مواضيع اليوم

حتى نصون روح الثورتين

ayoub rafik

2011-02-12 17:59:21

0

 لو كانا رموزا النظامين التونسي والمصري يعلمان أن ما شيداه في مخيلتهما منذ عقود سينهار يوما بذاك الشكل الذي تابعناه جميعا، ما كانا ليترددا في نشر الديمقراطية والحرية في كل أرجاء تونس ومصر. لكن الشارع قال كلمته بعد طول عناء وضيق في تنفس هبات الحرية، وعسر في هضم وصفات انتخابية مُعدة سلفا تفوح منها رائحة الاستبداد.

يروي أفلاطون في كتابه "آخر أيام سقراط" سيرة الطغاة المستبدين قائلا "يقطع الطاغية رأس كل منافس أو ناقد ويقصي عن سلطته كل شخص فاضل، ويقرب إليه جماعة من المرتزقة والسفلة، ويجيد لهم بالعطاء، ويمنح الشعراء المكافآت ليكيلوا له المديح، وينهب الهياكل ويفقر المجتمع ليطعم حراسه وأعوانه". وهذا ما قام – ويقوم- به طغاة العالم، فهم ينفقون الملايير من أموال الشعب في الدعاية والفن والإعلام، من أجل تسويق سورة مشرقة عن حكمهم وبلادهم، كما يستأجرون زمرة من المتملقين من الفنانين والصحافيين الوصوليين ليقوموا بذاك الدور، أما الرعية والمواطنون من بني بلاده فيعمدون إلى تفقيرهم واستنزاف ثرواتهم وإذلالهم وكتم أصواتهم حتى يتمكننوا من أعناقهم ولقمة عيشهم، ضنا منه أنه كسبوا حتى قلوبهم، وأنهم لن يستفيقوا يوما من سباتهم.

ويرى منتيسكيو أن المستبد "يقطع شجرة ليقطف ثمرة"، والشجرة هنا هي إرادة الشعب ومستقبله وحلمه في صنع الحضارة، أما الثمرة المراد قطفها من طرف الطاغية فهي ثراءه وغناه، وهي أقل من ذلك بقليل بالمقارنة مع إرادة الشعب. فإرادة الطاغية وإرادة الشعب لا تلتقيان، فالشعب قد يقطع ثمرة (ويضحي بأحد أفراده أو جماعة من الأفراد)، لكن ليس بوسعه التفريط في كل أفراد شعبه ووطنه، ذاك الذي شبهه منتيسكيو بالشجرة، وسنة الله تقول أن دوام الباطل ساعة، مهما استطال واشتد، ومهما عاند استبد.

ويقول صاحب الربيعي في كتابه "سلطة الاستبداد والمجتمع المقهور" تعليقا على علاقة الطاغية بالمجتمع أن "المعادلة بين الطاغية والمجتمع غير قابلة للحل، إلا من خلال هزيمة أحدهم للأخر، ولم يسجل التاريخ هزيمة واحدة للمجتمعات المقهورة، لكنه سجل الهزائم لجميع الطغاة على مر التاريخ".

لكن كيف نضمن عدم تكرار حكم الاستبداد بعد انتصار إرادة الشعب على إرادة الطاغية؟ في ظل وجود مجتمع خارج لتوه من بئر القهر والظلمات، فالمعلوم أن الإنسان المقهور -خاصة العربي- حسب علم النفس يتعطش دائما إلى السلطة متى أتيحت له فرصة تحقيق ذلك، ومصطفى حجازي في كتابه "التخلف الاجتماعي- سيكولوجية الإنسان المقهور" يرى أن "الإنسان المقهور إذا أتيحت له فرصة التزود ببعض أسباب القوة ... فهو يتشفى من خلال استباحة من يمثلون الخطورة في نظره، وهو يتبع من قاموا على أمره في اغتنام الفرص، وما يتيحه المركز أو الظرف" ويعتلي مقاليد الحكم من هو في عطش كبير للسلطة، في سعي محتوم إلى تعويض نفسه عن سنوات الحرمان الاجتماعي والقهر السياسي، وبذلك تستباح أموال الشعب مرة أخرى، وتستنسخ تجربة الاستبداد الجديدة بعد انهيار سلطة الاستبداد السابقة.

وقد عاشت المجتمعات العربية تجربة من هذا النوع بعد جلاء الاستعمار الأوربي عن أراضيها في القرن الماضي، فقد كانت تلك المرحلة فرصة لبناء حكم ديمقراطي رشيد، وتأسيس لمرحلة جديدة من النمو والتقدم، بعد الثورات الشعبية العارمة والمقاومة المسلحة التي شهدتها جل الدول العربية آنذاك، لكن طبائع الاستبداد الغريزية وحب التسلط النفسية غلبت على طبائع البناء الديمقراطي للبلدان وقطف ثمار الحرية، فاعتلت سدة الحكم أعداد كبيرة من الناس آتية من قاع المجتمع ممن لم يكونوا،غالبا، حاضرين في صنع تاريخ الاستقلال للشعوب العربية، فاستبدل حكم الأوربيين وطغيانهم بطغيان جديد وبلون مغاير.

فهل نستحضر دروس الاستقلال ونحافظ على روح ثورتي مصر وتونس ضد الاستبداد والمستبدين؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه إعادة للتاريخ في قالب جديد؟




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات