مواضيع اليوم

حب الوطن في شريعة الإسلام وفي شريعة الإخوان والجماعات المتأسلمة

حسن العجوز العجوز

2017-02-24 06:57:16

0

 محبة الوطن فطرة القلب السليم والنفس السوية وبرهان على صفاء الروح ونفاسة معدنها وأصالة النفس وطهارتها

وكما يحن الطفل إلى أمه يحن الإنسان إلى أمه الأرض قال تعالى ( والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا) سورة نوح

وقال عن السيدة مريم عليها السلام ( وأنبتها نباتا حسنا )فإن الأرض رحم الإنسان وأمه منها خرج وإليه يعاد حتى يخرج يوم البعث فكيف لا يحن إلى أرضه وموطنه الذى تربى فيه وتكونت أفكاره وأخلاقه وأحلامه

(بلادي وإن جارت عليّ عزيزة**وقومي وإن ضنّوا عليّ كرامً!)

كل إنسان ذو فطرة سليمة يحب وطنه ويعتز به لأنه مهد صباه ومدرج خطاه ومرتع شبابه وموطن أهله وأحبابه

حتى الحيوات جبلت على حب الأوطان فالطيور تحن إلى أوكارها وتقطع آلاف الأميال عائدة إليه

 والسمك يقطع آلاف الأميال متنقلاً عبر البحار والمحيطات ثم يعود إلى وطنه

جاء في البخاري ومسلم في قصة بداية نزول القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذهابه إلى ورقة بن نوفل، وقول ورقة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ليتني أكون معك إذ يخرجك قومك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أوَ مخرجي هُمْ؟). يقول السهيلي: يؤخذ منه شدة مفارقة الوطن على النفس، فإنه - صلى الله عليه وسلم - سمع قول ورقة أنهم يؤذونه ويكذبونه فلم يظهر منه انزعاج لذلك، فلما ذكر له الإخراج تحركت نفسه لذلك، لحب الوطن!!

يتجلى حب الوطن بأعلى صوره يوم الهجرة، بعد أن خرج من مكة، وقف على حدودها، والتفت إليها وقال: (ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك)

ولما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- الجحفة في طريقه إلى المدينة اشتد شوقه إلى مكة، فأنزل الله عليه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) [القصص: 85]، أي لرادك إلى مكة التي أخرجوك منها. يقول سيد قطب -رحمه الله- في تفسير الآية: "...يتوجه الخطاب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن خلفه القلة المسلمة التي كانت يومها بمكة، يتوجه الخطاب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مخرج من بلده، مطارد من قومه، وهو في طريقه إلى المدينة التي لم يبلغها بعد، فقد كان بالجحفة قريبًا من مكة، قريبًا من الخطر، يتعلق قلبه وبصره ببلده الذي يحبه، والذي يعز عليه فراقه لولا أن دعوته أعز عليه من بلده وموطن صباه، ومهد ذكرياته، ومقر أهله، يتوجه الخطاب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في موقفه ذلك: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ)، فما هو بتاركك للمشركين". في ظلال القرآن - سورة القصص: 85.

وعندما استوطن مكة كان دائم الشوق إلى وطنه وكان يدعو الله أن يرزقه حب المدينة كما في الصحيحين: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد". رواه البخاري برقم 4-99.

وورد أيضا في الصحيحين: "اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلت بمكة من البركة". رواه البخاري 4-97.

وفي مسلم: "اللهم بارك لنا في تمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعا لمكة، ومثله معه". رواه مسلم

وأخرج الأزرقي في "أخبار مكة" عن ابن شهاب قال: قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدخل على عائشة -رضي الله عنها- فقالت له: يا أصيل: كيف عهدت مكة؟! قال: عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، قالت: أقم حتى يأتيك النبي، فلم يلبث أن دخل النبي، فقال له: "يا أصيل: كيف عهدت مكة؟!"، قال: والله عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق إذخرها، وأسلت ثمامها، فقال: "حسبك -يا أصيل- لا تحزنا". وأخرجه باختصار أبو الفتح الأزدي في كتابه "المخزون في علم الحديث"، وابن ماكولا في "الإكمال"، وفيه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ويها يا أصيل! دع القلوب تقر قرارها".

ولما جاء الصحابة - رضي الله عنهم - إلى المدينة أصابتهم الحمى حتى بلغت ببعضهم إلى الهذيان من شدتها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد) وسأل الله أن ينقل حماها إلى مكان آخر، قال السهيلي: وفي هذا الخبر وما ذُكر من حنينهم إلى مكة ما جبلت عليه النفوس من حب الوطن

انظر إلى إمامهم ومرشدهم وهو يتحدث عن حب الوطن الذي ينكرونه الآن لأنهم جماعة برجماتيه لاتعنيها إلا المصلحة الآنية والمنفعة العاجلة وتضحي في سبيلها بكل قيمة ومعنى

يقول مرشدهم حسن البنا

 -رحمه الله- وهو يتحدث عن حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته وحنينهم إلى وطنهم مكة المكرمة

: "إن كان دعاة الوطنية يريدون بها –أي الوطنية- حب هذه الأرض وألفتها والحنين إليها والانعطاف نحوها، فذلك أمر مركوز في فطر النفوس من جهة... مأمور به في الإسلام من جهة أخرى، وإن بلالاً الذي ضحى بكل شيء في سبيل عقيدته ودينه هو بلال الذي كان يهتف في دار الهجرة بالحنين إلى مكة في أبيات تسيل رقة وتقطر حلاوة:


ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة *** بوادٍ وحولي إذخر وجليل

وهـل أردن يومًا مياه مجنة *** وهل يبدون لي شامة وطفيل

ولأن النفوس جبلت على محبة الأوطان فقد جعل الله عقوبة الزاني البكر أن يبعد عن وطنه، كي يتجرع مرارة الذنب الذي وقع فيه.

9) ومن الأدلة أن المشركين استخدموا هذا السلاح الفتاك في حرب أنبياء الله ورسله، فما أن يعلن نبي دينه ويدعو إليه إلا ويطرده قومه من بلدهم تعذيباً له {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (56) سورة النمل. وقصة نوح ويونس وموسى كلها شاهدة على ذلك، يقول الله سبحانه عن قوم شعيب: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ استكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أو لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} (88) سورة الأعراف. فجعل المشركون من قوم شعيب خروج شعيب من قريتهم مقابلاً لرجوعه إلى دينهم وتركه عبادة الله وحده، فقال شعيب لهم: {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ، قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إذ نَجَّانَا اللّهَُ} (88-89) سورة الأعراف.


وذكر الله عن اليهود فقال: {وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا} (3) سورة الحشر. فجعل الله - عز وجل - طردهم من المدينة عذاباً لهم في الدنيا، يقول السيوطي: ولولا أن قضى الله عليهم الخروج من الوطن لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي كما فعل بقريظة من اليهود، ولهم في الآخرة عذاب النار

ومن الأدلة أن عاقب الله بني إسرائيل بأن جعلهم يتيهون في الأرض بلا وطن، أربعين سنة عقوبة لهم: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } (26) سورة المائدة.

وجاء في صحيح البخاري وغيره، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يرقي مريضاً بلَّ أُصبعه بريقه، ثم وضعه على التراب، ثم مسح به المريض، ثم قال: (بسم الله، تربة أرضنا، برِيقة بعضنا، يُشفى سقيمنا، بإذن ربنا)، وهذا الحديث دليل على أن الإنسان متعلق بوطنه تعلقاً شديداً حتى أنه يمرض إذا فارقه، كما مرض الصحابة لما فارقوا بلدهم مكة.

قال القاضي والبيضاوي وابن حجر في الفتح: شهدت المباحث الطبية على أن الريق له دخل في النضج وتبديل المزاج، ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصلي، ودفع نكاية المغيِّرات، ولهذا ذكروا في تدبير المسافر أنه يستصحب معه تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها، حتى إذا ورد غير الماء الذي تعود شربه ووافق مزاجه، جعل شيئاً منه في سقايته، ويشرب الماء من رأسه ليحفظ عنه مضرة الماء الغريب ويأمن تغير مزاجه بسبب استنشاق الهواء المغاير للهواء المعتاد أ.هـ.

ومن الأدلة أيضاً أن البلد المسلم إذا داهمه عدو كافرٌ وجب على كل أهل البلد الدفاع عنه وصار الجهاد فرض عين عليهم، لا يجوز لأحد ترك الدفاع عن وطنه المسلم، كما هو نص الفقهاء في جميع المذاهب، وقد قال الله عن بني إسرائيل: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا} (264) سورة البقرة.

6) ومن الأدلة ما ورد من أن العقوبات التعزيرية هو: (التغريب عن الوطن) وإذا أكره الإنسان على أمر أو طُرد من بلده جوَّز له العلماء التماس المعاذير، وأنه يدخل في قول الله سبحانه: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (106) سورة النحل. يقول السيوطي رحمه الله: والتهديد بالنفي عن البلد إكراه على الأصح، لأن مفارقة الوطن شديدة.

7) ومن الأدلة قوله سبحانه: عن المحاربين وقطاع الطريق: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أو يُصَلَّبُواْ أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أو يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} (33) سورة المائدة. قال الشافعي: يكفيه مفارقة الوطن والعشيرة خذلاناً وذلاً.

محبة الأوطان سنة من سنن الله في الأكوان وسنة من سنن الإسلام لا ينكرها إلا طلاب الدنيا والإمارة لأنهم صاروا مخلبا في يد الإستعمار الغربي للنيل من الأمة وتفتيتها ونشر الفوضى في ربوعه

اللهم احفظ بلاد الإسلام واهلك أعداء الإسلام وعملائهم 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات