مواضيع اليوم

حديث في الدين والمجتمع

سلمان عبدالأعلى

2012-01-02 13:22:58

0

حديث في الدين والمجتمع

بقلم: سلمان عبدالأعلى

أيهما يُؤثر بالآخر أو يتأثر به: الدين أم المجتمع؟ وبعبارة أخرى، هل الدين هو المؤثر في المجتمع أم أن المجتمع (بعاداته وتقاليده) هو المؤثر في الدين (بمبادئه وقيمه)؟

إن هذا التساؤل هو من التساؤلات الهامة التي تحدد طبيعة العلاقة التي تربط بين التعاليم الدينية والعادات والتقاليد الاجتماعية، فمن المعروف أن للدين تأثير بارز على المجتمع (على عاداته وسلوكيات أفراده)، وهذا أمر واضح وجلي ولا يحتاج لتأمل عميق، إذ لو لم يكن للدين أي تأثير على المجتمع لما كانت لدعوة الأنبياء والرسل عليهم السلام أي قيمة أو أثر، ولكننا ندرك مدى الأثر البالغ الذي أحدثته دعوة الأنبياء عليهم السلام في إحداث التغييرات الاجتماعية.

فالرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان له أثر بالغ على مجتمعه، فقد ساهم في تغيير الكثير من النظم الاجتماعية (السلبية) التي كانت سائدة في الجاهلية، حيث استبدلها بقيم أخرى لم تكن معروفة أو متداولة من قبل.

ولا أظن بأن هناك من يشك في مدى الأثر الذي يحدثه الدين في المجتمع وأفراده، ولكنني متيقن بأن هناك من يرفض أو يشكك على الأقل في تأثير المجتمع (بعاداته وتقاليده) على الدين، ولا أدري لماذا؟! مع أننا نرى الكثير من العادات والتقاليد (المألوفات) الاجتماعية أضحت في نظر البعض أوامر وتوجيهات دينية مقدسة !

من هنا أضع إشكالاً كبيراً على العبارة الشهيرة التي يرددها البعض وهي: "الإسلام يصلح (بفتح الياء) لكل زمان ومكان"، وذلك لأنها قد توحي أو قد يفهم منها، أن الإسلام من المفترض أن يتكيف مع الوضع الاجتماعي السائد الذي يتواجد فيه، وهذا قد يؤدي لفتح المجال لاستغلال الدين أو لتشويه بعض ملامحه بهذه الحجة، ولهذا أرى من الضرورة التركيز على العبارة الأخرى القائلة: "الإسلام يُصلح (بضم الياء) كل زمان ومكان"، لأنها أكثر دقة من الأولى، فنحن نريد أن ننتقل من تكيف الدين مع المجتمع -كما قد توحي به العبارة الأولى- إلى تكيف المجتمع مع الدين، لأننا إذا وصلنا إلى هذا المطلب حققنا الغاية والأهداف المرجوة من الدين.

 

الدين والمجتمع في علم الاجتماع:


يُبحث في علم الاجتماع الديني دور الدين في إحداث التغيير الاجتماعي، وذلك من خلال دراسة دور النبي أو القائد الديني في إحداث هذا التغيير، وكذلك دور الأفكار والقيم الدينية في ذلك، كما هو في أبحاث عالم الاجتماع الشهير ماكس فيبر.

أما عن دور المجتمع في التغيير الديني، فقد بين دوركيم أن المجتمع يخلق نوعاً من التقليدية الدينية وذلك عندما يحافظ الأفراد دون تغيير على ما يشعرون بالخشوع نحوه (المقدس). وبين لنا مالينوفسكي كذلك، في دراسته عن المجتمعات البدائية أن السحر والدين يحاولان منع حدوث تغير في هذه المجتمعات[1].

وليس بالضرورة أن يكون هذا من أصل الدين، فكثير من العادات والتقاليد (المألوفات) الاجتماعية قُدست كما قُدست القيم والمبادئ الدينية، بحيث أصبح من المتعسر لدى البعض التمييز فيما بينها.

والسؤال هنا: كيف يكون المجتمع مؤثراً في الدين؟ أو ما هي الظروف التي يكون فيها الدين -الذي يدين به الناس أي العادات والمألوفات الاجتماعية الدينية- مانعاً من حدوث التغيير بغض النظر عن إيجابيته أو سلبيته ؟

سوف نلخص الإجابة -التي أتى بها علم الاجتماع الديني- على هذه التساؤلات في النقاط التالية:

1. قد يرجع هذا إلى أن الدين قد يكون معارضاً للتغيير بعد أن تستغرق الكرزما[2] وقيادتها في الروتين اليومي للحياة. كذلك فإن خلق أنساق دينية لها مقدساتها ورموزها وشعائرها واستمرارها فترة زمنية طويلة يجعل من الصعب على الأفراد أن يتقبلوا أي تغير خشية أن تتأثر معتقداتهم بهذا.

2. قد ترجع إعاقة الدين للتغير، إلى أن الدين غالباً ما يطور تنظيم قوي يتميز بالهيراركية الدينية، ولا شك أن مثل هذا التنظيم يمنع أي تغير.

3. يرجع إلى أن هيئة الدين في أي دين، تحاول مقاومة أي تغيير خشية أن تفقد هذه الهيئة قوتها وهيبتها لدى العامة.

4. إن رجال الدين قد يكونوا من الذين يمتلكون الثروات ومن ثم فان مقامة التغيير حماية لهم ومحاولة للإبقاء على الوضع الراهن[3].

طبعاً الكلام هنا عن الدين والمقصود به هو العادات والتقاليد الاجتماعية التي أدمجت في الدين واتسمت بالقداسة الدينية، أي كما أسميناه في مقال سابق بالدين البشري وليس الدين الإلهي الذي أوحي به سبحانه وتعالى للأنبياء عليهم السلام[4].

وقد يتساءل البعض قائلاً: ما هي الفائدة من هذا الكلام؟ فالبعض يظن بأن هذا الكلام هو من باب الترف الفكري الذي لا قيمة فعلية له، وهذا بالتأكيد غير صحيح، فالهدف منه هو أن نكون واعين ومدركين بأن هناك بعض المسائل التي نحسبها دينية من أساسها مع أنها متكونة من تأثير العادات والتقاليد الاجتماعية التي دخلت في الدين وارتبطت باسمه، بحيث أننا وفي الكثير من الأحيان أصبحنا نتعبد بها ونحن لا نشعر، مع أنها ليست من الأمور الدينية، بل ربما تكون مخالفة لها، ومع ذلك نحن غافلون عنها.

 

------------------------------------------
[1] لتفاصيل أكثر راجع كتاب علم الاجتماع الديني للدكتور محمد أحمد بيومي ص 463، الطبعة الثانية عام 1985، نشر دار المعرفة الجامعية بمصر.

[2] الكارزما: من الصعب إعطاء تعريف واحد أو دقيق للكارزما ولكن يمكننا أن نقول بأنها "الجاذبية الشخصية" في القائد، وهي تعبر عن مدى القدرة على إقناع الآخرين والتأثير فيهم إيجابياً.

[3] راجع الكتاب المذكور ص 464 مع العلم بأنه منقول بتصرف.

[4] راجع مقالنا المُعنون بـ الإسلام البشري.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !