مواضيع اليوم

حال 2008 مع الكتاب والأدباء العرب

نوارة لحرش

2009-01-07 21:49:04

0

 

 

 

 

حال 2008 مع الكتاب والأدباء العرب

 

 

تتهيأ نوافذ 2008 لتفتح شبابيكها كي تودعنا وتودع الكثير من أحلامنا التي استقبلناها بها وتمنيناها مع أولى هبة من هباب نسمات يناير ،كي تودع العالم وما فيه من أحلام وخيبات على حد سواء، لتفسح بعدها شبابيكها مرة أخرى لعام آخر،لأحلام أخرى وأحيانا للأحلام ذاتها التي لم تتحقق وبقيت في حكم التأجيل أو اللاتحقق..لكن كيف كانت 2008 على المستوى الثقافي والأدبي،كيف مرت أيامها ونهاراتها على مستوى الخارطة العربية،كيف كان حال الأدباء والكتاب فيها،كيف كان حالها معهم..هذا ما سنعرفه مع نخبة من الكتاب العرب.

 

تحقيق /نـوّارة لـحـرش

 

سعدية مفرح /شاعرة كويتية ورئيسة القسم الثقافي لجريدة القبس الكويتية

 

(نهضة المؤسسات الثقافية والاهتمام المتزايد بالكِتاب)

 

أنظر بتفاؤل للعام المنصرم على الصعيد الثقافي ...أرى أن هناك اهتمام متزايد بالكتاب، وأرصد نهوض بعض المؤسسات الثقافية الجديدة والتي يمكن أن تكون رافدا مهما للثقافة العربية،وعلى الرغم من بقاء الكثير من القيود على حركة الكتابة والنشر بشكل عام إلا أن عام 2008 لم يشهد أي حوادث كبيرة على صعيد منع الكتب على ما أتذكر ... أما الحدث الأبرز في ذلك العام فهو رحيل الشاعر محمود درويش والاهتمام الإعلامي والرسمي والشعبي الذي حظي به هذا الحدث الكبير. لقد أعادنا موت محمود درويش، شبه المفاجئ والموت دائما ومهما انتظرناه أم توقعناه فهو حدث مفاجئ،إلى زمن يكون فيه الشعر سيد الموقف ،ويكون فيه الشاعر محور الاهتمام حتى وإن كان شاعرا ميتا...فجميل أن يموت الشاعر وسط دموع أهله ومحبيه وقرائه ، لكن الأجمل الذي تحقق مع موت محمود درويش أن يكون هذا الموت إشارة إلى أهمية الشعر والشاعر...وأن تسفح الدموع على هامش القصيدة،وأن تكون الدمعة سؤالا مفتوحا يبحث الجميع عن إجابة له...

كتب كثيرة قرأتها في العام 2008 لكن رواية زمن الخيول البيضاء لإبراهيم نصر الله (الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت)بقيت عنوانا مميزا في عالم الروايات العربية ، وأتمنى أن تحظى بجائزة البوكر العربية، والتي هي بنفسها صارت أهم أحداث وانجازات العام المنصرم بعد أن تعززت مكانتها ، واكتسبت ثقة الروائيين والنقاد والقراء على حد سواء ..

 

شربل داغر/ شاعر وروائي لبناني ورئيس تحرير جريدة الحياة

 

(غياب الصديق الشاعر محمود درويش في هذه السنة أوسع منها)

 

يبقى غياب الصديق الشاعر محمود درويش في هذه السنة أوسع منها، كحدث ووقع. إلا أنه يصح فيه الحديث عن "انصراف"، كمن يغادرنا حيث نحن إلى مكان آخر وحسب. هذا أفضل، لأن مقعد الأحبة يبقى مقعدهم، أينما كانوا، ونتحاور معهم دوماً حين لا يكونون إلى جانبنا.

هذا ما كتبت عنه قبل أيام، في "يوميات"، تحت عنوان: "إذ زارني محمود درويش":هذه "الإذ" فجائية، كما تقول العربية. مثل زيارة محمود درويش الأخيرة لي.زارني برفقة نايلة، قريبتي المراهقة: أتت مع دفترها الصغير، الذي وضعت فيه نصاً بعنوان: "علمني الشعر"، طالبة مني شرح بعض الأمور الصعبة، المدسوسة بين الكلمات. ما أن دعوتُها إلى القراءة استوقفتني في النص عبارات عن بياض الصفحة، وأخرى تتحدث عن أن البئر تحولت، بفضل الشعر، إلى جرَّة، والبحر إلى سماء مقلوبة وغيرها. فسألتها: "من أعطاك هذا النص؟"، أجابتني: "مُدرِّسة العربية". فقلت: "لمن هو؟". لم تحسن نايلة الإجابة. إذ عدت إلى قراءة النص من جديد، استوقفني فيه الحديث عن الجد الذي علَّم الفتى حكايات الثقافة المبكرة، فتذكرت عدداً من الجلسات في باريس، في العام 1986 أو 1987، مع محمود درويش حول حكايات الطفولة: عن هربه المبكر من البيت، بل عن ضياعه في الطريق إلى عكا، وعن "قسوة" الوالد مقابل "حنو" الجد، وعن شاعر كان يقول الشعر في البراري أو حين يحلُّ خلسة في بيوت الفلسطينين ليلاً، إذ كان من "الطُّفّار"، كما نسميهم في لبنان، وتعني الهاربين من العدالة...هذه المرة زارني من دون موعد، كما في المرة الأولى، في العام 1973 على الأرجح، حين حلَّ ضيفاً علي وعلى أصدقائي المُضربين، فوق رصيف، أمام وزارة التربية، قرب كليتي الجامعية، في نوع من "التضامن" مع الجيل المطالب بفسحة تحت شمس الوطن. وهي الزيارة التي لم ينقطع وصلها بين مدن وبلدان عديدة، في لبنان أو باريس أو تونس أو المغرب أو القاهرة أو عمّان وغيرها الكثير...اعتدت على لقاءات متجددة دوماً معه، ولا سيما على مجلسه المفيد والممتع دوماً. وهو أشد ما أفتقده، اليوم، أي ذلك الحضور اللماع والمشرق والفكه، حتى في أحلك لحظات التأزم الفلسطيني الداخلي، كما في السنوات الأخيرة. وهي جلسات كانت تجمعنا به في صالون بيته، أو على طاولة في مطعم...أو جلسات أخرى كانت تجمعني به، وحدنا، في بيته الباريسي، في بيته في ضاحية تونس الراقية (الذي كان يعود إلى أحد كبار الفن التونسي المعاصر)، أو في بيته في "عبدون" بعمّان، حيث كان محمود لا يتأخر، هنا وهناك، عن "تمرير" بعض الأخبار عن حياته الخاصة: عن زوجته الأولى أو الثانية، وعن أكثر من حبيبة ممن كنت أعرف... أو عن قصة "زواجه" الوهمي بالمطربة نجاة الصغيرة التي بلغت أمه في القرية في فلسطين. أو أخباره أو تعليقاته عن سلوكات الراحل ياسر عرفات، أو عن تبرمه من بعض الشعراء أو المثقفين – "المنافقين" – ممن كانوا يوالون "القضية" أو شخصه الاعتبار العالي فيما كان يشك في إخلاصهم. أو جمعي له ولسميح القاسم، في مطعم لبناني في باريس، "على صحن كبة"، لطي صفحة خلاف قديم بينهما...هذه الأخبار العديدة لن أسمح لنفسي بكتابتها...حتى اليوم على الأرجح، متسائلاً ما إذا كان يصح نشرها، من دون اتفاق مسبق بيني وبينه، وأنا أتحقق من هذا الكم البالغ من الأخبار والشهادات التي تتصل بدرويش منذ موته الفاجع. المسؤولية تقع على عاتقي، وهو ما لن أقدم عليه اليوم، خصوصاً وأنني معني بغيابه كشخص قبل أي شيء آخر.يصعب علي ذلك لأنني أفتقد في غياب محمود الصديقَ قبل الكاتب. أفتقده يعاتبني عن نقدي للحرب "الأهلية" بين الفصائل الفلسطينية، التي بدأت في شوارع بيروت وطرابلس (في الثمانينيات من القرن الماضي) قبل غزة ورام الله... أفتقده يُمرِّر "القفشات" الضاحكة عن هذا وذاك، أو يسألني – كما في لقاء القاهرة الأخير - ما إذا كان الشاعر الفلاني "منع" زوجته من السفر وحدها.هذا ما حصل لي قبل ذلك مع الصديق سمير قصير (وهو صديق درويش بدوره)، حيث أنني أتهرب، حتى اليوم، من النظر إلى صورته، التي تلون بعض جدران بيروت منذ واقعة اغتياله. وهذا ما يحدث لي، اليوم، مع محمود درويش، إذ لا أقر، بمعنى ما، بهذا الغياب الصادم.الكاتب الذي كان عليه محمود ألقاه، أدرسه، أكتب عنه نقدياً. أما الصديق، فهل يكفي مجيئه في حقيبة نايلة المدرسية، ومعه نصه المستل من كتابه: "في حضرة الغياب"؟ أيكفيني القول، أو العزاء بأن ما خلَّفه لي ولغيري كثير، يمدنا بعمر طويلة له بيننا، وبعدنا؟ أيكفيني القول بأن العيش مع الأصدقاء يستديم – إذ يغيبون - بإشارات أخرى، أشبه بنجوم تنير غيرها في الليل، أو بهالات ضوء تظلل قاماتنا من دون أن نلمسها؟.هكذا، لا "يموت" الأصدقاء وإنما يعيشون إلى جانبنا، في المقعد الذي يبقى دافئاً، حول طاولة الشراكة، نتبادل أطباق البهجة والأسى والصخب والخفة، من دون رحيل أو بكاء، في ذروة النشيد: يستديمون، على أن الكتاب هو "بيتنا الأخير".

