بدأت كراهية جدتي لأمريكا حين عاينت أشلاء رضيعة أفغانية تستخرج من بين الأنقاض... بعد يومين، حين ظهر يوسف القرضاوي على الشاشة ثم أفدت جدّتي أنه هو الذي بارك القصف الأمريكي، بل و أفتى بالمشاركة فيــه لكل من أراد التعاون على البرّ و التقوى، تقدمت نحوه بخطى مرتعشة، ثم شرعت تحدثه:
ــ خبرني يا وجه النحس، ما عساك تصنع لو كنت من إخوان الشياطين؟ قل لي أيها التيس العجوز ... كيف تـتصرف قحابنا إذن، اذا كانت "الشريفة فينا تزنى بيقطينة"؟
كنا مغربين في الضحك، حين فوجئنا بعكازة جدتي وهي تقصف رأس القرضاوي بكل ما تملكه من قوة... كان بإمكاني تخفيف الضرر، لكن كراهيتي للتلفزيون، و ضيقي بكل ما يبثه من برامج، و ما يعرضه من وجوه بغيضة، أقعدني عن كل محاولة للوساطة بين جدتي وبين كاهن الإخوان المسلمين.
لأكثر من أسبوعين، ظلت جدّتى متوترة، تضاعفت عدوانيتها، كلّ محاولة لتهدئتها ذهبت أدراج الرياح .
تعمقت كراهية جدّتي لأمريكا، منذ أعتقل أخي بشبهة الإنتماء لتنظيم القاعدة، حدث ذلك فور وصوله الي بلاد العم سّام لدراسة فن الباليه في أكاديمية الرقص و الفنون الجميلة! لم يشفع تخنّث أخى، ولا تشبّهه الشّديد بالمطربة اللبنانية باسكال مشعلاني، من مكابدة السّجن والتضييق لمدة تسعة أسابيع... كان إعتقال أخي صدمة كبيرة بقدر ما كان مفاجأة مذهلة و مادّة تـندّر لكلّ من عرفه... كما كان فاجعة حقيقيّة لجدّتي المسكينة.
حين أبلغت جدتي أن الرئيس الأمريكي الجديد سيكون أسود البشرة، ظلت واجمة لبعض الوقت، حين إستوعبت الحدث، لوت شفتيها، أدارت رأسها، إستنشقت كمية هائلة في السّعوط، ثم قالت لي بين عطستين :
ــ إذا كان" الأبيض في الكلاب نجس"؟ فما ينتظر من الأسود؟
قبل ثلاثة أيام فقط من حفل تنصيب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية،غادرتنا جدتي دون وداع... انتقلت بكل هدوء من الميتة الصغرى الي الميتة الكبرى... رحم الله جدّتي، لقد وفـّر عنها الموت آلاما حادّة و معاناة كثيرة... تصّوروا كيف سيكون حالها، لو سمعت بارك أوباما وهو يأمر فور توليه السلطة بإرسال عشرين الف مقاتل إضافي الي افغانستان؟! أوسلو 12 ماي 2009
التعليقات (0)