يجب أن نقر بأن تاريخنا الحديث لم يكتب بطريقة موضوعية تتوخى الدقة والأمانة العلمية والحيدة ، كما لم تتطبق بشأنه مناهج البحث العلمى المجرد ، وكما هو متعارف عليه علميا وأكاديميا عند كتابة تاريخ أية أمة ، حيث يتم عندنا تزييف العديد من الحقائق لإظهار أو خلق أو إدعاء جوانب أكثر إشراقا ــ زورا وبهتانا ، تماما كما فى الانتخابات والاستفتاءات ــ فى عهد أى زعيم حالى ، وتمحى تلقائيا ، وكالعادة ــ السرية ــ عند تولى زعيم جديد ، وهكذا دواليك يتم الاستخفاف بالتاريخ ومن ثم دارسيه.
وسوف أتحدث هنا فقط عن واقعة واحدة ومحددة وأرجو أن تكون كاشفة لما هو مضى و كذا لما هو آت ، وهى قد لاتكون خافية على العديدين ، وهى نكبة 1948، حيث قيل لنا أن مايسمى بالجيوش العربية التابعة لكل من مصر وبلاد الشام والعراق ، والسعودية ، بجانب فلسطين ــ وأرجو أن تدهبوا الى المراجع العربية التى آرخت لتلك الواقعة ، وكتبت من داخل دو لنا العربية ــ قد ذهبت الى فلسطين لتحريرها من العصابات والملشيات الصهيونية المعتدية والمحتلة ، وذلك بناءا على قرارجامعة الدول العربية بارسال تلك الجيوش الى فلسطين فى 12 ابريل عام 1948 ، ولكن اللجنة السياسية ــ تختلف عن لجنة السياسات ــ المنبثقة من الجامعة قررت أن الجيوش العربية لن تدخل فلسطين قبل إنسحاب بريطانيا المزمع منها فى 15 مايو 1948 .
وفى هذا الوقت بالذات كانت كل الدول العربية المشاركة بجيوشها فى تلك الحرب محتلة من قبل الانجليز ــ ويذكر موقع ويكيبيديا الالكتروتى ، الموسوعة الحرة ، أن القائد العام للجيش الأردنى مثلا كان جون باغوت جلوب الانجليزى ، وكذا القائد الميدانى للجيش الأردنى كان العميد نورمان لاش الانجليزى ــ ماعدا سوريا ولبنان فكانتا محتلين من قبل فرنسا ، والسعودية فقط هى التى لم تكن محتلة ، لكن شأنها شأن أى دولة عربية آخرى فى ذلك الوقت حيث كانت متخلفة كثيرا عن العصر ، فضلا عن انها كانت فى حالة لاتسمح لها بخوض حرب منفردة خارج حدودها،علاوة على انها قد شاركت بقوات رمزية تتألف من حوالى 759 فرد ، فى حين كان عدد افراد المليشيات الصهيونية حوالى 45300 فردا مسلحين بأفضل وأحدث الأسلحة و على أعلى مستوى تدريبى قتالى بمعايير ذلك الوقت .
وقد كان من الأولى بداهة أن تتحرر الدول العربية وتحرر نفسها ، بنفسها ، أولا من الاستعمار، حتى ولو اضطرت الى ان تخوض غمار حروب استقلال حقيقية ــ وليس أن تحارب طواحين الهواء ــ ضدد أى استعمار . وفقط بعد أن تستقل ، أى الدول العربية ، يمكنها أن تفكر وتخطط ثم تقدم نحو تحرير فلسطين ، وأعنقد لهذا السبب الرئيسى ــ بجانب أسباب آخرى بطبيعة الحال ولكنها تأتى فى المرحلة الثانية ــ لم تستقل، كما لم تتحرر ، فلسطين ، وقامت دولة اسرائيل ، و فى المقابل كادت أن تمحى حتى من الذاكرة ما يمكن أن يسمى بدولة ، أو دويلة فلسطين .
