مواضيع اليوم

حتّى لا تنهار بيت العرب

جمعة الشاوش

2010-10-23 13:55:57

0

 

لا أجد في غير جامعة الدّول العربية شيئا آخر ذا بال يمكن اعتماده لدحض الادّعاء بأنّ العرب قبائل مشتّتة ودويلات مقزّمة،ليس ثمّة مؤسسة غيرها ننشدها لترتيب أو تأثيث البيت العربي أو حتّى الالتجاء إليها حائط مبكى نبثّ في فسحته أشجاننا وهواننا ونعرض عليه وصايانا ونستأذنه تحمّل قبح عوراتنا ونتوسّله الكفّ عن القناعة بلعب دور الرّمز لحجر جامد يكتفي بإيهامنا ببركته العظيمة القادرة على علاج أمراضنا المستعصية أو تسكين أوجاعها...
ما من عمل عربيّ مشترك مستجيب لضخامة التحدّيات يلوح في المشهد من خلال تمحيص مجرّدٍ من ضباب السّراب وخدعة الخطاب .ومع ذلك ليس بالأمر حيلة سوى التّعلّق بتلابيب جامعة الدّول العربية وركوب قاربها المتهالك لمواجهة الطوفان،لا أمل في غيره،ذلك أنّ قوارب الانكفاء القُطْري أثبتت أنها ليست قوارب نجاة بل هي قوارب تيه وضياع يعبث بها تيّار جارف،ومن لم يُصدّق بعْدُ ليس مطلوبا منه سوى إلقاء نظرة عجلى على حال الوطن العربي،راهنا،جرّاء استسلامه للتجزئة القطرية وانشغاله بتجميلها في عصر التحالفات والتّكتّلات الدّولية المهيمنة...
جامعة الدّول العربية المذمومة هي كلّ ما تبقّى من أمل في الذود عن عروبة تعصف بها عواصف عاتية،رغم تأكيد هذه الجامعة منذ انبعاثها إلى اليوم على أنّها،بكلّ الوقار والأبّهة التي أحاطت به نفسها، ليست في النّهاية إلا جمعيّة رسميّة لبحث غير موفّق عن الذّات العربيّة المنكوبة،هي لا ترتقي حتى إلى نسخة رديئة من "سوق عكاظ" في عصره المخضرم الجاهلي والإسلامي،لا في عصره الحديث الذي أحيى فكرة بعث هذه السوق من جديد في دياره منذ بضع سنوات قليلة،وهو إحياء محمود ومنشود،وإن انشغل في بدايته الجنينيّة بالحنين والطّنين والأنين الثقافي في انتظار أمل نتمنّاه في اكتمال المشهد بما يُنصف أمجاد تاريخ تلكم السوق التي كانت في عهدها السّحيق ذات أبعاد تجاريّة واجتماعيّة وسياسيّة،فضلا عن بعدها الثقافي،الشعري منه بالخصوص...
جامعة الدّول العربيّة التي أناشد جماهير الدّول الأعضاء فيها إلى التّشبّث بها،على علاّتها،وحقنها بما تبقّى من حماس الانتماء للعروبة،وإنعاشها بقدح الفكر الثاقب وإنقاذها من التحنيط القاتل،هذه الجامعة هي التي يستقرّ مقرّها في القاهرة-قاهرة مصر والعرب- المقهورة اليوم بألم تآكل المجد العربيّ في دفء أحضانها...
تُرى هل يتآمر التاريخ على مصر فيُسجّل عليها هوان العرب المخجل وهي تحتضن خيمتهم مقرّا وأمانة؟..تلك مسؤوليّة تاريخيّة وإن اقتضى الإنصاف عدم تبرئة باقي الدّول العربيّة من وزرها.
لكنّ مصر،عوّدتنا على القول أنّها "أمّ الدّنيا" فما بالك كيف لا تكون "أمّ العرب" تُرضع من ثدييها وتحنو وتحمي وتُحسن التّنشئة؟ أم أنّ الأمّ من تلد لا من تتبنّى؟..
مصر تُمثّل قرابة ربع سكان العالم العربيّ دون أن يكون لها في حجم نسلها من منافس،فضلا عن أنّها تحوز بلا منازع كلّ ما يُغذّي الوجدان العربي ويشدّه لعروبته...ما الحيلة ،إذن،سوى التشديد على مكانة مصر المفصليّة في الجسم العربيّ المنهك بثرواته وعاهاته؟..
لنفترض أنّ مصر انكفأت على حالها وتبرّأت من العرب أو اعتذرت لهم،علانيّة،عن الانشغال بهمومهم لصالح انشغالها بشعبها داخل المساحة الرّسميّة لحدودها الجغرافيّة المثبتة بدقّة...ثم لنفترض استياء عربيا من هذا الاعتذار الصّريح حتّم اقتلاع الخيمة (الجامعة) من حيث هي إلى رقعة أخرى في باقي الدّول العربيّة...
أغلب الظّنّ أنّ حال العديد من هذه الدّول يحرمها من شرف الاستضافة أو من عبء مستلزماتها وما تستوجبه من مجاملة وكرم وقدرة فائقة على القبض على الجمر،وهي،أصلا، على الجمر،وأغلب الظنّ أنّ باقي الدّول لن تكون مرحّبة بخيمة هجرها العشّاق،وأغلب الظنّ ،عطفا على ما سبق، أنّه لا يوجد عربيّ عاقل يقبل أن يتقلّد مسؤولية عمْرو موسى وهو مدرك أنّه مجرّد من تكليف ربّانيّ يسلّحه بـ"عصى موسى" عليه السلام.
مع ذلك-وهذا لا يُلزم غيري- فإنّي قد أرشّح لبنان لمشوار التّحدّي الذي يُهدّد الوجود العربي،لأنّ لبنان تعوّدت على أن تكون مخبر التّجارب العربيّة وغير العربيّة وأثبتت،والعرب يجلدونها أنّها عربيّة حتّى النّخاع،كما أثبتت أنّها من طينة لا تندثر رغم كيد الأعداء والأشقاء،ثمّ إنها بلد يُدرك بحكمته الأصيلة أنّ الجغرافيا هي التي تصوغ التاريخ،وأنّها إن صمدت في وجه التطبيع مع إسرائيل فإنّها غير قادرة على الصّمود في وجه هوى عربيّ يُريد أن ينصب خيمته على أرضها في الهزيع الأخير من ليل طال انبلاج فجره.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !