لاأحد ينكر دور الكتاب في تقدم ورقي المجتمعات ، فهو الجسر الثقافي المتين الممتد بين الاجيال.
ومهما تطورت وتعقدت حياة البشر، يبقى الكتاب محافظا على مكانته الاجتماعية والثقافية فلا التكنولوجيا اثرت علية ولا الظروف السياسية والاقتصادية حدت من انتشاره بين ايدي القراء ولا الدول تجاهلت دوره الحيوي في تثقيف المجتمع ، حتى ان مدن كبرى تزدهر بالكتب والمكتبات وتشجع مواطنيها على القراءة من خلال اقامة المعارض العالمية الكبرى للكتاب وتحديث وتطوير اساليب المكتبات، فالكتاب يبقى هو الكتاب مع تقدم العلوم وتطور التكنولوجيا.
وكثيرا ما نسأل انفسنا لماذا تفوق علينا الغرب بالمطالعة والقراءة ؟ فالمربون في الغرب نهجوا اسلوب تعليمي تربوي يحث الجميع على القراءة وهو اسلوب يبدأ من العائلة فالأب والأم ينظمان برنامجا اسبوعيا لاولادهما يتضمن زيارة الى احدى المكتبات العامة, فالأم تقرأ, والأب يطالع, والجد يقص الحكايات التي تثري خيالات الأطفال, والجدة تقرأ للصغار وتسألهم بما حوته القصة من مفاهيم وأفكار, والطفل يلتقط عبر حواسه الذكية كل المعارف والمعلومات, ليسأل ويختزن في الذاكرة ويهضم هذا الموروث ليغذيه وينميه بالمطالعة الغزيرة والقراءة المستمرة ,حتى تصبح شهية يلتهمها كل يوم لاتقل أهمية عن الوجبات الثلاث.
وعلى الرغم من تقدم التكنولوجيا في الغرب الا ان المجتمع الاوربي بقي محافظا على الاسلوب وظل متوراثاً عبر الاجيال وهو أهم ما يميز المجتمع الغربي عن بقية المجتمعات الانسانية فيما يخص مجالات القراءة والمطالعة.
عكس ما نرى في مجتمعاتنا العربية فهي تفتقر الى هذا الاسلوب ولا يطبقه الا القلة القليلة منا ، فنحن نشتري المكتبات الفخمة ولانقراء من كتبها الا القليل والبعض منا يقتنيها لاللقراءة وزيادة المخزون الثقافي وانما لاضافة لمسة جمالية على المكان.
ولا اعتقد ان للكتاب لمسة جمالية مالم تكن هناك لمسات فكرية وثقافية نستلهم منها العبر والتجارب الحياتية ما يغني حصيلتنا الثقافية.
فأذا لم نقرأ واذا لم نحبب لانفسنا فعل القراءة والمطالعة واذا لم نغرس في اذهان ابناءنا وشبابنا القاعدة الثابتة التي تقول ان """القراءة وسيلة فعالة تساعدنا على تغذية الفكر والوجدان وتجعلنا اكثر هدوءا واقل انفعالاً وتدعمنا لتحمل المشاكل العاطفية والاجتماعية والذاتية المحتلمة""" فما هي فائدة الكتب المرصوصة على ارفف مكتباتنا والتي نتباها من خلالها بأننا مثقفون وواعون دون ان نقلب صفحاتها ونتعمق في مواضيعها.
المشكلة هي ان البعض منا يستثقل فعل القراءة والمطالعة ويعجز عن قراءة أبسط الكتب، فهو يشتري الكتب ويتابع اخبار دور النشر وماتطبعة من كتب ومجلدات تتناول مواضيع جديدة ، ويسجل حضورا جيدا في معارض الكتاب ولكنه يفشل عندما يصل الامر الى القراءة.
او يقرأ فصل او فصلين من الكتاب ويترك البقية للعام القادم او يشتري 40 كتابا من معرض الكتاب ولايقرأها مدى الحياة او يحمل 1000 او 2000 كتاب من شبكة الانترنت ولايقرأها ايضاً.
