حجية مذهب الصحابي
من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .
.........................
إن مذهبَ الصحابي لا يكون حُجّةً على غيره من الصحابة المجتهِدِين ، وذلك لأن قولَ المجتهِد لا يَنقض قولَ مجتهِد آخر . فالعِصمةُ ليست لأقوال الرجال ، إنما العِصمةُ للكتاب والسنة الصحيحة .
قال الآمدي في الإحكام ( 4/ 155) : (( اتفق الكل على أن مذهب الصحابي في مسائل الاجتهاد لا يكون حُجّة على غيره من الصحابة المجتهدين إماماً كان أو حاكماً أو مفتياً ، واختلفوا في كَوْنه حُجّةً على التابعين ومن بعدهم من المجتهِدين ، فذهبت الأشاعرة والمعتزلة والشافعي في أحد قوليه وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه والكرخي إلى أنه ليس بحُجّة . وذهب مالك بن يروي والرازي والبرذعي من أصحاب أبي حنيفة والشافعي في قول له وأحمد ابن حنبل في رواية له إلى أنه حُجّة مُقدّمة على القياس . وذهب قومٌ إلى أنه إن خالف القياس فهو حُجّة وإلا فلا. وذهب قوم إلى أن الحجّة في قول أبي بكر وعمر دون غيرهما ، والمختار أنه ليس بحُجّة مُطْلقاً )) اهـ .
ولا يجوز اتخاذ مذهب الصحابي حُجّة بشكل مطْلق ، فإن الصحابي بشر يجوز عليه الخطأ والنسيان ، وبالتالي فكلامُه وفِعْله غير معصومَيْن . كما أن الصحابة مجتمع يجوز عليه الاختلاف ، وقد اختلفوا فِعلاً ، فكيف تتصادم أقوالُ المعصومِين ؟!. والأُمّةُ مُجمِعة على جواز مخالفة الصحابة. إذن ، فلا عِصمة لشخص يُصيب ويُخطِئ ، ولا حُجّة لكلامه أو فِعله .
وقال الغزالي في المستصفى ( 1/ 168 ) : [ من الأصول الموهومة قول الصحابي، وقد ذهب قوم إلى أن مذهب الصحابي حُجّة مطْلقاً ، وقوم إلى أنه حُجّة إن خالف القياس، وقوم إلى أن الحجّة في قول أبي بكر وعمر خاصة لقوله صلى الله عليه وسلم : (( اقتدوا باللذين من بعدي )) [1]، وقوم إلى أن الحجّة في قول الخلفاء الراشدين إذا اتفقوا ، والكل باطل عندنا فإن من يجوز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه فلا حُجّة في قَوْله ، فكيف يحتج بقولهم مع جواز الخطأ ؟،وكيف تدعى عِصمتهم حُجّة متواترة ؟، وكيف يتصور عصمة قوم يجوز عليهم الاختلاف ؟ ، وكيف يختلف المعصومان كيف ؟، وقد اتفقت الصحابة على جواز مخالفة الصحابة ، فلم ينكر أبو بكر وعمر على من خالفهما بالاجتهاد ، بل أوجبوا في مسائل الاجتهاد على كل مجتهد أن يتبع اجتهاد نَفْسه ] اهـ.
إن قولَ الصحابي ليس بِحُجّة إذا انفرد ، إلا أنه يجب الانتباه إلى حالة انتشار قول الصحابي بلا مخالفة ، وفي هذه الحالة يكون قَوْله حُجّة . فانتشارُ قول الصحابي بلا مخالِف دليل اتفاق الصحابة على الحُكم ، وما كان ليتم ذلك لولا استنادهم إلى دليل قاطع . مع الانتباه إلى أن الصحابة إذا اختلفوا فللمجتهِد أن يأخذ ما شاء من أقوالهم ويترك ما شاء ، ولا يجوز الخروج عن أقوالهم جميعاً لأن هذا خروج على الإجماع . فإذا انتشر في أوساط الصحابة قَوْلان كان القَوْلان إجماعاً لا نخرج إلى ثالث ، وإذا انتشر بينهم ثلاثة أقوال كان الثلاثة إجماعاً ولا نخرج إلى رابع ، وهكذا . وفي هذا السياق تبرز قاعدةٌ هامة ، وهي : إن قول الصحابي لا يَنسخ قولَ النبي صلى الله عليه وسلم .
.....................................................
[1] رواه الحاكم ( 3/ 80 ) برقم ( 4455) وصححه ، والترمذي ( 5/ 672 )برقم ( 3805) وحسَّنه . وصحَّحه الشوكاني في إرشاد الفحول ( 1/ 124 ) .
التعليقات (0)