مواضيع اليوم

حالة الديمقراطية في الأردن.. إلى أين؟

سعيد مصطفى

2012-01-25 06:56:29

0

تبدو آراء العيِّنة الوطنية في استطلاع الرأي، الذي أعلن عنه قبل أيام مركز الدراسات الاستراتيجية، أكثر تفاؤلًا ووردية، مقارنةً بما يدور من سجالات ونقاشات ساخنة بين النخب السياسية، وفي الإعلام!

هذه المفارقة تطرح سؤالًا جوهريًا، عن ما إذا كان السياسيون والإعلاميون يضخّمون الأخطاء ويستخدمون المنظور الأسود، أم أنّ الرأي العام عمومًا يجنح إلى القبول بالأمر الواقع على علاّته، ولا يحبّذ التغيير الجذري؟!

ربما يقبع عامل “الخوف” وراء هذه “المواقف” التي لا تواكب المطالب الأكثر إلحاحًا من النخب والقوى السياسية. فالأرقام تكشف أنّ نسبة من يعتقدون أنّ الأمور تسير بالاتجاه الصحيح هي (60%)، بينما (25%) فقط يعتقدون أنّها لا تسير بالاتجاه الصحيح، وهي نتيجة قد تكون “مفهومة” إذا قدّرنا أنّ نسبة كبيرة تمنح عامل “الأمن” والخشية من الفوضى أو التدهور السياسي والاقتصادي أهمية قصوى على ما يمكن أن تجنيه في حال تحقُّق إصلاح جوهري، يؤدي إلى نظام دستوري يكفل الحريات وحقوق الإنسان بصورة أكبر، ويؤدي إلى تداول سلطة وتعددية.

في نهاية اليوم، المواطن العادي لا يملك أن يشيح ببصره عن دول أخرى انزلقت إلى سيناريو التوترات والأزمات الداخلية القاسية، وتراجعت كثيرًا أوضاعها الاقتصادية، بخاصة أنّ المواطنين معنيون بدرجة رئيسة بأوضاعهم اليومية والحفاظ على مكتسباتهم أكثر من جنيهم نتائج نوعية أفضل، كما تطالب قوى المعارضة والحراك السياسي.

أغلب الأرقام تؤكّد ذلك؛ إذ أنّ الأكثرية لم تصل إلى مرحلة “طلاق” مع الوضع القائم، فهو ليس مثاليًا، وبالتأكيد دون الطموح، لكنه – في الوقت نفسه- لم يصل إلى حدود “الثورة” أو “الانفجار”، كما هي الحال في الدول الأخرى، فنسبة (44%) غير مقتنع بجدوى المسيرات والحراكات، بينما فقط (4%) مقتنعون بها إلى درجة كبيرة!

فوق ذلك؛ فإنّ نسبة من يؤيد المسيرات انخفضت إلى (19%) ونسبة من يعارضونها انخفضت، لكنها بقيت في حدود (74%)، فيما أفاد (62%) أنّهم لم يسمعوا بالحراكات والتنظيمات التي تشكلت في العام الماضي، بالرغم من كل الضجّة الإعلامية عنها، فيما تشير نسبة (74%) أنهم راضون عن التعديلات الدستورية التي تمت، بالرغم من إصرار المعارضة على إعادة فتح التعديلات للوصول إلى تغييرات نوعية أكبر على المعادلة السياسية.

هل هذا يعني أنّ الأغلبية ليست متواصلة مع ما يحدث؟! بالتأكيد: لا؛ فالمواطن يراقب المشهد بصورة عامة، لكنه يبحث دائمًا عن التغيير نحو الأفضل. المشكلة الحقيقية والحلقة التي ما تزال مفقودة تكمن في عجز النخب والقوى السياسية في إقناع المواطنين بوجود رابط قوي وحيوي بين رفع سقوف الإصلاح السياسي وواقعهم الاقتصادي وحياتهم اليومية.

صحيح أنّنا لو نظرنا بواقعية تامة للنتائج، فلا تبدو غريبة، إذ إنّنا لا نتوقع من المواطنين جميعًا الانخراط في العمل السياسي أو الإلمام بالتعديلات والتغييرات المطلوبة، فهذه مهمة النخب عمومًا، حتى في الدول التي وصلت إلى درجة من الديمقراطية الناجزة، لكن - في المقابل- هناك دول تسعى إلى التغيير، فالمطلوب إحداث اختراق لدى الجماهير لتكون عاملًا فاعلًا في الضغط ورفع سقف المطالب السياسية، بعد أن تقتنع بوجود رابط بين ذلك ومصالحها المباشرة.

النتائج ليست قرآنًا، ولا تمثّل مسطرةً حاسمة تعكس تمامًا حالة الرأي العام، لكنّها في المقابل تمنح مؤشرات تتطلب منّا دراستها وتقويمها وإعادة التفكير من قبل الأحزاب والقوى والحراكات في أجنداتها ومدى اتصالها بالجمهور العام، لزيادة حجم الضغوط السياسية والشعبية لتحقيق إصلاحات جوهرية، أو للتفكير في “النموذج” المطلوب للتغيير والإصلاح هنا.

تكشف نتائج استطلاع حالة الديمقراطية، أيضًا، أنّ “أزمة الثقة” (في الأرقام) ليست فقط بين الحكومات المتعاقبة والنخبة الرسمية والرأي العام، بل حتى بينه وبين القوى والأحزاب السياسية، فناهيك عن اختلاف سقف الطموح السياسي، فإنّ نسبة (8%) فقط تعتقد أنّ أحد الأحزاب الموجودة حاليًا مؤهل لتشكيل حكومة في الأردن، بالطبع إذا جرت انتخابات سياسية وأفرزت حكومة أغلبية.

الدلالة الرئيسة من ذلك أنّ هنالك حالة من “الفراغ” السياسي التي يشعر بها المواطنون، وهي تنعكس بوضوح شديد في النتائج المرعبة والمقلقة عند سؤال العينة الوطنية عن ما إذا كانوا انضموا إلى أحزاب أو جمعيات خيرية أو دينية أو تعاونية أو حتى نادٍ رياضي، فسنجد أن الأغلبية العظمى من المجتمع مستنكفة عن أي شكل من أشكال هذا التنظيم حتى الطوعي، غير السياسي، إذ تراوحت نسب من لا يشاركون في ذلك في حدود الـ(95%).

هل هذه النتيجة مطمئنة للمسئولين، مثلًا، وتدفع إلى الاقتناع أنّ الأمور بخير، وأنّه لا خوف من الجمهور، كما حدث في دول عربية أخرى؟! الجواب الذي يطفو على السطح بنظرة قاصرة آنية: نعم، أما الجواب الاستراتيجي الوطني فهو، بالضرورة: لا. لماذا؟..

لأنّ استنكاف الناس عن الروابط المدنية سيعود بهم إلى الروابط الاجتماعية الأولية، وسيؤدي إلى غياب “الوسيط” الناضج العقلاني بين مؤسسات النظام السياسي والشارع، فستتشكّل النزعات السياسية والاجتماعية عبر انفجار للعنف الاجتماعي أو أحداث شغب أو فجوة عميقة بين الدولة والمجتمع، وهي حالة برزت بوضوح خلال الأعوام الماضية، ويمكن أن تكون “أداة تفسير” موضوعية لهذه النتائج.

ليس من مصلحة الدولة ولا المؤسسات الرسمية وجود حالة من الاستنكاف عن العمل المدني والعام، فهذا ينشئ فراغًا كبيرًا، يمكن أن يملأه خطاب متطرف أو انطوائي معزول، أو حتى التفكير بوسائل أخرى للدفاع عن المصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

هذه الفرضية تبرز أكثر وضوحًا عند النظر بوجود نسبة (5%) ترى أن استخدام العنف وسيلة مناسبة لتغيير سياسات الحكومات، فهي نسبة وإن كانت تبدو صغيرة إلاّ أنّها عمليًا مقلقة، وتشير إلى أنّ هنالك اتجاهًا بدأ ينمو ويعتقد أن “العنف” هو وسيلة الاحتجاج والتغيير المناسبة ضد السياسات الحكومية.

بالنتيجة؛ ثمة حالة من الفراغ السياسي وغياب الثقة، ليس فقط بالنخبة الرسمية، بل حتى بالقوى والأحزاب السياسية، وهي “فجوة” مقلقة، فإذا كان ليس مطلوبًا أن ينخرط المجتمع بأسره في عمل حزبي منظم، فإنّ وجود أحزاب سياسية ومؤسسات مجتمع مدني فاعلة وهيئات وسيطة بمثابة “صمام الآمان” للأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي، فضلًا عن كونها وسائل تنموية وخدماتية مهمة وضرورية للقيام بمهمات وأدوار لا تملك الدولة القيام بها.

ما فجرّه الربيع العربي، وبصورة أكثر تحديدًا، في مصر وتونس، دفع بالقوى السياسية وبفئات من الشباب المتحمس للحراك في محاولة لإحداث اختراقات شعبية، سعيًا لنقل النظام السياسي والمعادلة الحالية نحو مرحلة ديمقراطية متقدّمة، بعد أن أثبتت الأوضاع القائمة أنّها لم تعد صحية، ولا تنتج سوى الأزمات والمشكلات، وتجرنا إلى وراء، لا إلى الأمام.

هذه التحركات الجديدة مطلوبة وضرورية، وهي عامل إيجابي، لكنّنا معنيون اليوم بالنظر إلى الفجوة التي ما تزال قائمة بين الكتلة السكانية الكبيرة وبين هذه القوى، حتى الجديدة منها، وتحديدًا لعامل الخوف من التغيير، لبناء قدرات اتصالية أفضل، لجعل المجتمع بأسره ينظر إلى التغيير المنشود ويساهم في ترسيم معالمه، بدلًا من الاكتفاء بموقع المشاهد!.

المصدر: الإسلام اليوم




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !