كرسنا هذا المقال للحديث باختصار شديد عن مأساة الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي ، كما رواها د. طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى ج2، بعد ما قام نفر من التكفيريين مؤخرا، بنبش قبره في ناحية عذرا بالقرب من دمشق؛ ما أثار استياء المسلمين بعامة ، وخاصة الازهر الشريف ، الذي اعتبر هذا العمل الشنيع يتنافي مع تعاليم الدين الاسلامي الحنيف، ويسيء لصحابي معروف حمل لواء نشر الرسالة، ومن بعدها حمل لواء المعارضة السلمية ، مختطا نهجا جديدا في معارضة الحكام والاختلاف معهم .
ومن المفارقات العجيبة ان حجرا وكان أحد قادة الفتح لدمشق ، قد نزل بعذرا ، حينما ساقه زياد ابن ابيه في “13” رجلا، متهمين بالاساءة الى الخليفة ، فأمر معاوية بالا يدخلوا دمشق ،ويسجنوا فيها ، ولما عرف حجر انه مسجون في عذرا قال”والله اني أول مسلم نبحته كلابها، وأول مسلم كبر ببواديها”ص211.
ويروي طه حسين في الكتاب المذكور نبذاً من سيرة وجهاد هذا الصحابي وجرأته في قول الحق “ فقد وفد مع أخيه هانئ في وفد من قومها الى الرسول صلى الله عليه واله وسلم لما أسلم، وشارك في فتح الشام وأحسن البلاء ، وكان دائما في مقدمة الجيش، الذي دخل مرج عذرا ، وتحول الى العراق، وشارك في غزو فارس، وأبلى بلاء حسنا في معركة نهاوند، ورابط في الكوفة، وكان رجلا حرا صادق الدين، يرضى عن السلطان ان أحسن ، ويسخط عليه اذا أساء”ص219.
ويضيف الكتاب ان حجرا كان من شيعة علي ( ع ) المخلصين له في الحب، شهد معه الجمل وصفين والنهروان، ولكنه كره صلح الحسن مع معاوية ، ولامه على هذا الصلح، وبايع معاوية دون أن يضطره ذلك الى كره علي ،أو يبرأ من حبه”ص219.
عارض سياسة معاوية ، وتصدى لفساد عماله في الاقاليم ، وقاطعهم وهم يخطبون على المنابر، خاصة المغيرة بن شعبة وزياد ابن أبيه الذي دبر له المكيدة، فجمع تواقيع أكثر من سبعين رجلا، يشهدون بانه خلع بيعة الخليفة ، وهو لم يفعل ذلك بشهادة شريح القاضي التي خطها لمعاوية “ ان حجرا رجل صالح من المسلمين يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويصوم ويحج ويعتمر، وان دمه حرام”.
واستشار معاوية بعد ذلك، من حوله في مصير حجر وصحبه.. “فاشار البعض بحبسهم، وآخرون بتفريقهم في البلاد، وأقام معاوية وقتا لم يقطع في أمرهم، حتى لامه زياد ابن ابيه ، واتهمه بالتردد، فارسل لهم يعرض عليهم البراء من علي ولعنه وتولي عثمان، فمن فعل ذلك أمن ، ومن أبى قتل”ص..222.
لقد انتهج معاوية نهجا خطيرا في الاسلام ،لا سابق له ، حينما أصر على أن يعاقب الناس على معارضة لا اثم فيها ، ويقضي بالموت على نفر عصم الله دماءهم، دون أن يراهم أو يسمع لهم، أو يأذن لهم بالدفاع عن انفسهم.
ومن هنا ذعر المسلمون في اقطار الارض لهذا الحدث، فارسلت عائشة عبد الرحمن بن الحارث بن هشام الى معاوية ليراجعه في امرهم، فلما وصل الى الشام وجد القوم وقد قتلوا , وحينما وصل الخبر الى المدينة وسمعه عبدالله بن عمر” أطلق حبوته .. وتولى والناس يسمعون نحيبه”.
ويجمع المؤرخون ان صدى مقتل حجر وصل بيت معاوية ،وفي هذا يقال: ان معاوية اطال يوما في الصلاة وامراته تنظر اليه، فلما فرغ قالت له “ ما أحسنَ صلاتَك يا أمير المؤمنين؛ لولا انك قتلت حجرا وأصحابه”ص224.
باختصار... الصحابي الجليل حجر بن عدي هو اول من اطلق المعارضة السلمية للنظام ، ومقتله شكل صدعا خطير للاسلام ، واعترف معاوية بسوء فعلته وهو على فراش الموت فكان يردد “ ويلي منك يا حجر.. وان لي مع ابن عدي يوما طويلا”
مقالات للكاتب رشيد حسن
التعليقات (0)