حجارة المتنبي ثانية؟
منذ سنوات أسعفنا المتنبي بحجارته الذهبية في معالجة سفاهات وتراهات مجاميع من الفاشلين الذين لا يجيدون إلا لغة الرسائل البائسة، وحالهم حال ذلك الذي أوصاه أباه قبل مماته إن جلس في مجلس للكبار عليه اختيار المكان الأعلى، وإذا تحدث عليه بالكلام الكبير، وتمر الأيام فيرحل والده ويصدف أن ذهب إلى مجلس كبير فتبوء موقعا عاليا وقد فهمها هو مرتفعا، وبدأ ينطق بمفردات: فيل، جاموس، بقر، جمل.. والناس مستغربة وضاحكة، حتى سأله احدهم وقد ظنه مجنونا، فرد عليه قائلا: أوصاني أبي إن جلستُ مجلسا كبيرا اتخذ منه أعلاه، وان تحدثتُ فعلي بالكبير من الكلام!؟
تذكرت هذه الأقصوصة وأنا أتابع بعض الذين تنطبق عليهم أقصوصة صاحبنا هذا، خاصة وإنهم ينشطون في بيئات تنمو فيها الطفيليات ويضج حولها نقيق الضفادع وبالذات في الأزمات التي يصابون فيها بالهلع والإحباط فوق ما فيهم من انكسارات ويأس حيث يلهثون وراء مركبات نقصهم وفشلهم ظنا منهم في فرصة كالتي تمتع بها صاحبنا أبو الكلمات الكبيرة؟
ولا اعرف إن كانت هذه السلوكيات طبيعة بشرية أم مرض اجتماعي أم نقص تربوي أم شيء آخر، ذلك السلوك العدواني الذي يقدم أصحابه خدماتهم الحسودية مجانا، بل لا يستطيعون إخفاء مشاعرهم السوداء إزاء أي شخص ناجح فيناصبونه العداء، هكذا في سبيل الله كما يقولون، والناجح ليس بالضرورة شخص ما، بل ربما مجموعة من الأفراد أو شعب أو دولة أو إقليم أو حتى محافظة ما، ولطالما شهدنا ماذا يفعل الحسد بأصحابه وبالآخرين أيضا، ولا تعجبوا من تصنيفي هذا، فقد أدركنا جميعا تلك الحملات المنظمة للانتقاص من سكان مدينة أو من عرق أو قوم أو دين أو مذهب، باستخدام نكات وطرائف تنتقص منهم وتضعهم في محط السخرية والتندر، حتى أصبحت مفردات مثل الشروكي والمعداني والكوردي والنصراني والعفري والشبكي والسني والشيعي يتم تداولها لتوصيف حالة السذاجة أو الاستصغار أو السخرية أو الانتقاص من خلال مواصفات كاذبة وروايات لا أساس لها من الصحة ولا من الحقيقة، إلا ما كان في رأس من يصنعها من عقد النقص والحسد وهو يشاهد هؤلاء الذين ينتقصهم في توصيفاته، هم الأكثر تميزا في الحياة وبمستويات مختلفة تبتدئ بتفوقهم في المدارس ولا تنتهي بتميزهم في كل مجالات العلم والعمل؟
أقول قولي هذا وأنا ألاحظ بين الفينة والأخرى نشاط مثل هذه الطفيليات الإعلامية من الفاشلين أصحاب البالونات التهريجية، وهم ينشطون في بيئة الأزمات ويعتاشون على الهيجان والانفعالات وهم يستخدمون أساليب صاحبنا في كلماته الكبيرة يدارون فيها أمراضهم وعقدهم وأزمة انتمائهم، حيث شهدنا خلال الأشهر الماضية أنماطا كثيرة من هذا السلوك الذي تصورناه سقط مع سقوط هيكل النظام الدكتاتوري، لكننا ربما لم ننتبه إلى تكلس كثير من تلك المظاهر في عقد سلوكية وأخلاقية نائمة أو أنها كانت تنتظر بيئة صالحة لنموها، وحينما تهيأت تلك الأجواء سرعان ما بدأت بالتكاثر والنمو والإنتاج؟
وعلى هذا الأساس لم تأت كلمات الباشا نوري السعيد اعتباطا، رغم أنها ربما لو كانت قيلت مثل هذه الأيام لانتفضت ضده منظمات حقوق الحيوان وخاصة الكلاب بتهمة الانتقاص منها، رغم انه بالتأكيد كان سيقول انه يقصد المسعورة منها، وإن قافلته ما تزال تسير حتى يومنا هذا رغم نباح أفواج من الكلاب المسعورة بالحسد والحقد وعقد النقص، وربما واجه شاعرنا الكبير أبو الطيب المتنبي قبله بمئات السنين أجيالا من هؤلاء الفاشلين المسعورين حينما خاطبهم:
لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينارِ
وبات الكلام...
التعليقات (0)