حتمية انقشاع غيوم العلاقات المغربية الموريتانية
عبـد الفتـاح الفاتحـي
من الطبيعي أن تشكل رسالة تهنئة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلى زعيم جبهة البوليساريو بمناسبة ما يسمى الذكرى 36 لإعلان "الجمهورية الصحراوية العربية الديموقراطية" دليل على توتر غير معلن في العلاقات السياسية بين الرباط ونواكشوظ، لا سيما وأنها تزامنت مع قرب انطلاق الجولة التاسعة من المفاوضات غير الرسمية حول الصحراء، وبعد زيارة رسمية قام بها وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني قدم خلالها رسالة ملكية تتضمن دعوة رسمية للرئيس الموريتاني للرباط على غرار الزيارة التي قام بها للجزائر السنة الماضية.
كما أن هذه الرسالة جاءت بعد التأم وزراء خارجية الاتحاد المغاربي بالرباط والرهانات التي أحيطت به في إحياء هياكل الاتحاد المغاربي.
وإذا كان المغرب يتفهم الموقف التاريخي لموريتانيا من قضية الصحراء حيث تظل تعترف بجمهورية البوليساريو من سنة 1984 إلا أن الرسالة الأخير للرئيس الموريتاني لزعيم الجبهة فسرت بأنها تجسيد لموقف موريتاني ملتبس من قضية الصحراء، وأنه رد فعل موريتاني على استمرار تمسك المغرب بترشحه ضدها في نيل مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي، وبعد زيارة قام بها الرئيس الموريتاني إلى الجزائر في حين تعذر عليه ذلك القيام بزيارة مماثلة إلى المغرب.
وإن لم يكن أمام موريتانيا من سبيل للميل نحو الموقف المغربي بشأن الصحراء، فإنها مدعوة على الأقل الالتزام بمبدأ الحياد التاريخي التي ظلت تلتزم به من قضية الصحراء، ذلك أن أي موقف غير ذلك لا يخدم الرهان الاستراتيجي للتسريع ببناء الاتحاد المغاربي ولا استراتيجية استمرار الرقي بالعلاقات الاقتصادية والتجارية المغربية الموريتانية.
وإذا كانت الكثير من التكهنات تشير أن استمرار توتر العلاقات السياسية المغربية الموريتانية كان على خلفية رفض وكالة التعاون الدولي المغربية قبول كل طلبات تسجيل الطلبة الموريتانيين بالجامعات ومعاهد التكوين المغربية بسبب اكراهات الضغط على مؤسسات التعليم العالي بعد عودة الطلبة المغاربة من تونس وليبيا وسوريا، وهو ما ردت عليه موريتانيا بطرد صحفي وكالة المغرب العربي للأنباء من موريتانيا، وازدادت حدة الاحتقان السياسي البلدين على خلفية ترشح البلدين لمقعد غير دائم بمجلس الأمن الدولي. وهو الأمر الذي ترجم موريتانيا بأنه استخفاف بها وهضما لحقوقها ومسا بكرامتها، وهو ما برز في تمسكها بترشيحها.
وقد ازداد ذلك التشنج بعد تشبث المغرب بالترشح لمقعد مجلس الأمن الدولي أمام موريتانيا، فلأنه عانى الكثير من الويلات التي ظلت جنوب إفريقيا تسببها لها حول النزاع في الصحراء ولا سيما عند "أزمة أميناتو حيدر" و"أحداث مخيم اكديم ايزيك" التي كادت تكلفه سيادته على الأقاليم الجنوبية، حيث كاد المنتظم الدولي أن يدفع في اتجاه توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل الوضع الحقوقي.
إلى أنه على الرغم من ذلك فإنه من المستحيل حصول مزيد من الاحتقانات السياسية بين البلدين مستقبلا، لأن الأمر اليوم في حدود إعادة التطبيع في العلاقات بين البلدين بما يشكل دفعة جديدة للرقي بالعلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية بين البلدين في ظل حدود مفتوحة اليوم بينهما وما تشهده تلك الحدود من حركة تجارية جد نشطة.
ومهما تطورت العلاقات الدبلوماسية الموريتانية الجزائرية، فإن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لن ينسى للجزائر عدم شفاعتها له لدى منظمة الاتحاد الإفريقي، الذي استنكر عليه شرعية انقلابه العسكري على حكم "محمد فال عبد العزيز"، كل ذلك كفيل بأن يبقي الموقف الموريتاني على الحياد دون الاصطفاف في الخندق الجزائري.
ومن جهة أخرى فإن العلاقات السياسية بات من الصعوبة أن تؤثر على استمرار تطور العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، لا سيما بعد طول تمرس اللوبي المغربي الموريتاني الاقتصادي والتجاري الذي تم تأسيسه سنة 2001 ليفرض على حكومتي البلدين تفعيل العلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية بينهما.
كما أن حاجة موريتانيا قوية إلى علاقات حسن الجوار والتعاون القوي مع المغرب، بل وأنها حتمية وضرورية، حيث يستحيل إيجاد بديل لها في الجزائر لاعتبارات استراتيجية. ففي المجال الاقتصادي؛ تقوم شركات مغربية باستثمار العديد من رؤوس الأموال في التراب الموريتاني في عالم الاتصال والمال والمصاريف. وفي المجال التجاري تشد يوميا قوافل المواد الغذائية الأساسية نحو موريتانيا. فضلا عن الدور الاستراتيجي لمؤسسات التعليم العالي ومعاهد التكوين المغربية في تكوين العديد من الكوادر والأطر الموريتانية بسخاء كبير. إضافة إلى استفادة موريتانيا من برنامج للتعاون العسكري المغربي وخاصة على مستوى تكوين الضباط الموريتانيين العسكريين والأمنيين كان لهم الدور البارز في تعزيز الأمن بموريتانيا والقضاء على الجماعات الإرهابية.
وهذا يعني أيضا أن المملكة المغربية تستفيد من عائدات مالية مهمة لصالح خزينتها، فضلا عن نمو الحركة السياحية للموريتانيين نحو المدن المغربية مغيرة الوجهة من جزر الكنارية الاسبانية.
ويبقى مستقبل رخاء المغرب وموريتانيا في بعضهما البعض رغم هذه الغيوم العابرة، فإن الأيام القليلة الماضية ستعرف انفراجا سياسيا خلال الأيام القليلة المقبلة بعد تسوية مشوشات العلاقات بين البلدين، لاستمرار الحدود البرية شبه مفتوحة أمام نشاط تجاري هائل، ولأن المغرب بات يشكل بحق البديل الحقيقي لموريتانيا بعد إقبار حليفها التاريخي نظام القذافي في المنطقة المغاربية.
محلل سياسي مختص بقضايا الصحراء والشأن المغاربي
التعليقات (0)