الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده ورسوله المصطفى .. أما بعد،
فلا شك أن لكل أمة رموزها، ولا شك أن لكل جماعة إمامهم وقدوتهم الذي به يقتدون وعلى خطاه يسيرون، ولا شك أن لكل منا حب عظيم ملأ عليه قلبه وملك عليه وجدانه. أنت كمسلم ينبغي أن يكون رمز الرموز بالنسبة لك ولأمة الإسلام جميعاً هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. إمامك وقدوتك ومثلك الأعلى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الأسوة التى ارتضاها لك الله عز وجل حين قال: " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا". حبك الأعظم الذي يجب أن يمتلك أحاسيسك ووجدانك هو حب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو شرط كمال الإيمان، فقد روى البخاري في صحيحه عن أنس قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين". لا يؤمن أي لا يؤمن إيماناً كاملاً أي لا يكتمل إيمانه. هكذا يجب أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياتنا. وقديماً قالوا :"من أحب شيئاً أكثر من ذكره". فأردت أن أعيش معكم اليوم في رحاب رسول الله عسى أن يقودنا الكلام عنه إلى محبته صلى الله عليه وسلم. ولكن منأنا حتى أتكلم عن رسول الله بما يليق به، ولا يعلم قدر رسول الله إلا الله الذي خلقه، فتعالوا بنا نعيش مع رسول الله من خلال بعض آيات من كتاب الله يتكلم فيها ربنا تبارك وتعالى عن حبيبه صلى الله عليه وسلم ، ولنجعل لقاءنا اليوم بعنوان : "حديث القرآن عن المصطفى العدنان صلى الله عليه وسلم".
الآيات التى تتكلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن كثيرة، وأول ما يستوقفنا هو آية في سورة التوبة يقول فيها ربنا تبارك وتعالى:" لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ". لقد جاءكم الخطاب لمن؟ قيل الخطاب لأهل مكة، لقد جاءكم يا أهل مكة رسول منكم تعرفون نسبه فيكم وأنه فيكم ذو نسب ، وتعرفون صدقه وأنه ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله، وتعرفون أمانته وأنه ما كان ليدعي لنفسه أمانة ليست له، فإذا كنتم تعرفون ذلك كله فكيف تتهمونه بالكذب وتكفرون به بعد ذلك؟. أو الخطاب للبشر جميعاً، لقد جاءكم يا معشر البشر رسول منكم فهو بشر مثلكم، وتلك نعمة من الله عز وجل أن يجعله بشر منا، إذ لو كان ملك من الملائكة كيف كنا سنتأسى به؟ كيف كنا سنقتدي به في أحكام الزواج؟ كيف كنا سنقلده في آداب الطعام والشراب والنوم وقضاء الحاجة؟ كيف كنا سنقلده في جهاد النفس ومحاربة الشيطان وضبط الشهوات؟ فمن حكمة الله وفضله أن جعله بشر من أنفسنا. لقد جاءكم رسول من أنفَسِكم بفتح الفاء قراءة، والنفاسة علو القدر ورفعة القيمة والمنزلة، وتلك شهادة من رب العزة بمكانة حبيبه صلى الله عليه وسلم. عزيز عليه ما عنتم، عزيز عليه أي يشق عليه ويحزنه ما عنتم من العنت وهو الجهد والمشقه، أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصعب عليه ويشق عليه أن يرى أمته في محن، أن يرى أمته في كرب، أن يرى أمته في بلاء، أن يرى أمته في معصية، وهذه اللآية فيها من لفت الدوافع لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، إذ أن الإنسان مجبول على حب من يهتم بأموره ويحزن لحزنه ويفرح لفرحه ويحرص على مصلحته، فإذا كان ربنا تبارك وتعالى أخبرنا أن هذا هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا، فلا شك أن ذلك من أعظم الدوافع لمحبة رسول الله، وقد بلغ من حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته أن قال:"إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وهم يقتحمون فيها". بالمؤمنين رؤوف رحيم،رأفة ورحمة تتناسب مع كمال بشريته صلى الله عليه وسلم، وإنك لتتعجب حينما تجد أن الله عز وجل يصف نفسه قائلاً:"إن الله بالناس لرؤوف رحيم" رأفة ورحمة تتناسب مع جلاله وكماله سبحانه وتعالى الذي ليس كمثله شيء، اللفتة هنا أن الله عز وجل لم يصف أحد من البشر بصفتين وصف بهما نفسه في القرآن الكريم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يدلك على رفعة قدر حبيبك صلى الله عليه وسلم عند ربه سبحانه وتعالى.
