حالة تلبس
عبد الوهاب الملوح
الكتابة تجريب بالأساس بل أنها التخريب المتواصل لذلك؛ لا أتحدث عن الكتابة كأفق نضال هي عندي كينونة ليس وفق رأي هايدغر ولكن وفق ما أحاوله من إقامة في هذا الوجود لا أطمح أن أكون شاعرا لآني ببساطة شاعر على طريقتي في هذا الوجود وما الكتابة الا تجلٍّ من تجليات هذه الكينونة التي انما هي خطيئة, هنا قد ألتقي مع سيوران عندما يقول انه لا يهمني القاريء بقدر ما يهمني ان أحارب اللغة وأطيح بكل الباستيلات فيها هكذا سأراني في نهج أتفسح فيه مع بلانشو ولو ان هذا الأخير ماكر طالما انه خارج من كمِّ نيتشة ؛ أقصد كتابة الفراغ الفراغ ليس كبياض فالبياض كينونة هو أيضا ؛ الفراغ بوصفه حالة فيزيائية متغيرة وبوصفه انتظار وبوصفه جرح بالغ الإيحاء ؛ صامت دائما جارح أيضا غالبا ما يكون صادما كيف نحول الفراغ إلى شيء وقح أليس هذا من أسئلة الكتابة ؟
البياض كون أيضا بل هو حقيقة لا تكشف عن أسرارها للعابرين حذوها بل لمن يحاول اختراقها وهذا واحد من مهام الكتابة أيضا ؛ وسيبقى النقد نقد الفن عموما معوقا كمن يركب حافلة في الاتجاه الخاطئ طالما لا ينكتب بلغة إبداعية تنسف أبراج النظريات وتُطيح بحيطان القواميس الصلبة ومحصلة الأمر أن تخلخل عقلية السكونية وتحفر في أعماق الكائن فتزلزل ثوابته اليس النقد كتابة أيضا؟
أتَحَدَّثُ عَنْ حالة ملتبسة تُتَرْجمُ توق الذات المستلبة إلى التحرر من إلزامية وانضباطية السير داخل حدود مسار التاريخ؛ تفتح لها آفاق ابتداع تاريخها الشخصي وتمجيده؛ قلت حالة ملتبسة بما إنها طارئة...ولكنها متواترة أيضا والحقيقة إن ما يجعل لبسها واضحا إنها تأتي في شكل قشعريرة تدهم الكيان وتهز جميع مقوماته؛ ليست المسألة متعلقة بدرجة تواطؤ هذا الكيان مع هذه الحالة غير إن ثمة ما يشبه التعاقد السري بينهما ؛ إذا ما الذي يجعل هذه الحالة طارئة ربما لأنها متغيرة ولا تضرب موعدا عندما تبدأ في الهبوب . عبارة هبوب مهمة جدا في هذا السياق؛ إنها تهب فعلا لتزعزع فتستولي فتسطو فتتملك دواخل الذات وتسكنها لمدة.المدة وحدة زمنية غير محدودة لكنها أوسع من اللحظة للك أفضل الحديث عن حالة. ........... حالة الكتابة
كصاحب ابن المقفع الذي وقع في الجب ينشد إلى شجيرة حتى ليسقط في الهاوية حيث الأفعى لكن يغاويه عسل فينشغل به غير عابئ بالجرذان تقرض أسفل الشجيرة كذلك الكاتب/الشاعر وإذهو في مهب الكتابة يتلذذ التماهي معها وقد تأخذه حيث لا يدري كما أوقعت جويس في الجنون وأوصلت ناظم حكمت إلى أقبية السجون وتوهت رامبو الضليل وأخذت بيد بول تسيلان إلى أعماق نهر السين والمسألة ليست هنا... بل أنها ملتبسة لأنها مزيج من الغبطة والكآبة يحضر فيها القلق المطمئن ويضج فيها الصمت ويمتلئ الحضور بالغياب.وإذ ينخرط صاحب الرؤيا في هذه الانخطافة يسوقه التردد وتدفعه الريبة وإذا به في مجاهل التيه وغيبوبة الرشد يذهب بعيدا في استكشاف مدارات غير آهلة تأخذه في المغامرة ؛ مغامرة لعل الحياء الديني وحده هو الذي دفع الفرزدق إلى وصفها’’ أشد من آلام ضرسي’’ولم يجرؤ على القول مثل بيكيت إنها ’’جلسات تعذيب الروح ’’ ولأن من شأن هذه الحالة أن تنعش الروح سيعمد الكاتب / الشاعر إلى تقويتها بموتيفات تعمل على إطالتها وجعلها تتلبث في قاع الدواخل وتمس أدق الخلايا كأن يلجأ إلى تغييب الوعي تماما عبر وسائل أخرى..... حالة ملتبسة هي عبارة على تفجرات إشراقية دفاقة ممتلئة بالحياة لا تشبهها غير حشرجة الموت للانولاد من جديد.
التعليقات (0)