حتى تكتمل فرحة العيد
خليل الفزيع
كثيرا ما ندعو إلى تجنب جلد الذات، وعدم النظر إلى الأمور بشيء من التشاؤم، ونصر على الاستعانة بالتفاؤل لتجنب بعض بوادر الإحباط التي تطل برأسها هنا أو هناك، ومع ذلك فإن ليس من الحكمة تجاهل الواقع، وما قد يعتريه من ضعف أو تخاذل حيال بعض الأمور المهمة، وعالمنا العربي والإسلامي وهو يودع شهرا كريما، ويستقبل عيدا سعيدا، حري بأن تشمله الفرحة، وتعم ربوعه البهجة، ويملؤه السرور من أدناه إلى أقصاه، لكن هل تنسجم هذه المشاعر مع معطيات الواقع؟ وهل ينسينا العيد هذا الواقع؟ أم علينا أن نستفيد منه في محاسبة النفس والاعتراف بالأخطاء والعمل على تجاوز الإحباطات والمعوقات؟ التي تفرض على الواقع العربي والإسلامي من الداخل والخارج.
حتى تكتمل فرحة العيد لابد لنا من وقفة مع النفس ومع الواقع، بعد أن فقدت أعيادنا أو كادت بهجتها الحقيقية وسرورها الأنيق الذي كنا ننعم به فيما سبق من بواكير العمر وسنواته الأولى، وما نشهده هذه الأيام من فرح طفولي بالعيد، لا يعبر عن فرحة شاملة، بل هي فرحة محدودة نحاول ألا يفقدها الصغار كما فقدها الكبار، الذين يدركون عمق مأساة الواقع العربي والإسلامي، وهي مأساة لها أكثر من وجه، وإن كانت نتائجها واحدة، وابتداء بما يعانيه الفرد في ذاته، وما يفرض عليه من إحباطات في مجالات كثيرة، ومرورا بما تتعرض له الأوطان على أيدي المارقين من أبنائها، ووصولا إلى ما يحاك ضد الأمة من مؤامرات في الخفاء والعلن، كل ذلك لا يبقي لفرحة العيد مكانا، ولا لبهجته فرصة لتأكيد الوجه المشرق للعيد كما يجب أن يكون.
فالإنسان الذي تتحكم فيه السلبية والأنانية وحب السيطرة والتملك، ويصر على محاسبة الآخرين قبل أن يحاسب نفسه، والإنسان الذي تفرض عليه قيود القهر ومصادرة الحرية وانعدام فرص النجاح، فلا يرى سوى الأبواب المغلقة إن أراد أن يحقق ذاته ويسهم في بناء وطنه وخدمة أمته، والإنسان الذي يتعاون مع الشيطان لتدمير منجزات وطنه بالتآمر أو الإرهاب أو الضغينة المذهبية المدمرة للانتماء الوطني والتي تعني ارتهان الذات لجهات خارجية، ليصبح عدوا لبلاده أكثر من أعدائها الخارجيين.. هذا الإنسان وذاك.. لن يكون أداة بناء في كل هذه الحالات، إضافة إلى ذلك ما يدور من خلافات طاحنة بين أبناء الوطن الواحد، ليصبح رفاق السلاح بالأمس هم أعداء اليوم بينما العدو الحقيقي يوغل في تنفيذ مخططاته بعد أن مهدت تلك الخلافات الطريق أمامه لابتلاع المزيد من الأراضي المحتلة، وبعد ذلك وقبله تأتي المؤامرات والدسائس التي تحاك ضد الأمة لتحد من طموحاتها وتعرقل مسيرتها نحو أي تقدم منشود.
كل هذه المظاهر السلبية تسهم اسهاما فاعلا في تأخر الأمة عن اللحاق بركب التقدم الذي تحققه دول العالم في مجالات عديدة، وتشغل العربي والمسلم لا عن فرحه العيد فقط، بل وعن نفسه أيضا، وعن وجوده المرتهن بسلبيات لا تعد ولا تحصى، وفي ظل هذه الظروف الحالكة السواد، كيف له أن يفرح والحزن له بالمرصاد؟ ما لم يتذكر أن ما من ليل إلا وله آخر، وما من ظلام إلا ويليه نور، فما زال المخلصون من أبناء هذه الأمة يعملون ويعملون لانتشالها من كبوتها، ومنحها ما تستحقه من دور إيجابي يسهم في بناء التقدم العالمي، ويعيد لهذه الأمة شيئا من أمجادها الغابرة، وفراديسها المفقودة، بعيدا عن التخاذل والإحباط، وبعيدا عن التشاؤم والاستسلام لواقع يزخر بكل أسباب الفشل رغم أنه يملك كل مقومات النجاح، وإذا كانت ثمة خطوات في هذه الطريق، فإنها لا بد أن تبدأ بإصلاح الذات، وإصلاح الذات يعني إصلاح المجتمعات وإصلاح المجتمعات يعني إصلاح الأوطان، الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تقدم الأمة وتطورها وازدهارها.
وكل عام وعيدكم سعيد.
التعليقات (0)