دعوني أولا أعترف وأقر أني لا أميز بين امرأة وأخرى على أساس الحجاب أو غيره من المظاهر الخاصة بالإنسان بشكل عام ، بقدر ما أهتم بالأفكار التي يحملها هذا الكائن البشري عن الوجود والحياة والإنسان، فالحجاب كلباس شرعي كما يراه البعض وهو خياره وقناعته المؤسسة على الدين الإسلامي كما يفهمه هذا البعض، فان للبعض الآخر نظرته لمسألة الحجاب المؤسسة، أو يفترض أن تكون مؤسسة، على نظرة خاصة للقيم والتمثلاث والقناعات الخاصة. ولذلك يجب، برأيي الشخصي، أن تبقى هذي القناعات محل تقدير واحترام متبادل حتى تنجح سبل التعايش تحت سقف واحد، سواء كان هذا السقف وطنا أم أسرة أم حيا أو مدينة أو حتى حضارة مشتركة كما نرى في كثير من الأمصار والأقطار.
لكن حين يتم خرق هذا التواضع للتعايش في سلام وأمن بين أبناء المجتمع الواحد، يثور نقاش وجدال أقرب لحديث العجائز منه إلى الفكر العقلاني والحداثي والتقدمي و..و... كما يدعي البعض منا وهم كاذبون، حين ينسون علمانيتهم وعقلانيتهم ودعواهم للحرية ويتدخلون في حرية الآخر ويرغمونه بأساليب تسلطية وقمعية ويمسون ما يعتبره هذا الإنسان الضحية دينا وعقيدة... فما ذا ننتظر إذن ؟؟
وماذا عن حب الحجاب ؟؟
مناسبة هذا الكلام هو ما تابعناه من سجال وجدال في الصحافة والإعلام على خلفية فيلم " حجاب الحب" كنت حينها لم "أتشرف" برؤية هذا العمل "الإبداعي" لمخرج لم "أتشرف" أن ألتقيه وآخذ معه صورة تذكارية أفتخر بها أمام زملائي. وأخيرا تابعت هذا الفيلم الذي كان رديئا على مستوى المضمون بما تحمله كلمة الرداءة من معنى عميق، انه لا يناقش فكرة رئيسة تشغل الوطن والأمة فضلا عن المجتمع البشري بشكل عام، بقدر ما يسخر ويستهزئ بما يعتبره البعض أنه شعيرة دينية وعقيدة يستهزئ بها السكارى المتملقون والمأجورون لصالح قوى الاستكبار العالمي المشتاقة للقضاء على آخر ما تبقى من عزتنا وكرامتنا المختزلة في المرأة المسلمة الطاهرة النقية التي أنجبت الأبطال والشهداء والوطنيين، والتي اعتبرها الشاعر العربي مدرسة تقوم بدور إعداد جيل طيب الأعراق. والسؤال الساذج والبسيط والعفوي في نفس الآن للتدليل على حجة البعض منا: هل يرضى أحدنا- نحن معشر الرجال- إن كنا رجالا حقا وصدقا، أن تقوم أخته أو زوجته أو أمه في دور المرأة التي قامت بدور "البطلة" في فيلم "حجاب الحب" ؟؟ الجواب سيكون حتما لا.. لا..لا ، فحتى زوجة مخرج الفيلم لا تستطيع أن تقوم بهذا الدور كما صرحت للصحافة، وكما صرح أيضا للصحافة الوطنية ممثلون شاركوا في فيلم" ماروك" لـ "المبدعة" ليلى المراكشي!!
أنا شخصيا، مع حرية التفكير والإبداع والجدال بالتي هي أحسن، لكن أرى أن بعض مما يحسبون على الفن يفعلون مثل ذاك "الزبال" الموظف في حديقة ليجمع منها الأزبال، فلا تقع عينه على العشب الأخضر والأزهار المختلفة أنواعها والمياه العذبة وما إلى ذلك من المناظر الجميلة التي تزخر بها الحديقة.. بل تقع عينه فقط على الأزبال ليجمعها ويتلهى بها طيلة حياته، لأن هذي هي مهمته الرئيسة !
