مواضيع اليوم

حتى وأن أنتهت الثورة

زين الدين الكعبي

2011-02-07 14:07:25

0

 

 

لايزال الجدل قائما حول نجاح الثورات العربية في تونس ومصر ، "بل وحتى في اليمن والجزائر المنسيتين من الجميع" ، في تحقيق أهدافها اللتي قامت من أجلها .

فهناك من يعتقد أن هذه الثورات لم تحقق ألا القليل الى الآن . وهناك من يقول أن هذه الثورات بوضعها الراهن لم تحقق شيئا يذكر ، وأن الطريق أمامها ما زال طويلا للحديث عن منجزات حقيقية تحسب لها .

بل أن هناك من لا يزال ينادي وبنذالة ، بضرورة الرجوع الى الوراء . ومن هؤلاء من لايزال يحاول أعادة تسويق الأنظمة العربية القائمة والمقبورة والمخلوعه والآيلة للسقوط ، تحت مسميات جديدة مثل ، الأنظمة الدارئة للفتنة ، والحكومات اللتي تعرف مصلحة شعوبها أكثر من الشعوب ذاتها .

مع أقرارنا بأن الثورات الشعبيه القائمة هي الخطوة الأولى لشعوبنا على طريق الحرية والديموقراطية والنهضة الحقيقية للحاق بالركب العالمي للحضارة ، ألا أننا نستطيع أن نقول وبكل ثقة وفخر بأن هذه الثورات قد حققت الكثير والكثير جداً حتى الآن .

لقد سقط الصنم في تونس ، بل هرب الى غير رجعه ، وهو اللذي كان يحلم بتأسيس دولة آل الطرابلسي من بعده . وفي مصر سيسقط الصنم أن عاجلاً أو آجلاً وألى غير رجعه ، وهو اللذي كان يعتقد بأن الأمر قد أستتب له ولأبنائه من بعده .

أما الأصنام العربية الباقية فهي تهتز بعنف من وطأة الثورات الشعبية المجيدة . والهزات الأرتدادية ستطالها لامحالة .

فها هوعلي صالح يقسم لشعبه بأنه لن يورث أبنه الحكم ، ويترجاه أن يتركه يكمل مدته على أن لا يعود للرئاسة مرة أخرى . والقذافي يتباكى على الأنظمة الزائلة ولا يتحدث عن سيف الأسلام ولا عن غيره من أبنائه . ووريث حافظ الأسد بشار ، يسير مظاهرات مؤيدة له ، أستباقاً لمظاهرات تنادي بسقوط نظامه بانت بشائرها في عدة محافظات سورية . والسودانيون يتوعدون بشيرهم ، ليتحولوا الى نذيرِ له ولنظامه .

وباتت جميع الأصنام اليوم تتحدث عن عدم المساس بالدستور والألتزام بالمدد الرئاسية المحددة اللتي تنص عليها الدساتير ، وهي اللتي دعت برلماناتها الصورية بالأمس الى تغيير فقرات نفس هذه الدساتير لتحكم وتورث أبنائها الحكم مدى الحياة .

وعلى عكس ما كان يجب ان يحدث ، وبدلاً من أن تكون الدول الديموقراطية هي الملهمة للشعوب الرازحة تحت الدكتاتوريات ، خرج شعبنا العراقي اليوم بألهام من أخوانهم في مصر وتونس والجزائر واليمن بمظاهرات حاشدة ليطالب بحقوقه من الساسة الفاسدين اللذين يتبجحون بزيادة الصادرات النفطية كل يوم ، بينما يعيش الشعب في ظلام دامس ووسط أكوام من الاوساخ وازمات شح المحروقات والسلع الأساسية . حتى أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ، وفي خطوة يمكن عدها أستباقاً لأن يصبح التظاهر عادة شعبية عراقية ، وعد بأن لايرشح نفسه مرة أخرى لرئاسة الوزراء ؟ .

أما الحكومات اللتي جائت بالتعيين أو بأنتخابات معروفة نتائجها سلفاً فقد أصبحت تتساقط من تلقاء نفسها . أو لنقل من جراء رياح التغيير اللتي تهب على المنطقة .

الحكومة الأردنية أقالها الملك . والحكومة الجزائرية في طريقها الى الأقالة . ووزير الداخلية الكويتي يستقيل بضغط من المعاراضة اللتي هددت بالتظاهر أمام البرلمان ، وهي اللتي تعرض نوابها (نواب الشعب) الى الضرب بالهراواة قبل عدة أسابيع . وصنم المغرب يستعد لتغيير وزاري .

والجميع يقسم بأغلظ الأيمان بعدم زيادة الأسعار ، واعادة الدعم للمواد الغذائية ، بعد أن رفعت الحكومات ذاتها الأسعار قبل أيام  دون أي تفكير بالشعوب اللتي أصبحت لاتقوى على شراء ما يسد رمقها من جراء فساد هذه الحكومات اللذي أكل الأخضر واليابس وترك الشباب بلا عمل ولازواج ولا بيوت ولا أمل .