 

إبراهيم نصر الله /شاعر وروائي فلسطيني أردني

 

(رحيل درويش وحصار غزة)

 

من أهم الأحداث على المستوى العام رحيل الشاعر محمود درويش،ونيل بهاء طاهر جائزة البوكر العربية في دورتها الأولى واستوقفتني رواية الكاتب يان مارتن "حياة باي" و"ليلة التنبؤ" لبول أوستر وفيلم "سيكون هناك دم".على الصعيد العام كان حصار غزة علامة فارقة في حياتنا الروحية والإنسانية والوطنية كوصمة عار تمس الضمير الإنساني بقوة. وفي حين قد يرى البعض في مشهد ضرب الرئيس الأمريكي بالحذاء حدثا سياسيا فإنني أرى فيه حدثا ثقافيا يؤشر بوضوح على قدرة الشعوب على إبداع لحظة توهجها ورفضها لكل ما هو قائم من أشكال الظلم والاستعباد. أما على الصعيد الشخصي فهو وصول روايتي "زمن الخيول البيضاء" إلى اللائحة القصيرة لجائزة البوكر في دورتها الثانية،وبدء العمل على تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني ضخم تحت إدارة المخرج حاتم علي يقدم في رمضان المقبل، وكذلك صدور ديواني الجديد "لو أنني كنت مايسترو" لأنني أعتبره نقطة مهمة في مسيرتي الشعرية. 

 

محمد العشري/ روائي وناقد مصري

(عام حافل بالنشاطات والإنجازات)

 

تميز عام 2008 بالعديد من التظاهرات الثقافية،على عدة مستويات،وفي بلدان عربية مختلفة، منها إعلان دمشق عاصمة للثقافة في هذا العام، وما تبعه من أحداث داخل سوريا، ربما كان الأثر الوحيد الملموس من تلك التظاهرة، هو مؤتمر الخيال العلمي في الأدب العربي، الذي أقيم في دمشق، وإطلاق "مجلة الخيال العلمي"، وهي أول مجلة متخصصة في هذا الشأن الأدبي، الذي يلاقي إهمالاً جسيماً في عالمنا العربي. أيضاً، الاحتفاء وإطلاق العديد من الجوائز العربية في بلدان عديدة، لعل أهمها، تدشين جائزة "البوكر" للرواية العربية في دورتها الأولى من الإمارات. كما شهد عودة مجلة "الجسرة" عن نادي الجسرة الثقافي في قطر، وكذلك إطلاق مجلة "جسد"، وجريدة "الغاوون" المتخصصة في الشعر من بيروت، وهما التجربتان الأكثر جدلاً في الأحداث الثقافية لهذا العام. وظهور العديد من دور النشر، تركزت الأغلبية في مصر، والإمارات. وينتظر المثقفون في مصر صدور جريدة "الشروق" عن دار "الشروق" للنشر، بإعتبارها خطوة هامة "كما خُطط لها" لتعيد الإعتبار للصحافة المصرية الأصيلة. كذلك حفل العام برحيل كتاب وشعراء ونقاد، وناشرين، منهم: محمود درويش، رجاء النقاش، نعمات البحيري، والحاج مدبولي.

على المستوى الشخصي، كان هناك العديد من النقاط المضيئة، حيث بدأ العام بحصولي على جائزة "إحسان عبد القدوس" في الرواية لعام 2008، ونشر روايتي الجديدة "خيال ساخن" في نشرة عربية مشتركة، عن الدار العربية للعلوم في بيروت، ومدبولي في مصر، ومنشورات الإختلاف في الجزائر.

 

موسى حوامدة /شاعر فلسطيني مقيم في ألأردن

 

(كان عاما فاجعا وبلا حياء وبلا خجل)

 

كان عاماً فاجعاً رغم أني أتفاءل بالرقم الزوجي في تعداد السنوات لكن يبدو أني واهم كان عاما مليئا بالموت مات درويش في عز شبابه مات قبل أن يعرف انه كان مخطئا عندما اتهم الشعراء الفلسطينيين بكراهيته ومحاولة قتله )يريدونني ميتا لكي يمدحوني( لا يا محمود كلهم يحبونك وبكوا لفراقك بكاء مرا فكيف كنت تستطيع تمييز المحبين من الكارهين وأنت من تربع على قصائد الجميع بلا استئذان هل نقول للموت أنت طهارة الحي أم من حق الحي أن يعاتب الميت لكن لا ننسى أنك حصلت على دموع بحجم البحر الميت. خسارة ثانية كانت فقدان الكاتب الساخر محمد طمليه مات في شهر أيلول وكان يعاني من السرطان كنا رفيقين في الجامعة وفي الزنزانة وفي الصحافة مات هو الثاني دون أن يكتب رواية يتيمة يمكن أن تضيفه إلى قائمة الروائيين الكبار لكنه لم يفعل تحسرت عليه كثيرا وكتبت له قصيدة رثاء بعنوان حين يأتي الموت: "حين يأتي الموت سأبصقُ في وجه الحياة/أقنع نفسي أنَّ الدُنيا بائسةٌ/والناس كلَّ الناس ديدان صفراء/ حين يأتي الموت/سأرمي زهرة الخلود في وجه جلجامش/أهزأُ من نصائح الأطباء. /حين يأتي الموت ألتفت للوراء/أعلن هزيمةَ الإنسان/أرمي فلسطين في دفتر المساء". والأضحية الثالثة لهذا العام كان الصديق الكاتب الفلسطيني عايد عمرو والذي توفي في رام الله قبل عيد الأضحى وتم نقله إلى مقبرة مخيم الحصن في أربد وكتبت له: "في محفة الغياب لن تكون وحيدا".وأنا أعني درويش وطمليه ومؤنس الرزاز وعلي فودة وناجي العلي ومعين بسيسو وماجد أبو شرار ومحمد القيسي وإميل حبيبي وغسان كنفاني وفواز عيد وغيرهم  ومما قلت لعايد: "هناك وعدتني أن ننام في أمان الله ، وأن نرى رام الله ونسهر على مقربة من بيت إيل حيث جنود يهوا المدججون بكراهية الحياة والبشر ، نسهر رغم تعثر أوسلو وسوء الفساد الذي بلغ الزبى ، نحلم بوطن قد يولد من رحم الكارثة." على كل عدا موت الثلاثة هؤلاء لم أر في هذا العام جديدا سوى فوز لوكليزو نصير القضية الفلسطينية بنوبل للآداب والعلم عند الله أن أصدقاءنا سيعانون من التجاهل عالميا كما نعاني لأن من يقف معنا سيخسر الكثير وعلى العالم أن يتجاهل ما يجري في غزة من حصار وتجويع وما جرى في الخليل من تهويد وما يجري في بقية فلسطين فربما يمضي ضمير العالم أجازته هذا الشتاء في حفلة ثقافية لاستقبال أوباما كما أن الأزمة الاقتصادية ستصيب الشأن الثقافي في عالمنا العربي رغم تجاهل العرب للثقافة أساسا بتجاهل جديد.عام 2008 كان عاما ناقصا وقليل حياء بلا خجل ومن حسن حظي أني لم أصدر شيئا خلاله عسى أن يكون العام المقبل أقل نحسا.

 

صباح زوين / شاعرة وصحفية وناقدة ومترجمة لبنانية

 

(التكرار هو سيد الموقف)

 

ماذا عن هذه السنة التي على وشك الإنتهاء ؟ سؤالكِ يضعني أمام الأيام الثلاث مئة ونيف التي انصرمت أو تكاد، بل يعيدني إلى الأشهر الأولى، إلى رأس السنة، إلى بداية نشاطها الثقافي عامة والأدبي خاصة،لأبحث في ذاكرتي عن كل ما خبزناه وعجنناه من قراءة وكتابة وسينما ومسرح وموسيقى ورسم وتلوين ونحت الخ. كثيرة هي الأنشطة التي أقيمت في بيروت،على أنواعها،والتي احتلت الساحة الثقافية. لا يمكن تعدادها ولا معنى لذلك، لا جدوى في أن أذكر الكتب التي صدرت عن هذه الدار أو تلك خلال 2008 ، ولا داعي لأن نتذكر معا كم  فيلما ً  شاهدنا من الصناعة اللبنانية الفتية والجيدة، ولا كم شاعرا ً أخرج إلى النور كتابه الثاني أو الأول أو التاسع، ولا كم روائيا ً نشر روايته الجديدة ، ومن النافل القول أن كل الكتب ليست رائعة كما يتصور صاحبها، كل ٌ كاتب على حدة، وإن بعضها جيد جدا ً، إنما هي قليلة جدا أيضا ً، وبالتالي معظمها غير ملفت وإن لفتني مع ذلك كتابا ً أو كتابين ! وماذا لو فكرنا في المكتبات التي تغلق أبوابها تباعا ً، منها بسبب الأحوال الإقتصادية الرديئة ومنها الآخر بسبب اجتياح موضة شراء الأراضي للبناء فيها مجمعات طويلة عريضة أو عمارات سكنية عالية، فتحل هذه الأخيرة محل المكتبة العريقة والقديمة وذات الحجم البشري المعقول خلافا لحجم ما يُبنى حاليا من طبقات شاهقة وجدار من زجاج وشرفات كأجنحة طائرة في الفضاء !وماذا بعد؟ كأن بداية السنة تشبه نهايتها ، بل كأن كل الأيام شبيهة ببعضها البعض، وقد لا أكون على صواب ،إنما أرى أن التكرار هو سيد الموقف ، وفي أي حال لا تستطيع الحياة أن تذهب إلى أبعد،ما دام الوضع السياسي معلقا بالوضع الأمني والأخير هو الذي يرجح،وحده فحسب، كفة الميزان. لذا ، وعلى الرغم من التكرار، والأخير هو سنة الحياة في النهاية وفي أي حال، هو أمر طبيعي علما ًأن من طبيعة الفنان والكاتب أن يغيّر ، إنما ولذلك أقول إنه على الرغم من هشاشة وضعنا الإجمالي ، فإني أحييّ  كل شاعر وروائي ومكتبة ودار نشر وناقد أدبي أو فني ورسام وفنان ،أحييهم  للنشاط الفردي الذي كل واحد منهم بذله من أجل عمل يسمو إلى أعلى الطموحات والرغبات ، من أجل البقاء ، الإستمرار ، من أجل الحياة.

 

فأرى في الحقيقة ، وبعد جولة عبر أيام السنة وأسابيعها داخل ذاكرتي ، أن بيروت عاصمة ثقافية بامتياز، مدينة لا تهدأ ولا تنام. بل لا ترضى بيروت سوى أن تتحرك على الدوام، ولا تستطيع سوى أن تكون عاصمة الكتاب.عدا ذلك،ماذا تغيّر في الساحة الثقافية ؟ لا أراها السنة مختلفة عن تلك التي سبقت ،وقد لا تكون حقا ًمغايرة عن التي ننتظرها (مع إستثنائين أو ثلاثة كما ذكرت أعلاه)، ولا بأس ، طالما أننا لا نزال ننتج الشعر والرواية وكل أنواع الفن. بل ليس مطلوبا سوى ذلك ! سوى أن نظل نبتكر هذه الحركة الثقافية من أجل استمرارية الحياة الفنية والفكرية التي من دونها لا نور ولا حرية !.