من حق البعض أن يناقش ظاهرة التلاعب والمتاجرة في الهوية والتاريخ والوطن، ومن حقه أن يجعل تيمة الحجاب عنوانا لموضوعه كما يفعل الباحثون في علم الاجتماع في السنين الأخيرة، ومن حق هذا البعض أن يعنون إنتاجه بـ "حجاب الحب" شرط أن يكون الموضوع جذابا وملفتا ويدعو إلى الحوار المثمر ببن مكونات المجتمع الثقافية والفكرية والفكرانية، ويحترم الهوية ودين الدولة الرسمي الذين جعلوه حائطا قصيرا يقفز عليه السكارى بسرعة دون حسيب ولا رقيب، مع كتمان شهادة الحق عبر طرح السؤال التالي : وما ذا عن حب الحجاب؟ هذا سؤال محرج ولاشك، يفضح معالم الجريمة الثقافية التي يقترفها مثقفو"الكات كات" والفيلات الفخمة!
لا يستطيعون الجواب على هذا السؤال فهو محرجهم، لأن هناك من النسوة في التاريخ الإسلامي والعربي الحديث من تعرضن للتهميش والإقصاء والسجن والتعذيب بسبب حجابهن كما وقع ، ولا زال يقع في بلدان عربية كثيرة في ظل الاحتلال الخارجي كما العراق حاليا، وفي ظل الاختلال الداخلي كما يقع في تونس بشكل سافرو مقززفي خطة "محكم’ لأجل تجفيف منابع التدين، وباقي الدول العربية بشكل فاضح كما كتب مؤخرا الزميل فؤاد مدني عن "حجاب كوكل" في عموده بجريدة أخبار اليوم عن زميلة صحفية تخرجت معه وتتقن خمس لغات وتتوفر على ذاكرة قوية في حفظ المعطيات والمعلومات وترجمة النصوص،ومغ ذلك لا زالت عاطلة عن العمل بسبب حجابها ...!! والغريب أن هؤلاء النسوة/الضحية ما تراجعن عن قناعاتهن أو استسلمن، إذ لو كان الأمر يتعلق فقط بعادة آتية من عمق الصحراء وتعكس ثقافة البداوة ولم تعد صالحة لثقافة الحضارة والتقدم لتخلت عنه نساء كثيرات. ومنهن نساء مثقفات وعالمات في تخصصهن وتخرجن من أكبر جامعات الغرب الأوربي!!
يمكن أن أذكر ثلاثة أمثلة لنساء ارتدين الحجاب عن قناعة وتعرضن لكل صنوف التهميش والتسفيه لثقافتهن، بل لدينهن .. نعم لدينهن.. "يا حفصة إنه الدين" يرحمك الله يا أمير المؤمنين !!
مروة قواقجي تفضح العلمانية المسلحة في تركيا
من منا لا يذكر الدكتورة مروة صفاء قواقجي البرلمانية التركية التي انتخبها الشعب كمرشحة عن حزب الرفاه التركي إبان التسعينات، وتعرضت للطرد من داخل قبة البرلمان وسحبوا منها جنستها التركية؟؟ إنها قصة معاناة تصلح لفيلم ناجح يعكس الصورة الحقيقة للمرأة المسلمة، المرأة التي تحدت النظام العلماني في تركيا وحاصرته عالميا وإعلاميا ، وكشفت للشرفاء في الدنيا الوجه القبيح للعلمانية المسلحة بتعبير المفكر السوداني عبد الوهاب الأفندي.
بين يدي الآن كتاب الدكتورة مروة صفاء قواقجي المعنون بـ " ديمقراطية بلا حجاب: تاريخ داخل التاريخ" ترجمه للعربية مصطفى يعقوب، من 295 صفحة كاملة جمعت فيها قصة معاناة استمرت سنوات قادها المعسكر العلماني في الإعلام والقضاء وتهديدات من أجهزة السلطة وكذا الصحافيين، نعم صحافيون كانوا يهددونها ..!! يهددون امرأة مسالمة وشابة من مواليد 1968 أستاذة في جامعة هارفارد، وكاتبة صحفية، عادت إلى تركيا، وهي أم لطفلتين من زواج سابق، فاشتغلت في الصحافة وحفظت القرآن الكريم، ودخلت السياسة من بابها الواسع مع حزب الرفاه وبعده الفضيلة، ولما فشلوا أن ينتزعوا منها قناعتها في ارتداء الحجاب، سحبوا منها جنسيتها التركية، وكان الشعب التركي معها وكانت المنظمات الدولية معها.... وكان الله معها !!
