن المتلقي للحث على العمل والإنتاج والإبداع ودعم الابتكارات والاختراعات والبحوث العلمية .
وكذلك من أهم ما يميز الخطاب الوعظي التدييني إدراك الواعظ لتأثير العاطفة لدى المتلقي والعمل على هذا الأساس بإثارة المخاوف على الدين والقيم الاجتماعية واستخدام مثيرات نقيضي العاطفة ( الحب والكره ) من خلال مدح المتفق وذم المخالف ، بل لقد أصبح شائعا وصف المخالفين بالمنحلين أخلاقيا ، والمنافقين ، والشهوانيين ، والتغريبيين ، وأعداء الدين . عدا عن وصم أولئك بما لا يليق بمسلم فضلا عن كونه واعظا أو فقيها أو طالب علم شرعي أو كان من كبار علماء الدين . وليس من المستبعد أن تثير تلك الألفاظ والفتاوي التي تحقر ذات المخالف وتنتقص من قيمته الشخصية من يسمون بالشباب المتحمس فيستل ( سيفه ) بعد أن أغمدته الجهود الأمنية .
ومن المعروف في هذا السياق أن الشعب السعودي شعب عاطفي بل وذو اتجاهات عاطفية متناقضة ، وهذه حقيقة تكشفها عبارات
الشتائم الموجهة عبر تعليقات القراء " الالكترونية " لكل من يخالف رأي الشيخ في مقابل سيل من مشاعر الحب وصل بعضها لمستوى تقديس الأشخاص ، ونقيض ذلك كقول بعضهم :
( أحبك يا " ..... " أحبك .. أحبك موت ).. وهذه الأخيرة تظهر من خلال أشرطة شاشات بعض القنوات الفضائية المتحركة وبعض البرامج الإذاعية التي تدعو المتابعين لها بالقول :
" عبر عن مشاعرك تجاه مطربك المفضل " ))
ومع أن عاطفة الحب والكره سمة بشرية إلا الإشكال يأتي من
أسباب تأزمها وتطرفها وتفجرها كبعض الفتاوي التي تختزل
أكثر من مليار مسلم على كوكب الأرض في " بلاد الحرمين "
وكأسباب الضغوط النفسية لأزمات المواطن وبخاصة الشباب .
هذا الكلام لا ينفي وجود بعض الأفكار والرؤى والأطروحات التي تنادي بمبادئ العدالة الاجتماعية التي لا تتعارض مع الثابت الديني وهي من أسس الليبرالية الهامة ، ومن أولئك مفكرون ومثقفون وإعلاميون وأدباء وقياديون وأكاديميون وعلماء دين مثقفون ، ولكنهم لا يملكون من أدوات الصراع الطبيعي سوى بعض المقالات في مواجهة مجتمع بتكويناته الاجتماعية ، والثقافية الموروثة والمكتسبة بتأثير ( الصحوة ) وبخاصة في بداياتها وقبل ما سمي " بالتراجع والمراجعة " .
وكلك لا ينفي وجود من يؤمن بأقصى الأفكار العلمانية تعارضا مع التشريع الإسلامي الثابت وحتى اللا دينين ولكنه وجود لا يكاد يكون شيئا لقلته وعدم تأثيره .
خلاصة القول : نحن نمر بأزمة فكر ، وأزمة تهويل وتضخيم من ناحية ، وصمت مطبق من ناحية أخرى ، وهي أزمات لا تبررها الامتيازات مهما كانت مغرية سواء كانت مادية أو مكانة
اجتماعية .
وأن كنت لا أود أن أشير هنا لخطر فتاوي التكفير كأخطر سلاح
يستخدم حتى الآن في هذا الصراع غير المتكافئ إلا أن الفتوى في مواجهة تنامي الفقر في المجتمع الغني بموارده وثرواته لدرجة لجؤ نسوة من فقرائه للعمل كخادمات كما تردد مؤخرا ، وفي مواجهة الفساد المالي و الإداري الأشد فتكا بمقدرات الدولة ، وفي مواجهة البطالة المتنامية ، وفي مواجهة الكوارث غير الطبيعة الناشئة بسبب الفساد ، وفي مواجهة الأنظمة المنتهية
" الصلاحية " ، وفي مواجهة تدني مستوى الخدمات الصحية ، والقائمة طويلة ولكنها قائمة لا تحظى باهتمام الفتاوي والوعظ وربما لا تعنيها طالما كانت تتمتع وتهنأ في أبراجها العاجية ..
Turki2a@yahoo.com
التعليقات (0)