مرّت علينا الذكرى السنوية الـ 89 للحادثة الإرهابية الآثمة التي أقدمت عليها الجماعات الوهابية المتطرّفة بتخريب وتهديم قبور إئمة أهل البيت والصحابة وزوجات النبي الأعظم في بقيع الغرقد بتهمة حرمة البناء على القبور وزيارتها التي فسرتها عقائدهم بانها ترتقي الى الشرك بالخالق عز وجل، متجاهلين بذلك عشرات الآيات والأحاديث والنصوص الصريحة التي تعطي شرعية جواز البناء على القبور ولا داعي لذكرها لكن نكتفي بذكر إقرار الرسول على بناء الحجر الأسود ولم يأمر بهدمه، مع أنه مدفن النبي إسماعيل وأمه هاجر، وكذلك إقراره وإقرار الخلفاء الراشدين على بناء قبر النبي إبراهيم الخليل وعلى بناء قبور الأنبياء التي هي حول بيت المقدس، فضلاً عن ذلك فان للبقيع مكانة خاصة لدى النبي كما في رواية السيدة عائشة: لما كانت ليلتي التي كان النبي فيها عندي انقلب، فوضـع رداءه، وخلع نعله، فوضعها عند رجليه.. وذكرت قصة خروجه إلى البقيع ثم قالت: فجعلت درعي في رأسي، واختمرت، وتقنعت إزاري، ثم انطلقت على إثـره حتى جاء البقيع، فقام، فأطال، ثم رفع يده ثلاث مرات، ثم انحرف... وذكرت قصة عودتها قبله.... وفيه قال النبي: "فإن جبريل أتاني... فأجبته... فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم"، قالت عائشة: كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ قال: "قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون" . وبعد سنوات على أعمال الهدم والتخريب الآثمة للأضرحة والمقامات ونهب النفائس المودعة فيها لم تستمع المملكة السعودية الى آلاف المطالب والشكاوى التي رفعت إليها تطالبها بضرورة اعادة بناء تلك المراقد والمقامات والعروض المغرية التي قدّمت إلى ملوكها . تجاهلت السعودية جميع تلك المطالب لانها تدرك ان عمليات الهدم ونشر ثقافة هدم ونسف القبور والأضرحة والتحالف مع الفكر الوهابي التكفيري المتطرف هي جزء أساسي ومهم لديمومة بقاء وانتعاش كيانها . المجتمع الدولي ممثلاً بهيئة الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو ومنظمة التعاون الإسلامي التزموا الصمت أمام استمرار عمليات الهدم للقبور والأضرحة ولم يطالبوا السلطات السعودية ولو لمرة واحدة بضرورة اعادة ترميم تلك القبور لما تمثله من قدسية لجميع المسلمين وايقاف عمليات القمع والتنكيل بحق زائري تلك العتبات كان آخرها الاعتداء على بعض زائري الحرم النبوي الشريف واعتقال عدد من الشباب كما افادت بذلك مصادر صحفية عديدة, وصدرت بيانات شجب واستنكار. اليوم وبعد كل هذه السنوات من الصمت أمام هذه الحادثة النكراء ألا يجدر باليونسكو التي رشحت قبوراً وأضرحة لأولياء في تمبكتو بدولة مالي برغم ان تلك القبور لا ترتقي لأهمية ومكانة قبور البقيع ان تدرج مقبرة بقيع الغرقد ضمن لائحة التراث العالمي، وهي التي أدرجت من قبل موقعين في السعودية ضمن اللائحة المذكورة، وهي "مدائن صالح" والتي يُعتقد أنها كانت عاصمة مملكة الأنباط في شمال الجزيرة العربية وجنوب بلاد الشام والآخر "حي الطريف" في الدرعية شرق العاصمة الرياض والتي تحوي آثار بلدة الدرعية القديمة التي كانت عاصمة الدولة السعودية الأولى (1818) وقد انضمت في العام 2010 الى لائحة التراث العالمي. فهل بقيع الغرقد الذي يتعرّض لهجمة شرسة تستهدف انقراضه ونسيانه يقل أهمية عن حي الطريف ؟. نعوّل على اليونسكو وهي المعروفة بمبادراتها الطيبة خصوصا بعد اعترافها بدولة فلسطين ان تلتفت لأهمية هذه المقبرة وتسارع بترشيحها للإنضمام الى لائحتها.
مقالات للكاتب محمد شفيق
التعليقات (0)