استطاعت مروة أن تحاصر حكومتها في كل دول العالم حتى أن رئيس الحكومة آنذاك حين يود أن يحضر مؤتمرا دوليا كان يسأل عن وجود "مروة " هناك، لأنها كانت تعقد ندوات يؤطرها شرفاء العالم لفضح حكومة تركيا بسبب "مروة" التي غذت أيقونة وترمومتر لقياس مدى احترام حقوق المرأة في بلد ذي حضارة وعمق استراتيجي مثل تركيا.
يمكن للقارئ الكريم أن يطلع على هذا كتاب" ديمقراطية بلا حجاب" للأستاذة مروة صفاء قواقجي لمزيد من " البيان والتبيين" وأيضا " الإمتاع والمؤانسة" في سبيل " تحرير المرأة في عهد الرسالة" لأجل " تنوير المؤمنات" مما يحاك ضد الأمة لتعطيل قلبها النابض وهو المرأة المسلمة التي أنجبت الشهداء والأبطال والشرفاء!!
التلميذتان "ليفي" تفضحان العلمانية المتطرفة في فرنسا
المثال الثاني من فرنسا، وهو مثال ظهر قبل تصريح ساركوزي الذي بدا البعض يحطب في حبله العنصري، والمثال لتلميذتين فرنسيتين : ليلى وعلياء وهما مسلمتان ترتديان الحجاب، وأبوهما مناضل يساري من أصول يهودية يعمل في المحاماة، تعرضتا للطرد من المدرسة عام 2003، وبالرغم من وقوف أستاذ مادة الاجتماعيات معهما في مقال نشره في جريدة لوموند، فان قرار الفصل من المدرسة قد صدر بحقهما فوقف الجميع مع ناظر المؤسسة من رجال التعليم والإعلام بشكل عام، فارتفعت حرارة النقاش والجدال في فرنسا وخارجها حول مدى مشروعية قرار الطرد، فقام الرئيس جاك شيراك يوم 3 يوليوز 2003 بتعيين " لجنة للتفكير في تطبيق العلمانية داخل الجمهورية" حملت اسم رئيسها برنارد ستازي الذي ألقى على ضوء نتائج التقرير خطابا أعلن فيه عما سماه بـ " ضرورة إصدار قانون منع الرموز الدينية" والرموز الدينية كما يذكرها التقرير هي الصليب الكبير والقلنسوة اليهودية والحجاب الإسلامي.
ومن المؤكد ألا أحد يدخل للمدرسة يحمل صليبا من الحجم الكبير، بل ليس هناك من يفعل ولو في المدارس الكاثوليكية الخاصة والتي تعد بالآلافـ إذ تمثل 95% من التعليم الخصوصي، وليس هناك أيضا من يدخل بالقلنسوة اليهودية ، لأن من يفكر في القلنسوة لا يفكر حتما في التعليم العلماني، وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 30000( ثلاثين ألف) يهودي يتابعون دراستهم في نحو 256 مدرسة يهودية في فرنسا. في حين أن المسلمين وان كانوا يمثلون الديانة الثانية في فرنسا من حيث العدد، فهم الأقل ميلا إلى التعليم الديني، إذ ليس هناك أكثر من مؤسستين تعليميتين في كامل التراب الفرنسي، ثانوية واحدة وإعدادية واحدة. ما يعني أن المسلمين هم الفئة المستهدفة من قانون منع الرموز البارزة التي تتجسد في الحجاب الموصوف بالإسلامي!!
