16-2-2014 ؟
مجموعة من وسائل الاتصال المرئية والمسموعة والمقروءة التونسية اعتبرت يوم 16-2-2011 هو يوم 16-2-2014 ؟.. في الوقت الذي كان ولا يزال الناس يعيشون تحت تأثير الهزة العنيفة التي أحدثتها الثورة الشعبية في نفوسهم فحررتها من عقالها لينفجر الكبت والحرمان في كلّ مكان دون رقيب ولا حسيب...
كيف يجد التونسيون أنفسهم،فجأة،قد قفزوا على الأيام والأشهر والسنين وبلغوا سنة 2014 لينظروا فيما أنجزوه وفاء لأهداف ثورتهم؟..تحققت الديمقراطية في أرقى إنجازاتها إعلاما حرا ملتزما بقيم الثورة، وانتخابات نزيهة ترجمت بحق إرادة الشعب،وأفرز المجتمع المدني قنوات التواصل والتضامن والبناء أحزابا ومنظمات وجمعيات نشيطة وفاعلة،وتجسّمت مقولة "العدل أساس العمران" على أرض الواقع،كلّ ذلك متزامنا مع إنجاز تنمية اقتصادية متطوّرة اعتمدت،أساسا،على التوظيف الجيّد للثروات الوطنية تحتلّ البشرية منها الصدارة والمحرّك الرئيسي في ذات المنظومة التي أعطت أولوية لجهات كانت،قبل الثورة،نائية ومهمّشة فتحوّلت إلى أقطاب تنمية مستديمة بعد أن امتدّت لها شرايين الحياة طرقات سيّارةً وسائرَ مقوّمات البنية التحتية الحديثة...فإذا هي مراكز تسوّق عالمية وفضاءات فلاحة بيولوجية وسياحة إيكولوجية وإبداع ثقافي متميّز يستجيب جميعها لسوق مغاربية ومتوسطية وحتى عالمية متفاعلة إيجابا مع حيويتها ومناخها الاستثماري المحفز وشعبها المتحضّر الأصيل...وحتى يعيش المتابع المشهد حقيقة بُثّت "ريبورتاجات" لذات الواقع الجديد الباهر بكلّ مكوّنات إنجازاته البديعة واستُعين ببيانات أعدّها أخصائيون مدعّمة بالأرقام للمشاريع المنجزة والوقوف على أسباب مردوديتها وجدواها...أما الوجوه المعروفة التي دعتها إحدى القنوات التلفزية لتقييم إنجازات 2011-2014 فقد بدت منسجمة مع توقيت الحدث سنًّا واستحضارا لتفاصيل الأحداث التي قطعتها الثورة على امتداد ثلاث سنوات،وأضحت أكثر خبرة ونضجا وعقلانية وثقة بالنفس ووعيا بالرهانات المطروحة وسيطرة على تقاليد الحوار الذي يحترم الرأي المخالف دون تشنج ولا تخوين...
أنتج المشهد الإعلامي التونسي الجديد في عهد الثورة معجزته الأولى بكفاءة عالية وروح وطنية صادقة وخيال مبدع...لقد استطاع أن يستدرج جمهوره الواسع الذي كسبه حديثا إلى أفق الأمل،الأمل هو الحلّ،لا أمل بلا عمل،اليوم هو الغد لا الأمس...إنها دعوة ذكية إلى نبذ المراوحة في نفس المكان مهما كان ذات المكان مغريا والانصراف إلى بذل الجهد المضني لقطف ثمار الثورة بانخراط الجميع في بناء المستقبل وفاء للشهداء وإيمانا بالقدرة على الإنجاز الحضاري...
أحلامنا الجميلة تحوّلها عزائمنا الصادقة وإرادتنا الصلبة إلى إنجاز.
هتاف بتحرير فلسطين
لفت انتباهي الهتاف بتحرير فلسطين في مشاركة الجماهير الشبابية التونسية فرحة مصر بتخلّصها من فرعونها حسني مبارك ،وهو هتاف لئن جدّد تأكيد توهّج حضور القضيّة الفلسطينية في الوجدان العربي ،فإني أحسب أنه اختزل في مضمونه العميق مشروع النهضة العربية الجديدة المنشودة،معتبرا أنه قطع على درب إنجازها الشوط الضروري والحاسم...
كيف أرى جمهورا عربيا في ذات المشهد التونسي قد قرأ الحاضر واستشرف المستقبل؟
-اعتبرَ ثورة الشعب المصري المكللة بالانتصار على قيود الاستبداد هي ثورة التزكية لكلّ ثورة تقوم لذات أهداف الحرية والكرامة في الوطن العربي الكبير بعد أن أسهمت في توفير الحصانة لثورة 14 جانفي التونسية التي كانت بمثابة قدح الشرارة في الوعي الجماعي لإرادة الشعوب العربية... لا ثورة عربية مباركة تثمر في غياب الشقيق العربي الأكبر مصر.وحيث لم يتأخر هذا الأخير بل أبدع نموذج ثورته الشامخة،فإنّ "الغيث النافع" منهمر دون استثناء لأيّ قطر عربي وفي زمن قياسي قد تنفرد به سنة 2011 المجيدة.
-النهضة العربية الجديدة معالمها واضحة،كما حدّدتها ثورة الشباب والجماهير الشعبية وكما ينشغل على استيعاب دروسها قادة الفكر والنضال السياسي:هي ثورة ضد الاستبداد والفساد لتكون سالكة إلى الديمقراطية والعدالة والإبداع والتألق،وعليه فهي رهان على الإسهام الفاعل في قدَر العالم الحديث الذي ترك العرب يتسكعون على هامشه زمنا طويلا.
-لم تعد الوحدة العربية مجرّد حلم وعواطف جياشة بل هي مسار عقلاني يُؤسَّس على قيم عقلانية حداثية.
- لن تكون إسرائيل، بعد اليوم، قادرة على التفوّق علينا بحداثتها وحلفائها، فحداثتنا الجديدة تبهرها وتُرغم حلفاءها، بدءا من اليوم وليس غدا، على احترام إرادة الشعوب المحقونة بحماس الشباب وتدفّق أفكاره النيّرة الخلاقة...
لذلك نادت الجماهير التونسية بتحرير فلسطين لحظة الفرحة بانتصار الثورة المصرية لأنها أدركت بحدسها أنّ ذات التحرير أصبح متاحا-وما كان، فيما مضى، ممكنا.
تلك هي العبرة في مشوار "ثأر الدم من السيف"، اختبارا لمقولة إرادة الشعوب من إرادة الله، أي أنها إرادة لا تُقهر.
التعليقات (0)