وطن الإنسان وعاء حياته فيه المولد والطفولة والصبا والشباب والكهولة والشيخوخة والرقاد الأخير ومنها يقوم إلى العالم الآخر"منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى"
هذا هو المعتاد ولكن يحدث أحيانا أن يكون الموطن -ولاأقول الوطن- طوقا من أشواك تسحق الروح وهنا يضطر الحر أن يحمل وطنه فى قلبه ويرحل إلى موطن آخر يجد فيه متنفسا
يجتر فيه وطنيته ويكاد فى غربته يتنفس لموطنه المكتوم ويتحررفيه لموطنه المكبل .
ياأيها المواطن لماذا تهجر موطنك ؟قال :خوفا من غربان الليل وسارقوا الاحترام وإهدار كرامة الإنسان . طيب ياايها المواطن :ماذا تحمل حين تهاجر؟قال :أحمل ماخف حمله وغلا
ثمنه .آخذ كل ماله قيمة لأستعين به على حياة الغربة .طيب ياأيها المواطن ماذا تفعل فى بيتك وأرضك ؟قال:لامفر من بيع ممتلكاتى ولاداعى لأن أترك ورائى ماآسف عليه .
طيب ياأيها المواطن لماذا لاتترك بيتك وأرضك حتى إذا عدت وجدت ؟قال :كيف أترك ملكى وأنا ذاهب إلى مجهول لاأدرى هل أعود منه أو لاأعود ؟
ياأيها المواطن مارأيك فيمن يهاجر بنفسه فقط تاركا كل مايملك وهو يقدر أن يبيعه ؟قال:ليس هذا معقولا ولامقبولا .ياأيها المواطن هناك من ترك ماله وبيته وأهله وحمل معه ما
هو أغلى من كل هؤلاء .إنهم المسلمون الأوائل الذين حملوا عقائدهم فى قلوبهم وتركوا كل شىء وراءهم ...لم يكرهوا وطنهم بل أسفوا على فراقه ولكن عقيدتهم موطن أرواحهم فإذا
كانت أجسادهم فارقت الموطن فإن أرواحهم لاتحتمل القيد "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوافيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا
فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراإلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لايستطيعون حيلة ولايهتدون سبيلا"النساء 97,98
أسمعت أيها الإنسان كلام ربك ؟ إنه يمكن أن تحمل وطنك إلى أى مكان فأرض الله واسعة ولكنك لو أقمت فى موطنك على مذلة وهوان كنت آثما مستحقا لعقاب الله لأنه وهبك نعمة
الحرية فلا تفرط فيها ومنتهى الحرية ألا تقبل العبودية إلا لله فقط والله يريد منك إيمان الحر ولايقبل إيمان المكره المضطر .
وهكذا كان المهاجرون المسلمون الأوائل نوعا فريدا من المهاجرين ...انظروا إلى هذا المهاجر (صهيب) وقد اعترضه المشركون ليمنعوه من الهجرة قائلين :(لقد أتيتنا صعلوكا فأثريت
بيننا ولن نتركك تمضى بأموالنا) فيقول :فإذا دللتكم على مالى أتخلون بينى وما أريد ؟قالوا نعم فدلهم على أمواله ومضى .ولما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة وحكى
له ما حدث قال :"ربح البيع ربح البيع " لقد كانت هجرة المسلمين الأوائل أعجب هجرات التاريخ .
ومضت الهجرة وفتحت مكمة فانتهت الهجرة "لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " وفى تعبير آخر "المهاجر من هجر مانهى الله عنه " إذن هناك شكل من أشكال الهجرة باق إلى يوم
القيامة ,هو أن تهجر الإعراض عن منهج الله أن تهجر أذى الناس وأكل حقوقهم بالباطل .أن تهجر تلوين الحياة بألوان غيرطبيعية ألوان النفاق والمظاهر الخادعة .
إن المهاجر هو الإنسان السوى الصادق مع ربه ونفسه وغيره إنه الذى سلم الناس من لسانه ويده باختصار :إنه الإنسان المسلم
التعليقات (0)