علما بأنه فى 29 نوفمبر عام 1947 قد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين الى دولة يهودية ودولة عربية فلسطينية وتدويل منطقة القدس ، وكان التقسيم يقضى بأت يكون 56% من فلسطين لليهود ، و 43 % من فلسطين للعرب ، و1% من الأرض يكون بمثابة الحدود بين البلدين ، وقد رحب الصهاينة ــ وكما تذكر الموسوعة الالكترونية ــ بقرار التقسيم عام 1947، ولكن العرب قد شعروا بالاجحاف لكن لم يذكر أنهم رفضوا قرار التقسيم .. فعلام كانت إذن حرب 1948 التى خاضتها الجيوش العربية ضد مليشيات العصابات الصهيونية فى فلسطين .. ؟ .. أغلب الظن ــ وليس كل الظن اثم ، ولكن بعضه فقط ــ كانت من أجل عدم تجاوز قرار التقسيم الذى أقرته الجمعية العامة للامم المنحدة فى 29 نوفمبر عام 1947 ، أى أن الدول العربية فى حقيقة الأمر أقدمت ، طوعا أو كرها ، على الإعتراف بالأمر الواقع ــ ومع ذلك فقد طمع الصهاينة فى الإ ستيلاء على اكثر مما أقرته لهم الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو 56% ، كما استولوا على أجزاء من القدس ، وهو ما يسمى اليوم بالقدس الغربية، وذلك نظرا لاندهاشهم وعدم توقعهم بأن العرب سيوافقون ، أو سيتنازلون ، بهذه السهولة ويرضخون لقرار التقسيم ، وعندئذ فقط طمحوا وطمعوا فى الحصول على المزيد . ومنذ ذلك الحين ، وحتى الآن ، عندما يقبل العرب بأى تسوية للصراع العربى الاسرائيلى ترفضها إسرائيل وتطلب المزيد ، فحتى المبادرة العربية للسلام ، على سبيل المثال ، التى قدمتها السعودية ، وعلى الرغم مما فيها من تنازلات ، فقد رفضتها أيضا إسرائيل ــ وليس كما تذكر بعض المراجع العربية كذبا وبهتانا وزورا ان حرب 1948 كانت من أجل تحرير كل فلسطين وطرد كل العصابات الصهيونية من فلسطين ..!
وبعد هزيمة 5 يونيو 1967 ، إ زدادت كل من المقاومة الإيجابية والمقاومة السلبية ــ فى إطار المسموح به بطبيعة الحال ، خاصة بعد موت أو إغتيال عبد الناصر ــ لكل من إسرائيل من ناحية ، و كذا المقاطعة الاقتصادية لكل الشركات الكبرى التى تتعامل مع إسرائيل فى أى نشاط من الأنشطة من ناحية آخرى .
وقد ألحقت تلك المقاطعة فى حقيقة الأمر أبلغ الضرر بتلك الشركات وأيضا بالاقتصاد العالمى أو الغربى على وجه الخصوص ، حيث لايقارن السوق الاسرائيلى بالسوق العربى من المحيط الى الخليج وبعدد سكان يصل ــ وقتها ــ الى حوالى 200 مليون نسمة فى مقابل عدد سكان اسرائيل الذى لم يكن يتجاوز 3 مليون نسمة ، فضلا عن الثروات الطبيعية التى كان يزخر بها العالم العربى من نفط وغاز وغيرهما ، وكذا موارده المالية .
فلا توجد أية شركة برجماتية عاقلة يمكن إذن أن تضحى بالسوق العربى وإمكانياته الهائلة الواعدة من أجل التعامل فقط مع إسرائيل ــ والتى كانت تعتمد إعتمادا كليا على المعونة الأمريكية والمساعدات الغربية لها ــ إلا إذا كانت مدعومة ومحمية من قبل حكومتها .
وقد تفاقم الوضع سؤا ، وتأثر الاقتصاد العالمى كثيرا ، والغربى خاصة ، نتيجة حالة عدم الاستقرار التى كانت سائدة فى منطقة الشرق الأوسط ،خاصة فى ظل ذلك التنافس الحميم بين المعسكرين الغربى والشرقى إبان الحرب الباردة فى بداية حقبة السبعينات من القرن الماضى .
وقد وجدت الولايات المتحدة أنه لايمكنها أن تحقق أى سبق أو إنتصار ــ فضلا عن ضربة قاضية ــ على المعسكر الشرقى بزعامة الإتحاد السوفيتى السابق ما لم يتم حسم الصراع فى منطقة الشرق الأوسط بشكل ما ، و الخروج من حالة الركود السائدة فيه والتى كانت متمثلة فيما كان يسمى بحالة اللا سلم واللا حرب .
ومن هنا بدأ دور مهندس السياسة الخارجية الأمريكية فى الشرق الأوسط ذو الأصول اليهودية الصهيونية ، والمنحاز بطبيعة الحال لاسرائيل ، هنرى كسينجر ، حيث كانت أمامه عدة أهداف أو تحديات ، وهى كيف فى ظل تلك الأوضاع ــ والتى كانت سائدة منذ بداية عهد السادات ــ يمكن عمل تسوية ما يخرج المنطقة من حالة اللا سلم واللاحرب تلك الغارقة فيها والتى أضرت بالإقنصاد الغربى ، وكذا هددت الوضع التنافسى للمعسكر الغربى أمام المعسكر الشرقى، وكيف يمكن رفع الحظر الإقتصادى أو المقاطعة العربية لأية شركة تعاملت أوسوف تتعامل فى المستقبل مع إسرائيل ، وأخيرا ــ وليس آخرا ــ وهذا هو الأهم كيف يمكن عمل تطبيع للعلاقات بين كل من اسرائيل وعدد من الدول العربية فى المدى القصير أو المتوسط ، وبينها وبين كل العالم العربى على المدى البعيد ، ثم من من رجال المنطقة ، وزعمائها يمكن الإعتماد عليهم فى تنفيذ ونجاح الخطط الأمريكية الغربية فى المنطقة ..
وللحديث بقية ..
مجدى الحداد
التعليقات (0)