مواضيع اليوم

حدث قبل الإنتخابات

زين العابدين

2010-12-10 02:20:26

0

                                     حدث قبل الإنتخابات
عند زيارتى لعدد من قرى مصر بعد الإنتخابات النيابية الآخيرة فى نوفمبر 2010 حدثنى عدد من شباب تلك القرى حديثا يكاد يكون مقررا فى كل قرية ذهبت إليها . وقد ذكر لى أحد الشباب أنه ، وفى إطار الحملة الإنتخابية لمرشحى الحزب الوطنى ، ذهب محافظ تلك المدينة التى تتبع لها هذه القرية بنفسه وبصحبة ومعية أمين الحزب الوطنى الحاكم لهذه المحافظة فى زيارة تكاد تكون رسمية ـ وأيضا محددة الأهداف والغايات ـ حيث أعد لهما أهل القرية ـ وبالتنسيق مع مباحث أمن الدولة ـ إحدى الساحات الشعبية لعقد مؤتمرهما الإنتخابى والدعائى لمرشحى الحزب الوطنى فى الدائرة الإنتخابية التى تتبعها هذه القرية أو تلك .
وأستهل أمين الحزب خطابه الدعائى لأهل القرية ليس بشكرهم لإستضافتهما فى قريتهم ـ وكما تدعو إلى ذلك أبسط قواعد الذوق واللياقة ، وكرم ومكارم الأخلاق ـ ولكن بالتهديد والوعيد لأهل القرية إن هم إنتخبوا أى مرشح آخر غير مرشحى الحزب الوطنى الحاكم ، و إنهم هم وحدهم الذين سوف يسألون سؤال الملكين إن حدث أى خروج عن تلك القاعدة ...!
ولما جاء الدور على المحافظ للحديث ، وقبل أن ينطق محدثى بشىء ، فقد كان لدى إعتقاد مسبق بأن المحافظ سوف يخفف ، وبلا أدنى شك من حدة حديث أمين الحزب غير الأمين والجهول ، وذلك بإعتباره ـ وكما إستقر فى أفهامنا وأذهننا ـ أنه محافظ لكل المصريين ، و أنه لاشك سوف يكون محايدا فى تلك الإنتخابات ، وأنه سوف يرافق غدا مرشحى أحزاب المعارضة فى جولاتهم الإنتخابية كما راقق اليوم أمين الحزب الحاكم لدعم مرشحى حزبه ، ولكن ما أن تجهم وعبس وجه محدثى تعبيرا عن خيبة الأمل فى رموز ظنوا فيها خيرا ، شعرت أنه قد نقل لى لاسلكيا ، وفى نفس اللحظة ، كل مشاعره الإنسانية السلبية ـ ليس فقط فى العملية الإنتخابية ذاتها ، والتى لم يعودوا يكترثون بها كثيرا ، بعد أن تلاشت مصداقياتها ، ومن ثم ، وبالتبعية ، شرعيتها ، من نفوسهم ، كما تلاشت من نفوس جل المصريين ، ولكن أيضا فى حفنة من المسؤلين ظنوا خطئا لبعض الوقت إنهم ربما يكونوا مختلفين عن غيرهمم ، ورجال ـ وشعرت فى التو بأنه قد خاب ظنى أنا ايضا فيما سبق وإعتقدته حيث قال محدثى أن المحافظ أيضا لم يبدأ حتى حديثه بالتحية والسلام ، ولكن أيضا بالتهديد وبنبرة أكثر قسوة ، ربما لأنه رجل يشغل موقع رسمى ، فضلا عن كونه عسكرى سابق ، و من ثم فالرجل يعرف بل يعنى ما يقول ...!
وفى الحقيقة أن هذا المشهد بالذات كان من وجهة نظرى أكثر المشاهد الإنتخابية سوداوية ورعبا ، وخوفا على هذا البلد ، مصر ، وأهل هذا البلد .
وهذا المشهد بالذات يعد صورة تكاد تكون كربونية ، ولكنها وقائية Precaution من أحداث الجزائر ، وما حدث لحزب جبهة الإنقاذ الجزائرى . وذلك يوضح لنا كيف أن أنظمنتنا العربية تختلف مع بعضها البعض فى كل شىء تقريبا ، وربما يتطور ذلك الإختلاف إلى تلاسن فتشاحن فإقتتال ، ولكنها تتفق جميعا مع بعضها البعض فى قمع بل قتل وإفقار وحصار وإهانة وتجويع شعوبها ، وهم يتعاونون أمنيا فقط ، و بصورة أكثر فعالية ـ للحفاظ على عروشهم و" كروشهم " ـ عن أى تعاون فى أى مجال أو أى شأن آخر مهما عظم أو صغر ... أنظروا مثلا لما حدث لنواب بالرمان الكويت والذين ضربوا ، ولأول مرة فى تاريخ الكويت ، من قبل جنود الأمن ، فتلك إذن هى ثمرة التعاون الأمنى العربى المصرى من الشقيقة الكبرى مصر إلى شقيقاتها الصغيرات النفطيات , و هذا على أية حال موضوع آخر...
ومن المعلوم أن إحدى الحركات الإسلامية فى الشقيقة الجزائر تحولت إلى حزب سياسى معترف به ، وذلك فى مارس 1989، و بموجب التعديل الدستورى الذى أقر التعددية الحزبية ، وصار أسمها حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، وقد إعترفت بها الحكومة الجزائرية فى حينها كحزب سياسى .
وقد خاض حزب الجبهة أول إنتخابات محلية حرة عرفتها الجزائر فى 12 يناير عام 1991 ـ وكما يذكر موقع ويكيبيديا ، الموسوعة الحرة الإلكترونية ـ وفاز فيها بعدد853 بلدية من بين 1539، أى بحوالى 4و55% من البلديات ، وفاز فى 32 ولاية من 48، أى بنسبة 7و66% من الولايات ، كما خاض حزب الجبهة أيضا الإنتخابات التشريعية الحرة الوحيدة التى عرفتها الجزائر حتى يومنا هذا ـ هكذا يذكر موقع ويكيبيديا ـ فى 26 ديسمبر 1991، و فاز فيها فوزا ساحقا ، وطبقا لقانون الإنتخابات فى الجزائر ... فماذا كانت النتيجة...؟!
قد حدث إنقلاب عسكرى فى الجزائر ... وأول شىء يفعله أى إنقلاب عسكرى هو بطبيعة الحال وقف العمل بالدستور ، ومن ثم إلغاء نتيجة الإنتخابات التى فاز بموجبها حزب الجبهة . وقد كان ذلك فى 11 يناير 1992 .
ولم يتوقف الأمر عند ذلك فحسب ، بل قد لجأ النظام الإنقلابى إلى حل حزب جبهة الإنقاذ فى مارس 1992 ، وينبغى هنا ملاحظة أن مارس هو نفس الشهر الذى أعلن فيه عن ميلاد حزب الجبهة ، وليس صدفة إذن أن يكون هو نفسه تاريخ إعلان وفاته ، أو وفاتها ...!
غير أن الجبهة لم تعترف بهذا القرار ، و قد إعتبرت فى ذات الوقت أن النظام نفسه ، والذى إتخذ هذا القرار ، نظام غير شرعى .
بيد أن الأمر لم يتوقف أيضا عند ذلك الحد ، حيث قد جرت تقريبا حرب إبادة لكل من إعتقد النظام أنه أعطى صوته ـ من الجزائريين ـ لحزب الجبهة الاسلامية ، وقد شارك فى تلك الحرب الأهلية القذرة الجيش والشرطة معا ، بل ورتب كبيرة أيضا من الجيش ، وذلك بإعتراف ضباط جزائريين كبار فروا من تلك الحرب فى وقت لاحق ولم يتحملوا إراقة المزيد من دماء أهاليهم وإخوانهم الجزائريين وطلبوا حق اللجؤ السياسى فى إنجلترا .
ومن غير المستبعد ، بطبيعة الحال مشاركة قوى دولية عظمى فى تلك الحرب القذرة ـ حتى ولو كان ذلك بغض الطرف ، وغلق الأعين دونها ـ وذلك من خلال النظرة " الكلونيالية " الفرنسية السابقة أو الأمبريالية الأمريكية اللاحقة .
ومن هنا فقط يمكننا فهم تهديد ووعيد كل من المحافظ العسكرى ، وأمين الحزب الحاكم لأهالى القرى التى زاروها فبل الإنتخابات التشريعية المصرية الآخيرة ... كما يمكننا أيضا فهم القمع المنهجى لجماعة الإخوان المسلمين ، وكذا نعتها دائما بالمحظورة سواءا من قبل النظام نفسه ، أو وسائل إعلامه الميرى أو الحكومية .
                                                       مجدى الحداد

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات