ا
نزول رحمته أونزول ملائكته
الوهابية تستشهد بمتون منكرة لتثبت النزول الحركى
قال د. صهيب الصقار في التجسيم في الفكر الإسلامي (2/ 170): "لكن القوم لما أحضروا مع هذه الأحاديث (أي أحاديث النزول الصحيحة) متوناً منكرة نفَرَت أذهانهم من هذا الفهم الصحيح (أي أن المراد نزول رحمته أو ملائكته)، لِما وجدوه في هذه المتون من تقوية الظاهر وتأكيد المعنى الموهم، حتى تكلم القوم في نزوله بذاته على سبيل الانتقال والحركة وخلو العرش منه وتدرجِه في النزول بين السموات وهبوطه وصعوده وارتفاعه بعد النزول وغير ذلك مما دفعهم إلى الخوض فيه ما جمعوه مع الأحاديث الصحيحة من الأسانيد الواهية والمتون المنكرة التي تُعِّين الظاهر الموهم وتوجب الحمل عليه.
فأعدل الطرق في ذلك أن نميز الصحيح ونطلب له المعنى الذي يصح حمله في اللغة والشرع ونطرحَ الواهي والمنكر لا أن نجعله حكماً على دلالة الصحيح.
ومن هذه المتون المنكرة ما أخرجه عبد الله بسنده (عن ثوير عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له أبو الخطاب أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر؟ فقال أحب أن أوتر نصف الليل إن الله عز وجل يهبط من السماء العليا إلى السماء الدنيا فيقول هل من مذنب هل من مستغفر هل من داع حتى إذا طلع الفجر ارتفع) (1)
إسناده ضعيف وذكر الهبوط والارتفاع في متنه منكر. ولا يخفى بعد ما بين لفظ الهبوط ولفظ التنزل في هذا السياق، فلفظ الهبوط شديد الانحراف إلى الظاهر الحسي بخلاف لفظ التنزل الذي لا يكاد يخفى وجه استعماله العربي في هذا السياق إلا على من حرمه غلبة الحس على ذهنه من تذوق أساليب العربية، حتى عدَّ لفظَ التنزل مرادفاً للفظ الهبوط الذي يعقبه الارتفاع والصعود.
ومنها خبر عن عبيد بن عمير
__________
(1) 2/476(1089). ثوير بن أبى فاختة أبو الجهم الكوفى، ضعيف رمى بالرفض انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب 2/36. وأبو الخطاب لا يوقف على اسمه ذكره ابن حجر في الإصابة 7/108 وذكر هذا الحديث في ترجمته.
قال ابن القيم: (ذكر عبد الله بن أحمد في كتاب السنة من رواية حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير قال ينزل الرب عز وجل شطر الليل إلى السماء فيقول من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له حتى إذا كان الفجر صعد الرب عز وجل) (1) وليس في كتاب السنة هذه الزيادة المنكرة في آخره (2)
ومما استدل به من يسميه ابن تيمية شيخَ الإسلام الهروي (3) ما ذكره الذهبي فقال:
(حديث الفاروق من طريق يحيى بن زكريا السيء بمرو حدثنا العلاء بن عمرو حدثنا جرير عن ليث بن أبي سليم عن بشر عن أنس قال قال رسول الله إذا نزل الله إلى سماء الدنيا نزل على عرشه.
هذا إسناد ساقط. وبشر لا ندري من هو وقد قال ابن منده (4) روى نعيم بن حماد عن جرير بهذا لكن لفظه إذا أراد أن ينزل على عرشه نزل بذاته ولعل هذا موضوع) (5)
__________
(1) اجتماع الجيوش 163 و170. وانظر الاحتجاج به في معارج القبول1/180 والتحفة المدنية في العقيدة السلفية 75 والفواكه العذاب 114
(2) السنة1/272(507) قال عبد الله بن أحمد: (أخبرت عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال قلت لعطاء فذكر حديثا وأما سبحان الملك القدوس فبلغني حسبت أنه يخبر ذلك عن عبيد بن عمير قال ينزل الرب عز وجل شطر الليل إلى السماء الدنيا فيقول من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له) فهذا سند فيه مجهول وهو شيخ المصنف.
(3) ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري 13/468 عدداً من الأخبار التي استدل بها الهروي في كتابه الفاروق وتكلم على أسانيدها.
(4) في كتابه الذي ذكره ابن تيمية في شرح حديث النزول ضمن مجموع كتبه ورسائله في العقيدة ونقل منه وهو 5/132 واسمه (الرد على من زعم أن الله فى كل مكان وعلى من زعم أن الله ليس له مكان وعلى من تأول النزول على غير النزول)
(5) العلو للعلي الغفار1/90. وقال: (..هذا إسناد ساقط) وهو في المصنوع51 وكشف الخفا 1/80
قال وليد: فانظر كيف أخذوا بهذه الروايات المنكرة والساقطة وتركوا روايات أقوى منها بكثير تزيل الإشكال، فقد قال القرطبي بعد أن روى حديث النزول في كتابه الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي، ط/ الرسالة (5/ 60): "وقد اختُلف في تأويله، وأولى ما قيل فيه ما جاء في كتاب النسائي مفسرا عن أبى هريرة وأبي سعيد رضى الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عزوجل يمهل حتى يمضى شطر الليل الاول ثم يأمر مناديا فيقول هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له هل من سائل يعطى ".صححه أبو محمد عبد الحق، وهو يرفع الاشكال ويوضح كل احتمال، وأن الاول من باب حذف المضاف، أي ينزل ملك ربنا فيقول.
وقد روى " ينزل " بضم الياء، وهو يبين ما ذكرنا، وبالله توفيقنا."
وقال ابن عبد البر في زيادة هذه اللفظة: (وقال آخرون ينزل بذاته، .. قال نعيم بن حماد في حديث النزول يرد على الجهمية قولهم: ينزل بذاته وهو على كرسيه.
قال أبو عمر ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة لأن هذا كيفية وهم يفزعون منها لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عياناً، وقد جل الله وتعالى عن ذلك وما غاب عن العيون فلا يصفه ذوو العقول إلا بخبر، ولا خبر في صفات الله إلا ما وصف نفسه به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فلا نتعدى ذلك إلى تشبيه أو قياس أو تمثيل أو تنظير فإنه "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير") (1)
د/وليد الزبر
التعليقات (0)