مواضيع اليوم

حالة النيجيري عمر فاروق ... رؤية تحليلية

حالة النيجيري عمر فاروق .... رؤية تحليلية

شكلت محاولة الفتى النيجيري الأرستقراطي عضو تنظيم القاعدة تفجير طائرة الرحلة رقم 253 المتوجهة من أمستردام إلى مدينة ديترويت الأمريكية إزعاجا وإرباكا منقطع النظير في قناعات ومفاهيم وإنطباعات كانت قد ترسخت خلال السنوات الماضية في أذهان الراي العام العالمي على وقع المحاولات الدؤوبة في كل الإتجاهات التي سلكها المحللون النفسيون في الغرب لتغذية الإنطباع بأن أتباع القاعدة العاملين والتفجيريين والإستشهاديين ليسوا سوى أناس من مدمني المخدرات ، مشوشون يائسون لا غير لأسباب تتعلق إما لفشلهم في تحقيق أحلامهم بالرفاهية والنجاح في الحياة أو تعرض الأطفال والصبيان والفتيات والنساء منهم للإغتصاب الجنسي ، إلى غير ذلك مما يصب في خانة التشوهات النفسية التي فرضت على الفرد من محيطه الخارجي ؛ وكذلك الملابسات الاجتماعية السلبية التي يتعرض لها البعض دون إختيار منهم أو مزاج على وجه العموم .
كذلك عزا البعض النزعات الإستشهادية إلى كون أن جملة من يقدم عليها مصنفون ضمن فئة الجهلة (حسب زعمهم) الذين لم ينالوا القسط الأكاديمي الوافر من التعليم الحديث مكتفين بمدارس وكتاتيب تحفيظ القرآن والتعرض لغسيل أدمغة بواسطة المتشددين القائمين على التعليم في هذه الكتاتيب.
بل ووصل الأمر إلى تسييس الفتاوى الدينية لمصلحة هذا التوجه الغربي والأمريكي العام فصدرت الفتاوي بالجملة والقطاعي من المشيخات الدينية الرسمية تجرم الإستشهاد في القرن العشرين والواحد وعشرين وتسخر منه وتبطله وتعتبره من باب الإنتحار وتنذر صاحبه بالخلود في قاع جهنم وعذاب السعير.
ولكن وقبيل ساعات من وداع البشرية للعقد الأول من القرن الواحد وعشرين فوجئوا بمهندس ميكانيكي سليل أثرياء خريج كلية لندن الجامعية يقدم نفسه في محاولة جريئة للاستشهاد وفق قناعات تنظيم القاعدة ؛ مخترقا في الوقت نفسه كل الإجراءات الأمنية التي يفتخر الغرب الأوروبي بدقتها في دياره.
وعلى وقع ما جرى ؛ وحين عاد الرئيس باراك حسين إلى بيته الأبيض في واشنطون بعد الفراغ من إجازته التي قضاها في جزيرة هاواي سارع لطمأنة مواطنيه بالإعلان من خلال خطاب له أن المخابرات الأمريكية كانت (تعـلم) بوجود مخطط ما ولكن عدم التنسيق بين الأجهزة الأمنية هو الذي أدى إلى عدم وضع النيجيري عمر فاروق ضمن المسافرين الممنوعين من ركوب الطائرات الأمريكية أو دخول الولايات المتحدة .......
الرئيس الأمريكي "باراك حسين" لم يكن كاذبا في مسألة أن الاستخبارات الأمريكية كانت تعلم .... ولكنه "فبرك" هذا العلم المزعوم بحيث يبدو وكأنه "ثمرة" جهد "السوبرمان الأمريكي" وحده متناسيا أن العلم المشار إليه إنما كان بسبب أن الخبيرالمالي الثري والد عمر فاروق هو الذي بادر بنفسه من واقع خوفه على إبنه وأبلغ السفارة الأمريكية في لاغوس بأن عمر فاروق باتت لديه قناعات دينية متطرفة وأنه كان غائبا عن الأنظار منذ فترة عقب توجهه إلى دبي وأغلب الاحتمالات أنه كان يقيم خلالها في اليمن.
على اية حال لسنا هنا في معرض نقاش أو جدل سوفسطائي بشأن قدرات الاستخبارات الأمريكية وأجهزتها الأمنية "الخارقة" المبالغ فيها من عدمه ....... ولكن الذي نراه أكثر إلحاحا في هذه الفترة إنما يتعلق بمراجعة الأسلوب (قبل القوانين) الذي تتبعه هذه الأجهزة الرسمية دون جدوى من جهة ، ومن خلال تسليطها لأبواقها الإعلامية المتحالفة والمستأجرة لها دون تأثير من جهة أخرى .... وحيث يتضح ويتكشف يوما بعد يوم أنها جميعا ترمي بشباكها في رمال الصحراء وتدعي أنها تصطاد سمكا طريا .... وتسبح في أحواض سباحة أولمبية وتدعي أنها تطارد أحواتا وأسماك قـرش ... والجميع منهم في نهاية المطاف يرقص 10 بلدي بدون تخت شرقي ، و"يغرف" ويملأ جيوبه من خزائن الميزانية العامة لوكالة الاستخبارات الأمريكية ووزارتي الدفاع والأمن في واشنطون وسفارات الولايات المتحدة ، دون أن يكون لكل ما يفعلونه من نتائج إيجابية ملموسة على الأرض لجهة تحقيق وصيانة الأمن المنشود في أركان الدنيا الأربعة.
ومن ثم فإن على الجميع أن يدرك حقيقة واحدة تتعلق بأسباب إنتشار وتفشي ظاهرة الإرهاب وتنامي قدراتها النوعية يوما بعد يوم . وهو أن هناك ظلما قد لحق بالبعض وبالضعفاء سواء في فلسطين على يد الصهاينة أو افغانستان على يد الإتحاد السوفيتي ثم الولايات المتحدة لاحقا . وأن هناك ظلما قد لحق بالمسلمين في بلدان أخرى كالعراق والفلبين وغيرها . وأن أبناء هؤلاء باتوا المزارع التي تغذي الإرهاب ..... وأن هذا الظلم قد بات من السفور ما دفع بكافة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى مناصرة الشعوب الإسلامية في فلسطين وافغانستان والعراق والبقية تأتي . وأن هذه المناصرة لاشك في أنها ستدفع المزيد من الشباب المسلم من شتى البقاع والقوميات إلى خيار القاعدة والإستشهاد مثلما فعل النيجيري عمر فاروق الذي سعى للقاعدة حاسر الراس على قدميه دون أن يستدعيه أحد منها إبتداء.... وبالتالي فإن القضاء على الإرهاب يستلزم رفع الظلم وليس الدوران حول الحقائق أو إنكارها بمحاولة القفز فوقها.
وأما الحديث عن الفقر كسبب رئيسي فهو غير صواب لأن الفقر ليس صنيعة اليوم بقدر ما هو قديم قدم الإنسان.... وقد كان عرب الصحراء قبل أفارقة الأدغال عراة حفاة عالة رعاة شاة . ومع ذلك لم يمارسوا الإرهاب تجاه الفرس أو الروم.
وأما الديمقراطية التي يتشدق بها الغرب وبخاصة الأمريكي فيكفي أن غضهم الطرف عن تزوير نتائج إنتخابات الرئاسة في افغانستان لمصلحة حليفهم حامد كرزاي ، وفبركة تكريسه رئيسا للجمهورية قد أسقط كل الأقنعة  ، وفيه  كذلك ما يدل على أن حسابات الحقل السياسي في العالم الثالث تختلف كثيرا عن حسابات البيدر.

