تتباكى أمريكا وبعض دول الغرب على الديموقراطية فى مصر التى يزعمون أنها أجهضت بسبب وقوف الجيش المصرى مع الملايين الحاشدة التى ثارت ضد حكم الإخوان الطائفى المتطرف , وهنا لا بد لى من العودةإلى تاريخ الانقلابات العسكرية العربية الاستبدادية والتى لم تأت تحت ضغط شعبى ومع ذلك لم يعترض عليها الغرب ولم يهدد القائمين بها بسحب المعونات أو التدخل المباشر كما حدث مع مصر بعد أن انحاز جيشها إلى الملايين التى خرجت فى الثلاثين من يونيه الماضى . أولا فى عام 1952 قام عبد الناصر ورفاقه بانقلاب عسكرى ضد الحكم الملكى فى مصر , وقد كان انقلابا حقيقيا على حكم لا ينكر أحد أنه كان ديموقراطيا لدرجة أن مرشح القصر كان يخسر الانتخابات أمام مرشح حزب الوفد فى كثير من الدوائر بل إن بعض المسيحيين قد وصلوا إلى البرلمان بعد فوزهم فى الانتخابات أمام مرشحين مسلمين مدعومين من القصر فى صعيد مصر الذى لا يستطيع أقباطه فى هذه الأيام الذهاب إلى لجان الانتخابات بسبب إرهاب الاسلاميين , ومع ذلك لم تقف الحكومات الغربية حينها ضد هذا الانقلاب السافر حيث لم تكن هناك مظاهرة ولو من خمسة أفراد ضد الحكم الملكى يوم 23 يوليو . ثانيا حدث انقلاب عسكرى دموى فى العراق فى 14 يوليه 1958 قضى على حكم ملكى مسالم وأقرب إلى الديموقراطية ,وقتل الملك وأعوانه وسحل بعضهم فى الشوارع وأخرج العراق من حلف بغداد الذى كان امتدادا لحلف الاطلنطى فى الشرق الاوسط , ومع حدوث بعض التنديدات الغربية إلا أ نه لم يتم التهديد بالتدخل أو قطع المعونات ! ثالثا فى اول سبتمبر عام 1969 قام القذافى فى ليبيا بانقلاب مع بعض رفاقه من صبيان الجيش الليبى ولم يكن فى حوزتهم ما يزيد عن خمس دبابات قديمة بينما كانت على مقربة منهم بالأرض الليبية قاعدة هويلس الأمريكية التى يقال إنها كانت أكبر قاعدة عسكرية لأمريكا خارج أراضيها وسمحت أمريكا لهذا الإنسان الغريب الأطوار أن يقضى على الحكم الملكى ويجعل من نفسه بطلا قوميا ومصلحا إنسانيا. ولا يستطيع مجنون أن يتصور ان أمريكا كانت عاجزة عن دحر هذا الانقلاب , هذا بالإضافة إلى انقلابات العسكر فى السودان واليمن وسوريا / وتمر الأعوام وتتوالى السنون ويذوق العالم العربى الويلات من حكم العسكر الاستبدادى الفاقد الأهلية والذى أعلن عداءه للغرب متخذا من ذلك دليلا على الوطنية والبطولة كما استدعى التراث الدينى الاسلامى ليكون دعما معنويا لأحلام الحكام وتدشينا لانتمائهم لمشروع مقاوم للغرب الاستعمارى الذى يضطهد العرب والمسلمين ويريد السيطرة على خيراتهم ومواردهم / ثم أخيرا يحدث هذا الإعصار المفاجئ بادئا من تونس منتقلا منها إلى مصر ثم ليبيا ليخلع الأنظمة الاستبدادية التى توارثت الحكم سنين طوالا وهو ما أُطلق عليه الربيع العربى والذى قاد ثورته شباب أنقياء متحمسون تواقون إلى الحرية , ولكن . هذا الربيع سرعان ما تحوّل إلى شتاء عاصف وسيول مدمرة حينما استولى التيار الإسلامى المنظم على هذه الثورات الشبابية التى لم يشارك فيها ولم يبادر بالدعوة إليها , / وفى مصر قفز الإسلاميون على السلطة وقاموا بممارسات أقصت جميع التيارات الأخرى وأخذوا فى تعيين أنصارهم ومعتنقى فكرهم فى المناصب الحساسة للدولة ورأينا مصر وكأنها تخلع رداء حضارتها لتدخل فى عصر ظلامى يتنكر لكل تاريخها وإبداعها على امتداد آلا ف السنين , ولأن الانسان المصرى كان لا يزال محتفظا بوهج حضارته فقد استشعر الخطر فهبت مظاهرات هادرة فى كل مكان فى مصر بهدف إسقاط هذا الحكم الطائفى البعيد عما هو مستقر فى وجدان الإنسان المصرى من سماحة وعشق للحرية وحب للحياة , . ووقف الجيش المصرى بجانب إ رادة شعبه وتم خلع الإخوان من السلطة دون أى استخدام للعنف ضدهم فى البداية . / وهنا يحدث العجب حيث تقف أمريكا ودول اخرى مثل ألمانيا ضد مصر وتجمد أمريكا صفقات السلاح لمصر بدعوى الانقلاب العسكرى , مع انها هى التى غضت الطرف عن كل الانقلابات العسكرية غير المدعومة شعبيا والتى امتدت عبر عصور فى تاريخ المنطقة ! , وهنا أشعر بحيرة بالغة ذلك أنه لا شك فى أن أمريكا كانت تدرك جيدا أن حكم الإخوان ليس فى صالح الحضارة المصرية خاصة والحضارة الانسانية عامة , و تدرك أيضا أنه كان ضد حقوق الاقليات فى مصر لا سيما الأقباط , وتدرك أنه كان سيثير نزاعات طائفية حتمية لأن الدستور الذى وضعه الإسلاميون اشتمل على مواد تجعل مصر دولة دينية خالصة مثل المادة 219 . لماذا إذن تقف دولة مثل امريكا ضد توجهات الغالبية العظمى من المصريين وفى المقدمة القضاة والإعلاميون والمثقفون والأ دباء وتصف موقف الجيش من مساندة مشروع الدولة المدنية التى تعامل كل شعبها معاملة واحدة تحت ظل قوانين لا تدعى القداسة تصف ذلك بالانقلاب , وحتى لو كان انقلابا على الظلم لصالح العدل , على الطائفية لصالح الوطنية , على الاستبداد الدينى لصالح الحرية الانسانية , على التمييز بين المواطنين بسبب العقيدة لصالح المساواة بينهم وترك العقيدة علاقة بين الانسان وخالقه لا يحاسبه عليها إلا هو , مثل هذا الانقلا ب كان يجب أن يكون محل دعم ومساندة وترحيب , لكن بدلا من ذلك دعمت أمريكا من يمثلون أكبر خطر على مبادئها وحضارتها وشجعهم موقفها على احتلال الميادين وخاصة ميدان رابعة والانطلاق منه لتعطيل حركة الحياة ومع ان الحكومة والجيش قد تعامل معهم بحيطة وحفاظ على دمائهم وأخذ يطلب منهم الانصراف السلمى لمدة أربعين يوما ركبوا خلالها رؤوسهم وادعوا أن جبريل ينزل عليهم فى الميدان وزعم أحد قادتهم ان الرسول صلى خلف مرسى فى مسجد رابعة , فما كان من الجيش والشرطة إلا القيام بوجبهم فى تحرير هذه الرقعة من أرض القاهرة من جحافل الكذب والتهريج والضحك على عقول البسطاء وتجنيد الأطفال لحمل أكفانهم فى منظر بالغ التراجيديا أو الكوميديا السوداء أمام كل العالم ومع ذلك تقف امريكا ضد مصر بحجة مترهلة كذوبة تتناقض مع مواقفها عبر التاريخ وهى حجة الانقلاب , مما يجعلنى أكرر حبذا الانقلاب للقضاء على حكم الارهاب /
ة
التعليقات (0)