أما ممالك وأمارات الخليج فقد دفنت رأسها في التراب خوفاً ، واوعزت الى قنواتها الأعلامية وقنوات أبنائها من الأمراء بالأستمرار في بث أغاني روبي ونانسي وباسكال والمسلسلات المدبلجة وكان شيئاً لا يحدث على حدودها .

ولأول مرة تصبح لأحزاب المعارضة كلمة مسموعة في دولنا ، وباتت هذه الأحزاب رقماً صعباً في السياسة العربية ، ولم تبقى حكومة عربية اليوم ألا ودعت معارضيها الى الحوار بعد أن كانت تملأ سجونها بهم يوم امس .

ولأول مرة يصبح للشباب الواعي والمثقف صوت مسموع ، وفقدت معظم الحركات اليسارية والأسلامية والليبرالية لقب " المحظورة " ، وهي اللتي أحتفظ بعضها بهذا اللقب منذ اكثر من نصف قرن . بينما بدأت أحزاب الحكم السابقة تتنافس على نيل ذات اللقب اللذي منحته لأحزاب المعارضة قبل أن تنهار تحت أقدام الثوار .

وأما اعداء الخارج اللذين ساندوا هذه الدكتاتوريات المجرمة والفاسدة لعشرات السنين ، واللذين لم يحسبوا حساباً لشعوبنا يوماً باعتبارها شعوباً لا بالعير ولا بالنفير ، واللتي كانت بالأمس القريب تسمي الحكام العرب بالحلفاء الصادقين ، والأصدقاء الحكماء ، احباب السلام وأهل العقل والتعقل . دب في أوصالهم الذعر فجأة ، وأصبحوا يتنادون الى أجتماعات عاجلة ومستمرة لمحاولة فهم ما يجري ولحاق ما يمكن لحاقه .

وها هي حكومات الغرب تعلن برائتها من أصنام المنطقة ، بل وتهددها في تكتيك بارع ومكر خبيث ، بانها ستتركها لتسقط أن هي لم تستمع لشعوبها ، لتعلن بذلك أنها أصبحت تحترم شعوبنا وتحسب لها ألف حساب من الآن فصاعداً .

اما الصهينة اللذين ظنوا أن الشعب الفلسطيني سيبيد ويذوب عن بكرة ابيه بعد أن تعهد قادة الانبطاح وزعماء العمالة بحصاره حتى الموت ، فلك أن تتخيل حالهم اليوم وهم يرون شعوبنا الجبارة تفعل المستحيل وتسقط الأسورا اللتي كانت تحمي حدودهم وترفع علمهم النجس في سماوات عواصمنا رغما عن أنوف شعوبنا الكارهة لظلمهم ونازيتهم .

وحتى الغاز الطبيعي اللذي شحت به الدكتاتوريات على شعوبها لتبيعه لهم بأبخس الأسعار ، واللذي يدير عجلة صناعتهم اللتي تنتج سلاح الغدر اللذي يقتلوننا به ،ها هو يقطع عنهم اليوم ببركات الثورة الشعبية .

حتى نحن أنفسنا أصبحنا نحترم أنفسنا اليوم ، وعادت ألينا ثقتنا بنفسنا .

فبعد أن كنا نجلد ذاتنا كل يوم على صفحات الجرائد والمجلات والأنترنت وعلى شاشات التلفزة وأثير الأذاعات ، وننعت أنفسنا ليل نهار بالتخلف والغباء والبلادة ، ونستسلم الى فكرة أننا شعوب أستمرئت المهانة والضرب على القفا والجلوس على الخوازيق والزجاجات الفارغة ، اصبحنا نفضل الأنتحار حرقاً على أن يهيننا شرطي فاسد .

وبعد أن كنا نردد أبياتاً مثل ، يا أمة ضحكت من جهلها الأمم ، أصبحنا نهتف بقصائد أبو القاسم الشابي لنقول ، أذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر .

أكاد أقسم أن أحداً لو قال بأن شعوبنا ستفعل كل هذا اللذي قلناه قبل ثلاثة أشهر ، لكان أصبح مسخرة لكل من يريد السخرية  ، فهل بعد هذا كله سنتسائل عما أنجزته ثوراتنا الشعبية القائمة حتى الآن . وهل هناك من يجرأ على التشكيك ولو كذباً وحقداً وكرهاً لشعوبنا وأدياننا وتأريخنا وأرضنا ، بثورات  شعوبنا بعد اليوم .

والله لو أن جميع ثورات شعوبنا القائمة اليوم توقفت وسكتت غداً ، فيكفينا ما حققته هذه الثورات حتى الآن لنملأ الدنيا فخراً بأنفسنا . 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات