صحيح أنا ساخر، ولکن لم تصل بي السخرية الى الحد الذي أصدق بأن نصب الحرية في أمريکا، مقولة معروفة للکاتب الساخر جورج برناردشو يتهکم من خلالها بوضوح من الموقف الامريکي من قضية الحرية، حيث أن شو کان على مايبدو مؤمنا بکذب و زيف المزاعم الامريکية بهذا الخصوص، وقد کانت المواقف الامريکية و على مر التأريخ ومن اغلب قضايا الثورات و التحرر، موضع شبهة و ترافقها الکثير من علامات الاستفهام، وان الامثلة أکثر من کثيرة إبتدائا من أمريکا اللاتينية و مرورا بآسيا و إنتهائا بأفريقيا، لکن أمريکا التي ماتزال تصر على أنها تحمل لواء الحرية و الديمقراطية في العالم، تئن أيضا من ثقل أرثها"السياسي"البغيض في العديد من الدول، وخصوصا ماأقترفته في بوليفيا و إعدامها للقائد الثوري جيفارا إنتصارا للحکم الاستبدادي للرئيس باتيستا و ذلك الانقلاب الدموي الذي دبرته ضد نظام حکم الرئيس التشيلي"سلفادور اللندي" و أطاحت به لتأتي بنظام دکاتوري قمعي عسکري تلطخت يداه بدماء الابرياء منذ الوهلة الاولى ولحد اليوم الاخير من بقائه، أما في آسيا، فإن الحديث عن الدور الامريکي المخجل و المثير للقرف في جنوب شرق آسيا، وخصوصا في فيتنام و کمبوديا و لاوس، يميط اللثام عن حقائق دامغة بشأن ماهية و حقيقة المزاعم الامريکية من قضية الحرية و مفهوم الديمقراطية.
أما في آسيا و أفريقيا، فإن الحديث عن الدعم الامريکي للدکتاتوريات السوداء المتحکمة برقاب الشعوب، هو حديث ذو شجون، مداف فيه مئات اسئلة الاستفهام و علامات التعجب و فارزات الشبهة! أمريکا، التي فجأة و مع تلاشي الکتلة الشيوعية و إنتهاء النفوذ السوفياتي في العالم، عادت مجددا لتحمل بيرقها المتهرئ و تنفخ في قربها المثقوبة إنتصارا للشعوب المضطهدة وهي التي بنفسها وفي ظل النظام الدولي الجديد، مازالت تدعم و بقوة أعتى الدکتاتوريات و أکثرها قمعا و إرهابا و کبتا للحريات، ولو تأعدنا للأذهان الموقف الامريکي القوي جدا من نظام الشاه لحد سقوطه، و من بعده الموقف"الهلامي"و"الاميبي"من نظام رجال الدين، و مساعيها المفرطة من أجل"إحتواء"و"إعادة تأهيل"هذا النظام بطرق و اساليب متعددة أثبتت الايام الغباء المطبق لليانکي الامريکي و سذاجته أمام دهاء و مراوغات المعممين الحاکمين في طهران و قم، ويوما بعد آخر يحرز النظام الايراني المتطرف المزيد من الاهداف النظيفة في المرمى الامريکي من دون أن تقابلها أية أهداف أمريکية سوى"جعجعة"و"قرقعة"و"نفخ"و"کلام فارغ" لاجدوى من ورائه، في هذا الوقت بالذات، يخرج علينا السفير الامريکي في العراق و يوجه نصيحة"ثمينة جدا"لسکان أشرف الذين واجهوا و يواجهون عملية إبادة جماعية منظمة مرسومة و مخططة في طهران و تنفذ بأيادي عراقية"تابعة"عقائديا لولي أمر المسلمين، السفير الامريکي ينصح سکان أشرف بمغادرة معسکرهم و العراق و التوجه الى اوربا و الغرب و لم يکتف بهذا الحد فقط وانما نصحهم أيضا بحل منظمة مجاهدي خلق!! الحق، أن وصول الغباء الامريکي الى هذه الدرجة من البلادة السياسية و قصر النظر، يثير العديد من علامات الاستفهام حول الاستراتيجية التي تنشدها واشنطن حيال النظام الديني الايراني المتطرف الصدر للإرهاب و القلاقل لمختلف دول المنطقة و الداعم لکل أشکال و صيغ التخلف و الظلامة و الاستبداد الفکري ـ الاجتماعي ـ السياسي، بل أن الغريب أن رجال الدين بنفسهم لم يتجرؤا يوما على طرح هکذا مطلب لقناعتهم بسخفه و عدم جدواه، لکن السفير الامريکي الذي يبدو أن أبخرة و شموع و أحجية آيات الله في طهران و قم قد ملئت أنفه بصورة بات يفکر باسلوب أکثر خمينية من أحفاد الخميني أنفسهم، ذلك أن منظمة مثل منظمة مجاهدي خلق التي تمتلك تأريخا عريقا في النضال و الکفاح من أجل غد أفضل لإيران و شعب إيران و قدمت الالاف من الشهداء و أبليت بلائا حسنا في مقارعة دکتاتورية الشاه و من بعده دکاتورية المعممين، يريد السفير"الحاذق"والنبه"شطبها و إنهائها بمجرد جرة قلم، تماما کما هو الحال مع الدکتاتوريين عندما يتصدون لقضايا الحرية و الديمقراطية في بلدانهم، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل طرح السفير أفکاره النيرة تلك لذاته أم بعد مشاورة مع وزارة الخارجية الامريکية؟ انه سؤال قد يتم توضيحه خلال المستقبل القريب.
التعليقات (0)