 

صورة أرشيفية للنيجيري عمر فاروق عبد المطلب الذي إنضم لاحقا إلى القاعدة باليمن ..... لم تكن تنطبق عليه أي من الشروط اللازمة بحسب إدعاءات ومزاعم المحللين النفسيين في الغرب والشرق لظاهرة "الإستشهاديين" .... فهو ليس بسليل فقراء ومدمن مخدرات ، أو تعرض للإغتصاب الجنسي في طفولته أو صباه (رغم وسامته الزنجية البادية) . كما أنه لم يتلق تعليمه في كتاتيب (خلاوي) تحفيظ القرآن في مدن الصحراء العربية أو وسط قبائل البشتون . بل على العكس من كل هذا تلقى تعليمه الأساسي في المدارس البريطانية الخاصة وكان والده من القيادات المالية المعدودة في بلاده ؛ ورئيس مجلس إدارة البنك النيجيري الأول في لاغوس .... عرف عن عمر فاروق خلال فترة دراسته الثانوية وفق ما ذكر معلموه في المدرسة بأنه أنيق يهتم بمظهره ... وسيم وتقي وورع ومطيع ..... وشاب ذو مباديء سامية.

 

 

ولد عمر فاروق عام 1986م وشب وترعرع في العاصمة النيجيرية لاغوس ثم أدخله والده "المدرسة العالمية البريطانية" – القسم الداخلي في مدينة "لومي" عاصمة "جمهورية توجو" .... هذه المدرسة تستقطب أبناء العـز والأثرياء في غرب أفريقيا نظرا لمستواها الأكاديمي الرفيع ورسومها ومنصرفاتها الباهظة. وحيث يتخرج منها عادة من يسعون إلى تكلمة دراستهم الجامعية في بريطانيا لاحقا ويعودون ليتقلدوا ويشغلوا مراكز إدارية رفيعة خلال فترة زمنية قصيرة نوعا ما من إلتحاقهم بالعمل مقارنة بغيرهم من خريجي المدارس والجامعات العادية..... ويظهر عمر فاروق في هذه الصورة مع بعض زملائه مرتديا القميص الأصفر وهو يطالع باسما زميلة له حسناء ترتدي الشورت الأسود   .... تاريخ إلتقاط الصورة كان عام 2005م