وتجدر الإشارة إلى أن أب الطفلتين المسلمتين، وهو يساري ومن أصول يهودية كما سبقت الإشارة إلى ذلك صرح للصحافة بعد قرار طرد طفلتيه " إنهم آيات الله العلمانيين" ...فالأب ليفي المحامي اليساري هو من يعتني بطفلتيه تربويا بعد الطلاق من أمهما، وترك لهما الحرية في الاختيار، ولم يفرض عليهما شيئا كما يدعي الأصوليون العلمانيون وهم كاذبون طبعا حول مسألة الحجاب!!
أمينة بصير تفضح أستاذ التواصل والسيميائيات بالمغرب
أمينة بصير، وهي ابنة عم اللاعب المغربي السابق في منتخب كرة القدم صلاح الدين بصير، كانت زميلتنا في الدراسات العليا، طالبة نشيطة ومتعلمة وتتقن ثلاث لغات دفعة واحدة كتابة وقراءة، وكانت تتابع دراستها في أحد المراكز الأمريكية بالمغرب، وكانت سببا في اعتناق أمريكيات للإسلام. أذكر أننا حضرنا ندوة عن البلاغة والحجاج في جامعة مكناس، وكان معنا طلبة وطالبات من مكناس سبق لهم أن درسوا عند الأستاذ سعيد بنكراد، فتحلقنا حول الأستاذ وطفقنا نضحك وننكت، فمد يده للطالبة أمينة بصير فاعتذرت له عن مد يدها، فانزعج "بنكراد" وبدأ يسب ويشتم في زميلتنا، ويقول لها هذي ماشي أخلاق، من علمك هذي التربية، ثم يعود فيبتسم في وجه طالبة ويقول لها: كيف حالك أ نادية .. لا باس عليك.. يضحك ويقهقه في وجوه طلبة وطالبات.. ثم يعود كرة أخرى فيخزر في أمينة بصير فيقول لها: أخلاق هذي... أخلاق الظلام ..أخلاق ... وكلام قاس جدا..جدا.... بعض الطلبة الانتهازيين تنكروا لزميلتهم، ومنهم من بدأ يلومها ويعاتبها..ولا أحد حمل الأستاذ الخطأ وهو أستاذ التواصل والسيميائيات... يا حسرتاه !!
مساء التقيت أمينة مع ثلاث أمريكيات في محطة الساتيام في حي "حمرية" بمكناس، فقدمتهن لي على أنهن مسلمات، واحدة قدمت نفسها باسم نعيمة، فسألتها عن اختيار هذا الاسم الثقيل على اللسان الغربي، فقالت لي الأمريكية: لأن الإسلام نعمة يا أخي، ولما لمت أمينة عن سلوكها الذي أدخلها في مشكل هي في غنى عنه، قالت: أعرفك السي لشهب أنك إنسان محترم، ولكن لماذا لا تلومون الأستاذ على سلوكه وهو يكيل لي صنوفا من السب والشتم ... هو أستاذ التواصل والسميائيات... لماذا لم يحترم خصوصياتي وثقافتي .. ماذا فعلت له ؟؟!!
أعتذر يا أمينة لأني لم أقف إلى جانبك وأنت المظلومة .. يشهد الله أنك صبرت صبرا جميلا، وأنا متأكد أن جميع الطلبة حين يتذكرون سيحترمونك، وسيعظمونك، وسيذكرونك أنك كنت إنسانة طيبة وطاهرة ومخلصة، بل وحرة في اختيارك، ومقتنعة بأفكارك " وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" ...أعتذر كرة أخرى يا أمينة لأني لم أقف معك ... ليس معك أنت ، بل مع خيار الأمة الأصيل وشوقها في تحرير إرادتها وثقافتها وفكرها... الله وحده يشهد يا أمينة ،ولا نقصم ظهرك، أنك كنت ترتدين لباسا يعكس أصالتنا ويختزل إرادتنا .. شعاره : تحرير الأمة قبل تحرير المرأة . التحرير الحقيقي .. تحرير الأمة من ثقافة الهزيمة والاستلاب والاستهلاك !!
أعتذر مرة أخرى ..!!
التعليقات (0)