وهو مايسمى هنا (بالقارىء الفاشل) والقارىء الفاشل هو من يحب القراءة والمطالعة ويشتري الكتب مهما كان ثمنها ويضع لنفسه جدولاً ثابتاً للقراءة ولكنه عاجز عن ترجمة هذا الحب الى افعال على ارض الواقع ، وتراه بين الحين والاخر يمني نفسه بأن يصبح في يوما ما قارئاً جيد يقرأ ويقرأ ويقرأ ... لاينفك ولو للحظة عن القراءة .
والقارىء الفاشل هو عليل الثقافة فمن غير الممكن ان يشفى من علته هذه مالم يسارع بمعالجتها لان فشله في القراءة يصاحبه حبا لها وعشقا للكتاب ، وهنا تكمن المشكلة لانه يعيش بين رغبتين متناقضيتن فهو من جهة يسعى لاشباع رغبته في القراءة والمطالعة ومن جهة اخرى نراه يفشل في اشباع هذه الرغبة.
واذا حاول أشباعها، سرعان مايصاب بالعجز والملل وهو يتهيأ للدخول والانخراط في عالم القراءة الساحر.
فهو يتأرجح بين الميل نحو القراءة والمطالعة ، والابتعاد عنها بسبب العجز والملل.
وقد لاحظ المختصون في هذا المجال ان مشكلة الفشل في القراءة تتفاقم بكثرة لدى الشباب ذلك لان مرحلة الشباب ، عادة ملئية بالتناقضات فالشاب يتأرجح بين رغبتين هي حب الاشياء من جهة والنفور منها من جهة اخرى ، وكذلك هو الحال بالنسبة للقراءة ، فهو يشتري كتبا لإثراء حصيلته الثقافية وينفر عند الشروع لقرأتها.
لذلك من الضروري ان نترجم وننقح رغباتنا في القراءة والمطالعة الى افعال نستطيع ان نلمس من خلالها فوائدها العظيمة على الفكر والوجدان وتنمية المدارك وصقل وتطوير المعارف وذلك عبر أساليب من الممكن ان يعتمدها كل شاب كتأشيرة دخول الى عالم القراءة الفسيح ، العالم الذي لاينظب ابدا، ومنها ان يتخذ من القراءة الاداة او الوسيلة التي ستساعده على التغلب على كل مصاعب وتعقيدات الحياة ويؤمن بأنه سيتجاوز تلك المشاكل اذا ما التزم فعليا بالقراءة لان فيها من راحة البال وهدوء النفس وتخفيف الضغط والقلق والتوتر مايساعده على تجاوز جميع الصعوبات.
وان يعي بأن القراءة تشكل من جهة فعلا ذهنيا ومن جهة اخرى سيرورة او كفاءة معرفية يتم تعلمها عبر مراحل ومسارات انمائية متدرجة تبدأ بالقراءة الهاوية وتنتهي لتتطور الى القراءة المحترفة الملتزمة، فلايجوز للشاب المبتدا في عالم القراءة ان يقرأ كتاب (قصة الحضارة) من دون ان يؤسس له خلفيات قرائية ولغوية ومعرفية يعتمد من خلالها على قراة كتب ضخمة تحتاج الى القراءة الملتزمة وليست الهاوية.
ويستحسن قبل الشروع بالقراءة ان نضع في الحسبان اننا نحب القراءة ونعشقها ولاينقصنا من ذلك سوى الالتزام بفعل القراءة وان نطرد عن اذهاننا فكرة اننا لانستطيع ان نقرأ لاننا لسنا قراء ناجحين او ان الممل سيسطر علينا عاجلا ام اجلا فالكل بدأ بالقراءة اليسيرة السهلة وتدرج ليصل الى القراءة الخبيرة.
ان القراءة امر يسير في كل زمان ومكان فهي علاقة وثيقة مابين القارىء والمقروء لاتحتاج الى جهد عضلي او مركز اجتماعي او سلطة او جهاز يعينك فقط تحتاج الى قارىء ملتزم يعي ويقدر المعنى الانساني للقراءة
إن حب الكتاب دليل واضح على نظوج عقل الإنسان ووجود المكتبة في البيت وتهافت ساكنية على قراءة مافيها من كتب ومراجع دليل على نظوج عقول ساكنيه.
الموضوع مهدى الى الاخ العزيز تاج الدين عبد السلام ... مع التحية
التعليقات (0)