ونحن حينما نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوف رحيم فهذا قد لا يلفت انتباهنا فهو أمر متوقع، ولكن الذي يلفت انتباهنا حقاً هو أن تصيب هذه الرحمة المحمدية الكافر أيضاً، لا تتعجب فالله عز وجل يقول في كتابه :" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ"، والعالمين جمع عالم والعالم كل ما سوى الله، فهو صلى الله عليه وسلم رحمة للإنس وللجن، للمؤمن والكافر، فلو أنك تتبعت سير الأمم السابقة لوجدت أن الأمم السابقة كانت تأتيهم رسلهم بدعوة التوحيد، فإذا ما كفروا وأنكروا وحاربوا أنبياء الله يرسل الله عز وجل عليهم العذاب فيهلكهم، فهؤلاء يرسل عليهم الصاعقة وهؤلاء يرسل عليهم الريح وهؤلاء يغرقهم إغراقاً وتأمل فيما حدث لعاد وثمود وفرعون وغيرهم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون رحمة حتى للكافر، فمن كفر برسول الله أمهله الله ولم يرسل عليه العذاب مباشرة بل مد في أعمارهم وأعطاهم الفرصة لعل الواحد منهم يهتدي إلى نور الحق فيدخل في الإسلام فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين. روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ عليّ القرآن) قلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: (إني أحب أن أسمعه من غيري) فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} (النساء 41) قال: (حسبك الآن) فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. قال ابن حجر: والذي يظهر أنه بكى رحمة لأمته، لأنه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعملهم وعملهم قد لا يكون مستقيما فقد يفضي إلى تعذيبهم، والله أعلم.
بل هو الأمان من عذاب الله، يقول الله عز وجل:" وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" ففي هذه الآية يعطي ربنا تبارك وتعالى لعباده أمانين من العذاب، أحدهما باق إلى أن تقوم الساعة ألا وهو الاستغفار، فمن أراد أن يكون في أمان من عذاب الله فليدم الاستغفار، وأما الأمان الثاني فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم،فالعذاب إذا نزل عمَّ ولم تعذب أمة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها، إذاً وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم أمان لهؤلاء القوم من عذاب الله، ولذلك لعلك تلاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان في مكة كانت مكة في منعة ولم يتمكن أحد من اقتحامها، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بقي في مكة المستضعفون يستغفرون فكان الاستغفار أمان لأهل مكة، فلما هاجر هؤلاء أيضا خرج الأمان من مكة، فأُعمل فيهم السيف في غزوة بدر، ثم دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحاً، نعم هو الرحمة وهو الأمان.
ثم ننتقل إلى آيتين في كتاب الله قد جمعتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المدح والثناء ما لم يجتمع لغيره حيث يقول ربنا عز وجل :" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا". تبدأ الآية الأولى بنداء وهذا النداء فيه تكريم. أنبياء الله لهم مكانتهم ومنزلتهم العالية فهم صفوة خلق الله، إلا أنهم بالنسبة لله خلق من خلقه وعبيد من عبيده، فإذا أراد أن ينادي عليهم فله أن يناديهم بأسمائهم ولذلك تجد في القرآن: "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ" ، " وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ" ، "قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ" ، "فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى" ، "وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ" وهكذا، وعلى الرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أيضاً عبد من عبيده ، إلا أنك لا تجد في القرآن كله "يا محمد" نعم جاء له وصف " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ" أما النداء فلا، وإنما تجد "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ" أو "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ"، وفي قوله عز جل "إنا أرسلناك" تكريم آخر، إذ أن قدر الرسل عموماً حتى في رسول الدنيا مستمد من قدر من أرسلهم، أنت إذا أرسلت رسالة مع شخص ما هذا الشخص يجب أن يُحترم من أجلك أنت لأنك أنت الذي أرسلته، فإذا كان الله يقول أنا الذي أرسلت محمداً فأي تكريم أعظم من ذلك؟. شاهداً أي شاهداً على الأمم وشاهداً على الأنبياء من قبلك أنهم بلغوا الرسالة، روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُجاء بنوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم يا رب. فتُسأل أمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير. فيقول: من شهودك؟ فيقول: محمد وأمته. فيجاء بكم فتشهدون. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: عدلا {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}. ومبشراً للمؤمنين بالجنة والمغفرة والرضوان، ونذيراً للكافرين والعاصين والمنافقين تنذرهم عذاب الله يوم القيامة. وداعياً إلى الله أيضاً تكريم إذ أن قدر الداعي على قدر موضوع دعوته ، فتاجر المخدرات الذي يدعو الناس إليها قدره من قدر دعوته، والداعي إلى الفواحش قدره من قدر دعوته، فإذا كان موضوع دعوة النبي هو توحيد الله فهل هناك أشرف من هذا الموضوع؟ وكلمة بإذنه إشارة إلى أن الدعوة إلى الله عز وجل مهمة صعبة ولا تؤتي ثمارها إلا بإذن الله وتوفيق الله، وهناك من الأنبياء من يأتي يوم القيامة وعه الرجل ومعه الرجلان، ومنهم من يأتي وليس معه مؤمن واحد في عصره، أما النبي فقد أذن الله عز وجل أن تبلغ دعوته الآفاق. وسراجاً منيراً السراج المصباح المزهر فقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم والأرض كلها ظلمات، ظلمات في الاعتقاد فيبدون الحجر، ويسجدون للشمس والقمر ، ويقدسون الحيوانات والنار والبشر، فجاء النبي بأنوار التوحيد،ظلمات العبادات فيقدمون القرابين والذبائح والنذور للأصنام فجاء النبي بإخلاص العبادة لله، ظلمات العادات من قتل وقطع طريق ووأد بنات وغيرها فجاء النبي بمكارم الأخلاق، ففتح الله به أعينا عمياً وآذاناً صما.
ومن الآيات التي يتوقف الإنسان أمامها مبهوراً قول الله عز وجل :"مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا". فطالما أن الرسول هو حامل المنهج إلى البشرية، وهو المبلِّغ، وهو الذي يُوحَى إليه، إذاً فرسول الله هو السبيل الوحيد لمعرفة ما يريده الله منا، وبالتالي فالأمر الذي يأمرنا به رسول الله لم يأت به من عند نفسه إنما هو من عند الله ، فعليه تكون طاعة الرسول طاعة لله ومعصية الرسول معصية لله، وحتى يستقر الأمر في الأذهان نجد أن الله عز وجل يقول في كتابه :" وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" ، وعليه كانت كلمات وحركات وسكنات وإقرارات النبي منهجاً يسير عليه المسلمون في كل زمان ومكان، بل وقد سد الله عز وجل الباب أمام مدعي المحبة فبين أن علامة حب الله هي اتباع رسول الله فقال:" قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ". فكل باب إن لم يكن خلف رسول الله وعلى هديه وسنته فهو لا يوصل إلى الله.
فإذا أردنا أن ننظر إلى شكل آخر من أشكال حديث القرآن عن النبي فتعالوا بنا ننظر إلى كيفية معاتبة الله عز وجل لحبيبه صلى الله عليه وسلم لتعلم أنه عتاب الأحباب، غزوة تبوك كانت من الغزوات الصعبة، الجو شديد الحرارة، السفر طويل من المدينة إلة الشام، يستعدون للقاء دولة عظمى في ذلك الوقت وهي دولة الروم، قلة في الإمكانيات، فأراد بعض المنافقين أن يتخلفوا عن الغزوة، قالوا: استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا!. فأراد ربنا تبارك وتعالى أن يعاتب حبيبه وأن يقول له: ما كان ينبغي لك يا محمد أن تأذن لهم في التخلف عنك، إذ قالوا لك: لو استطعنا لخرجنا معك، حتى تعرف من له العذر منهم في تخلفه ومن لا عذر له منهم، فيكون إذنك لمن أذنت له منهم على علم منك بعذره، وتعلم من الكاذب منهم المتخلف نفاقا وشكا في دين الله. فانظر كيف نزل العتاب، يقول الله عز وجل:" عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ" فهل سمعت في حياتك عتاب أحسن ولا أرق من هذا، إذ قدَّم الله عز وجل بالعفو قبل أن يبدأ بالعتاب، ففي طي العتاب تجد البراءة، وفي طي التخويف تجد التأمين، مما يدل على شفقة الله عز وجل وحبه وحنانه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أن الله عز وجل بدأ بالعتاب لخيف على رسول الله أن ينشق قلبه هيبة من عتاب الله ، إذ أنه لا يعلم جلال الله وعظمة الله أحد مثل رسول الله.
فإذا أردت أن ترى ملاطفة الله عز وجل ومؤانسته لرسول الله فتأمل في قوله عز وجل:" قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ". فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعتقد أن قومه سيصدقونه، فهم يعرفون أنه صادق أمين، ففوجئ أنهم يتهمونه بالكذب وبالسحر وبالشعر وبالكهانة وبالجنون، فنزلت الآية حيث يقول تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه ( قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ) أي قد أحطنا علما بتكذيبهم لك وحزنك وتأسفك ، فإنهم لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر فهم من داخلهم يعرفون أنك صادق، أي لا تحزن يا حبيبي فالقضية ليست معك والعيب ليس فيك (ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) أي ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم فالعيب فيهم.
من الآيات الملفتة للنظر أيضا، قول الله عز وجل في سورة الحجر:" لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ". المسلم إذا أراد أن يقسم فعليه أن يقسم بالله، وورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت"، وروى الترمذي بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك". إلا أن الله عز وجل له أن يقسم بما شاء. وقد يقسم الله تعالى بأسمائه وصفاته لعلمه، ويقسم بأفعاله لقدرته، كما قال تعالى: "وما خلق الذكر والانثى" ويقسم بمفعولاته، لعجائب صنعه، كما قال: "والشمس وضحاها"، ولكننا هنا نجد قسماً عجيباً، قال القاضي عياض: أجمع أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد صلى الله عليه وسلم. وأصله ضم العين من العمر ولكنها فتحت لكثرة الاستعمال. ومعناه وبقائك يا محمد. وقيل وحياتك. وهذا نهاية التعظيم وغاية البر والتشريف. قال أبو الجوزاء: ما أقسم الله بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أكرم البرية عنده. ومن العجيب أن هذا القسم جاء في سياق الحديث عن قصة لوط، ومع ذلك لم يقسم ربنا بحياة لوط بل أقسم بحياة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم وفي ذلك من التشريف ما فيه.
نختم بما جاء في سورة الضحى، فقد تأخر الوحي فترة على رسول الله فقال الكفار إن رب محمد قد قلاه أي تركه وتخلى عنه فنزلت الآيات (والضحى) قسم من الله عز وجل أي والضحى أول النهار أو كله، (والليل إذا سجى) غطى بظلامه أو سكن، (ما ودعك ربك) ما تركك ربك يا محمد بعد إذ اصطفاك (وما قلى) وما أبغضك بعد إذ أحبك، (وللآخرة خير لك) لما فيها من الكرامات لك (من الأولى) الدنيا، (ولسوف يعطيك ربك) في الآخرة من الخيرات عطاء جزيلا (فترضى) به فقال صلى الله عليه وسلم إذن لا أرضى وواحد من أمتي في النار، فكرامة لأمة محمد ألا يخلد أحد منهم في النار حتى أهل الكبائر يعذبون على قدر جرمهم ثم يخرجون من النار ويدخلون الجنة، وروى الإمامان البخاري ومسلم في حيث طويل لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه:"ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا ،فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع. فأقول: يا رب، ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله" .
التعليقات (0)