                                                                                   

 

سعيد خطيبي /شاعر وصحفي جزائري

(على عتبات محاكم التفتيش الجديدة)

لست أدري كيف اجتمعت الصدف ليحل العام 2008 على الجزائر و يرحل من بوابة حدثين ثقافيين جد متشابهين. حدثين طالما اعتبرناهما نتاج حقبة مُندثرة إلا أنهما صارا اليوم يعكسان حقيقة فشل السياسة المُنتهجة و غياب الواعي الراشد في بلادنا. بينما كنا لا نزال نعيش غمرة العام الجديد ونتبادل التهاني والأمنيات بدوام الصحة والهناء أطل علينا الروائي بوعلام صنصال بروايته الجديدة، الرواية الخامسة في مسار الرجل، التي حملت عنوان "قرية الألماني أو مذكرات الأخوان شلير" والتي عبرت بصدق عن بوادر تجربة "مغايرة" في المسار الإبداعي لصاحب "حراقة". كتب بوعلام صنصال تلك الرواية وصرح أنه يتوقع أن تثير كثيرا من النقاش الجاد كما سيكون لها شأن في مجال الجوائز الأدبية المقترحة. صدق التوقع الثاني لصنصال و نال جائزة "ار تي ال" لكن التوقع الثاني خاب و تلقى جملة انتقادات واتهامات لا تفسرها سوى حقيقة توسع مد "الأنانية" في فكر من يعتقد أنهم "مثقفينا". بينما اتهم أحد الصحفيين المعروفين صنصال بالعمل لصالح "الموساد" اتهمه أحد القائمين على قطاع الثقافة "بالحنين إلى زمن الأقدام السوداء وعودة الكولونيالية". المُفارقة التي لا يدركها الكثيرون تتجسد في حقيقة أن جل أولئك الذين أعلنوا الحرب على صنصال لم يقروا حرفا من الرواية لأنهم لو قرؤوها فعلا لوجدوا ما يجيب عن تساؤلاتهم، حيث اكتفوا فقط بالحل الأسهل من خلال تفسير و تأويل تصريحات الروائي عبر وسائل الإعلام الفرنسية. هذا ما قاد أحد "المتعصبين"، شهرين بعد صدور الرواية،إلى مراسلة الروائي بجملة تحمل أكثر من دلالة "تذكر عبد القادر علولة والطاهر جاووت.." ولم يشهد الكاتب والصحفي محمد بن شيكو حالا أفضل من حال صديقه صنصال،حيث تم منع كتابه من الصدور في طبعته العربية، وهذا ما جعل بن شيكو يكتفي بالطبعة الفرنسية للكتاب التي تواصل حصد نجاح هام، من خلال تواصل جلسات البيع بالإهداء و تقديمها في قراءات ببعض وسائل الإعلام. ما بين هذين الحدثين الذين أرخا لجزائر 2008 وعودة محاكم التفتيش وفق الصيغ الجديدة دارت عديد المجريات في ميادين شتى.عديد المجريات التي لم تخرج، للأسف، عن دائرة المعتاد فالطبعة الثالثة عشر من الصالون الدولي للكتاب واصلت تسجيل "الأرقام القياسية" في عدد الكتب المحجوزة و الأجنحة "المُغلقة"، كما أبان الصالون هذه السنة على طفرة تجسدت في "فتح باب" الجوائز الأدبية على مصراعيه الذي أعاد تكريس نفس الأسماء الروائية التي عرفناها منذ سنوات. نفس الأسماء التي تواصل "التناحر" عبر جرائد الصفحات اليومية و تعجز على بلوغ حتى القوائم الأولية لجائزة بوكر العربية. من جهتها، لم تعرف خشبة المسرح حراكا هاما. بعد حالة الانتعاش الآنية التي عرفتها بمناسبة "الجزائر، عاصمة الثقافة العربية"، عاش الركح، هذه السنة، حالة ركود و اكتفى المبدع محمد بن قطاف بإطلاق برنامج "البطاقة البيضاء" الذي يعني "المسرح مفتوح  فقط لمن يحمل عملا منجزا مسبقا". أما الراهن الموسيقي فلم يعرف أيضا حركية ملحوظة. بينما تواصل روتين مهرجانات جميلة، تيمقاد و ليالي الكازيف، عادت المتألقة "زاهو" من منفاها الكندي لتؤكد على أن  الجزائر ليست فقط  بلد موسيقى الراي، وقفت السيدة وردة أمام جمهور "جميلة" و لم تعطي الكثير عدى إثارة أقلام بعض الصحفيين "الفضوليين". التكرار وإعادة رسم "الروتين" هما سمتان ميزتا الواقع الثقافي في بلادنا خلال العام 2008، فعلى صعيد الفن السابع، تحول فجأة فيلم "مصطفى بن بولعيد" إلى الشجرة التي غطت الغابة، فبعد انتظار دام أكثر من سنة، خرج الفيلم إلى النور. مع ذلك يكفي أن نشير إلى البلاء الحسن الذي أبلاه الرائع سالم الياس في فيلم "مسخرة" الذي تلقى رضا عديد المهرجانات الدولية المختصة و نقد عديد رموز "الحرس القديم" على غرار عمار العسكري، و كذا فيلم "قبلة" لطارق تاغيا الذي خطف العقول في الطبعة الأخيرة من "الموسترا" بالبندقية.

كانت هذه شذرات ثقافية من العام 2008، على أمل أن يحل العام 2009 ليبعث "الساكن" فينا و يحد من حالة "الركود" التي صارت "تؤرخ" راهننا.

 

عبد اللطيف الحسني/ كاتب وناقد سوري

(لم نحس بالثقافة هذا العام)

 

لا أعرفُ التحدّثَ إلا عن المستوى الثقافي الذي عليه أكثر ممّا له في(عموم المدن عندنا.من ناحية الذات الكاتبة،ثم إنجازُ كتابٍ مشتركٍ الصحفي غسان جان كير وأنا) بعنوان(في رثاء عامودا).إنه (كتابةٌ عبر النوعية: قصّا وحوارا وبحثا ميدانيا سيكولوجيا) يتناول الكتابُ البنية الراهنة والماضية في هذه المدينة التي أعيشُ. كنتُ أريدُ أن أتخطى الحدودَ المستهلكة في الكتابة. والحفاوة التي قُوبل بها الكتابُ كانتْ مبتهجة تدلُ عما كنتُ أصبو إليه.كانت لدافع الكتابة أسباب ممضة:أن المدينة تموتُ ثقافيا بعدَ هجر وتهجير عيّنات ثقافية أضاءت العالمَ شعرا ونثرا وفكرا.فق أريدُ ذكرَ إسم (سليم بركات)وهو خيرُ دليل على ما لم أذكر الآخرين. كنتُ أقرأ المدينة من هذه الناحية الجمالية الأرقى.المدينةُ لا تسمى مدينة إلا بفكر نيرٍ ومحاور ولأنها يرُ ذلك كان على العنوان أن يكون هكذا(في رثاء).فثمة قولٌ للجاحظ سأدرجه:(لا يزالُ المرءُ في فسحةٍ من عقلهِ،ما لم يقلْ شعرا أو يصنّف كتابا)، هل كان هذا القولُ دافعا للكتابة؟ ما كان لافتا بحسب السؤال هو أنَ عام 2008 (دمشق عاصمة للثقافة العربية).قول كررته وتكرره الصحفُ صباحَ مساء-ما خفت منه بحسب السؤال أيضا-لكن لم نحس بالثقافة هذا العام-وكان يجبُ العكسُ البديهيُّ: أن تكون في كلِ حيًّ سوريًّ أعراسٌ ثقافية وفكرية.لكن ما حصل هو التالي: نقصانٌ دون زيادة،لا معرضا للكتاب أقيم ،لا مهرجانا للشعر نفذ،لا معرضا لا معرضا تشكيليا عرض. لا ندواتٍ فكرية خطط لها ولا التفكير بالتخطيط لها ألا يعني هذا الكلام أن الموت(اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا) وقبل هذا الثالوث:نفسيّا يلاحق أية مدينة تتسم بهاته الصفات. هذا لأن دمشق عاصمة للثقافة، فكيف ستكون المدنُ (مدننا) عام 2009 حين تذهبُ التسميةُ السنوية إلى عاصمة ثقافية عربية أخرى؟.المبهجُ أنّ ثمة مغنية أوبرالية اسمها مزكين طاهر غنّت وأضاءت ليل دمشق كما عبّرتْ عنها الصحفُ غيرُ الرسمية،غنّت لكن بوساطة فرنسية، كل ما قلته تشاؤمي.لم أقله أنا ،بل تسبقُني لتقولَه الحياةُ قبلي أوّلاَ وأنا أخيرا، والتفاؤل يأتي دائما من الكتابة،الثقافة هي الحلُّ.

------------------------------------------
جريدة النصر الجزائرية في 30 ديسمبر 2008
 

 

 

 

 

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !