كثيرة هي الأمثال الشعبية اللتي تنهى عن بعض الأفعال المشينة . ومنها مثل عراقي يقول ، " حرامي لاتصير ، من السلطان لاتخاف " . أي أنك أذا لم تسرق وتصبح لصا ، فلا داعي لأن تخاف من السلطان .
من يتابع الأخبار والتقارير الصحفية في الأسبوعين الماضيين سيصاب بالذهول من كمية المنع الأعلامي اللذي تستخدمه الحكومات ضد الصحافة . ولا يقتصر هذا المنع على الدول غير الديموقراطية بل تعداه الى دول غربية وديموقراطية .
"سایت وجود ندارد"... عبارة باللغة الفارسيّة سيقرأها أي مستخدم للإنترنت في إيران إن حاول الولوج إلى موقع جريدة "إيلاف" الإلكترونيّة. فهذا "الموقع غير موجود"، مثلما تقول العبارة، في عرف السلطات العليا في طهران، التي سلطت سيف رقابتها على إيلاف لاعتبارات غير محددة، وذلك اعتبارًا من اليوم الثلاثاء الواقع فيه 21 كانون الأوّل (ديسمبر) 2010.
وقبل ذلك منعت السلطات السعودية أيلاف ، بعد تناول تقرير أعده مدير تحريرها سلطان القحطاني حول صعود نجم الامير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني وزير الداخلية، خاصة في ظل غيـــاب العاهل السعودي للعلاج في الخارج، اضافة الى مرض ولي العهد الامير سلطان .
وفي الكويت سحب قبل أيام ترخيص قناة الجزيرة واغلق مكتبها ، بعد تغطيتها لموضوع ضرب الشرطة لنواب كتلة " ألا الدستور " في البرلمان الكويتي. وجاء في تصريح المسؤولين ان سبب هذا القرار هو "تدخلها بالشأن الداخلي ، على الرغم من تحذيرات سبق ان ارسلتها الوزارة لجميع وسائل الاعلام بعدم نشر او بث اي اخبار عن الاحداث الاخيرة واثارة الموضوع الا ان القناة لم تلتزم بالتحذير " ؟!.
ومنعت الحكومة العراقية قناة البغدادية من فتح مكاتبها في العراق نتيجة تغطيتها لأحداث كنيسة النجاة .
وأما الرئيس الأمريكي أوباما فد وصف نشر البرقيات الدبلوماسية السرية بأنه يعد "عملا مقيتا"
وهي المرة الاولى التي يستخدم فيها اوباما مثل هذه التعابير القاسية ، بحسب الصحافة الأمريكية . كما أمر البيت الأبيض الهيئات الحكومية الأميركية باتخاذ تدابير كيلا يتمكن موظفوها الذين لا يملكون التراخيص اللازمة من الدخول إلى موقع «ويكيليكس» من أجهزة الكومبيوتر التي يستخدمونها في العمل ، ثم تعداه المنع الى أجهزة البيت أو اي جهاز آخر ؟! .
وهذه الأحداث ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بالطبع . فاالصحافة مراقبة بشدة في الصين اللتي تفلتر أكثر من نصف المعلومات الموجودة على الأنترنت ، وكذلك تفعل معظم الحكومات الشمولية والعالم ثالثية أن صح التعبير .
يبدوا أن الحكومات تبحث عن صحافة التمجيد وذكر الحسنات "على صغرها" وتضخيمها وتكبيرها
حتى تغطي على الكوارث اللتي تجرها على شعوبها ، والجرائم اللتي ترتكبها . أو على الأقل التعتيم على هذه الجرائم بحجة الأسرار الحكومية كما في الغرب اللذي تحكمه قوانين صحافة بحرية اكبر . متناسية عن عمد أن الصحافة الحقيقية هي تسليط الضوء على السلبيات والتجاوزات والجرائم والفساد، والبحث عن الأسباب ، ومحاولة كشف الحقائق .
فخبر مثل أن الزعيم الفلاني قد زاول أعماله المعتادة اليوم لايعتبر خبرا صحفيا . ولكن عدم مزاولته لعمله المعتاد هو الخبر . وحينها على الصحافة أن تبين سبب هذا الأختفاء المفاجيء . وعندما يتضح بأن الزعيم يعاني من المرض وتقوم الصحافة بأيصال الخبر الى الجمهور ، فأن هذا لايعني أن الصحافة ماجورة أو مرتبطة بأجندة خارجية ، او عميلة للعدو . بل ان هذا لايعني ألا شيئا واحدا ، وهو أن الصحافة ببساطة ، أخبرت الجمهور حقيقة أمر أختفاء الزعيم فقط لاغير .
صحيح أن الصحافة المستقلة تماما هي شيء ليس له وجود في هذا الكون . فالصحفي اولا وأخيرا يبقى مرتبطا بسياسة المؤسسة الأعلامية اللتي يترزق منها ، واللتي بدورها تلتزم بالخط اللذي ترسمه لها الجهة الراعية لهذه المؤسسة واللتي منها تاتي معظم الأموال اللازمة لديمومتها .
ألا أن الصحافة أذا ما نشرت خبرا عن جريمة ترتكبها هذه الجهة أو تلك . أو أذا ما كشفت فسادا هنا أو هناك ، أو مؤامرة من أي نوع ، ليتضح بعد ذلك صحة الخبر ، عندها تكون الصحافة قد أدت رسالتها على أتم وجه .
مهما كانت هناك مؤشرات سلبية عن اي مؤسسة أعلامية في نظر البعض . فأن كشف أي وسيلة أعلام لأي سلبيات مجتمعية او حكومية او فردية يعتبر من صميم مهنة الصحافة . واللذي يريد أن يتقي الصحافة ، عليه أن لايرتكب الجريمة او الفساد أو الظلم . لا أن يغلق الصحف والأذاعات .
وحرامي لاتصير . من الصحافة لاتخاف .
http://www.elaph.com/Web/news/2010/12/619890.html?entry=newsmainstory
http://alwatan.kuwait.tt/ArticleDetails.aspx?id=74952
http://www.guardian.co.uk/world/interactive/2010/nov/28/us-embassy-cables-wikileaks
التعليقات (0)