الحاج عمر مطلب (70 سنة) والد عمر فاروق .... كان يشغل حتى شهر أكتوبر 2009م منصب رئيس البنك الأول .. أحد أقدم بنوك نيجيريا في العاصمة لاغوس.
من فرط خوفه على إبنه إتصل الحاج عمر مطلب بالسفارة الأمريكية في لاغوس يطلب منهم عدم منح إبنه تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة ويحذرهم من مغبة تأثره بأفكار تنظيم القاعدة المتشددة . وزود السفارة بمعلومات تفيد أنه ربما يكون قد تشرب هذه الأفكار خلال فترة تواجده باليمن ..... ولكن السفارة الأمريكية لم تحرك ساكنا بل منحت عمر فاروق تأشيرة دخول سافر بها من لاغوس إلى الولايات المتحدة مرورا بمطار أمستردام في هولندا.
واضح أن هذه هي المعلومات الوحيدة التي كانت متوفرة لدى الاستخبارات الأمريكية عن عمر فاروق وفق ما أشار إليه الرئيس الأمريكي في خطابه بعد عودته من إجازته في هاواي.

 

بعد أن فرغ من الدراسة الثانوية في المدرسة البريطانية بالعاصمة التوجولية "لومي" أرسله والده الحاح عمر مطلب للدراسة في بريطانيا حيث تم قبوله بكلية لندن الجامعية الخاصة التي تضم عادة ابناء الأثرياء والوجهاء وأصحاب النفوذ من كبار الساسة المدنيين والعسكريين من شتى أنحاء العالم الثالث والثاني ..... ولفيف من طلاب العالم الأول.
وفي هذه الجامعة العريقة الباهظة التكاليف درس عمر الفاروق الهندسة الميكانيكية وتخرج منها بتفوق كما كان خلال فترة إلتحاقه بالجامعة صاحب نشاط إجتماعي وديني ملحوظ وأنتخب رئيسا للجمعية الإسلامية بالجامعة.

خلال فترة إلتحاقه بكلية لندن الجامعية عاش الطالب النيجيري عمر فاروق في شقة مفروشة من شقق هذا المبنى الفاخر الذي يقع قرب شارع أكسفورد في العاصمة لندن.
وقد عرف عمر فاروق وسط زملائه بأنه من محموعة الطلاب الوافدين أبناء ذوي الدخل المرتفع

بعد حصوله على شهادة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من كلية لندن الجامعية توجه عمر فاروق إلى مصر ثم إلى دبي حيث إلتحق بإحدى الجامعات الخاصة بهدف الحصول على شهادة البكالوريوس في آداب اللغة العربية . ولكنه قطع دراسته فجأة ليتوجه إلى اليمن حيث يعتقد والده أنه إتصل بتنظيم القاعدة. وتزعم السلطات الأمريكية أنه تلقى باليمن تدريبات حول كيفية إخفاء المتفجرات وإستخدام الجهاز الذي أراد أن يفجر به طائرة خطوط دلتا / شمال غرب الأمريكية قبل هبوطها في مطار ديترويت بالولايات المتحدة.

لحظة القبض على عمر فاروق وإقتياده بواسطة الشرطة من داخل الطائرة بعد هبوطها بسلام في مطار ديترويت.
إستقل عمر فاروق الطائرة من لاغوس بنيجيريا بعد أن حجز ودفع قيمة التذكرة نقدا ليلة الكريسماس دون أن يصطحب معه حقائب . وقد توقفت الطائرة في مطار أمستردام ثم غادرته مواصلة رحلتها نحو مدينة ديترويت في الولايات المتحدة .وفي خلال الساعة الأخيرة من نهاية الرحلة بدأ عمر فاروق في محاولته لتفجير العبوات الناسفة التي كان يخبئها في ملابسه الداخلية وذلك بحقن البودرة المتفجرة بسائل كيميائي لتفعيلها فصدرت منها روائح نفاذة وتطاير الشرر المصاحب لأصوات فرقعات خفيفة . وهو الأمر الذي إسترعى إنتباه بعض الركاب فحالوا بينه وبين مواصلة حقن السائل الكيميائي وتم في النهاية السيطرة عليه بواسطة الطاقم الأمني المتواجد داخل الطائرة.


صورة جهاز التفجير المكون من 6 عبوات تحتوي على أقل من نصف كوب من خليط كيميائيات شديدة الإنفجار عند تفعليها تسمى PETN وكانت تكفي بسهولة لإسقاط الطائرة التي كان على متنها 250 راكب تقريبا داخل أراضي الولايات المتحدة.

عمر فاروق في المستشفى ..... حيث إحترقت أجزاء كبيرة من ساقيه خلال محاولته تفعيل المواد المتفجرة وإستدعى ذلك الحريق معالجته في مستشفى ديترويت ثم وجهت له إتهامات بالتخطيط لتقجير طائرة ركاب أمريكية داخل أراضي الولايات المتحدة .... ولاشك أن العقوبة لن تكون أقل من السجن عدة مئات من السنوات أو بمايعني المؤبد حتى الوفاة داخل السجن.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات