مواضيع اليوم

حالة استثناء مزمنة.

محمد مغوتي

2010-05-13 11:13:03

0

                       حالة استثناء مزمنة.
    أقر مجلس الشعب المصري تمديد العمل بقانون الطوارئ عامين إضافيين بناء على طلب تقدمت به الحكومة. وبذلك سيبقى هذا القانون الذي يثير جدلا حادا في مصر ساري المفعول خلال السنتين المقبلتين على الأقل. والقانون المذكور يعود الى سنة 1958، وهو تحت رقم 162. لكنه أعلن لأول مرة في 5 يونيو سنة 1967 من طرف الرئيس الراحل " جمال عبد الناصر" بعد هزيمة الجيوش العربية أمام اسرائيل في ما يعرف ب " النكسة ". وظل معمولا به الى غاية ماي 1980، حيث تقرر رفعه كجزء من الاجراءات المصرية التي أعقبت التوقيع على اتفاقية " كامب دايفيد " بين " أنور السادات " و " مناحيم بيغن " والتي تعرف باتفاقية السلام بين مصر واسرائيل. غير أن اغتيال السادات في أكتوبر 1981، وتسلم الرئيس الحالي "محمد حسني مبارك " مقاليد السلطة عجل بعودة العمل من جديد بالقانون المذكور والذي مازال جاريا حتى الآن.
     تقول المادة الأولى في قانون 162 سنة 1958 المحدد لنظام الطوارئ : " يجوز اعلان حالة الطوارئ كلما تعرض الأمن أو النظام العام في أراضي الجمهورية أو في منطقة منها للخطر سواء كان ذلك بسبب وقوع حرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو حدوث اضطرابات في الداخل أو كوارث عامة أو انتشار وباء ". وهكذا كان الاعلان الأول للحالة منسجما مع الواقع الجيوسياسي الذي كانت تعيشه دولة مصر باعتبارها في حالة حرب معلنة أمام اسرائيل. غير أن هذه الظروف تغيرت في الوقت الراهن. ومازالت مصر من هذه الناحية ملتزمة باتفاقية السلام التي كانت قد أنهت حالة الطوارئ الأولى. لذلك يرى المعارضون لتمديد هذا القانون أن السلطات الواسعة التي تخول بموجبه للسلطة التنفيذية تعطِّل الحريات العامة وحقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق والمعاهدات الدولية، وتمثل انتهاكًا صارخًا للحقوق والضمانات التي أكدها الدستور المصري. والواقع أن القانون المنظم لحالة الطوارئ يتضمن تضييقات كبيرة على الحريات كما نقرأ في المادة الثالثة: "
لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ بأمر كتابي أو شفوي التدابير التالية:

أولا: وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والاقامة والمرور في أماكن وأوقات معينة، والقبض على المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن و النظام العام واعتقالهم والترخيص بتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الاجراءات الجنائية وكذلك تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال.

ثانيا: الأمر بمراقبة الرسائل أيا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكافة وسائل التعبير والدعاية والاعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها واغلاق أماكن طباعتها. "

    واضح اذن أن القانون يعتبر الى حد بعيد مسا مباشرا بالحريات العامة للمواطنين. وعلى الرغم من أن هذه البنود لا تطبق عمليا بكل الصرامة التي نقرأها في القانون المذكور، فان الاستمرار بالعمل بحالة الطوارئ يعني امكانية تنفيذ قوانينه حسب مزاج السلطة في اللحظة التي تراها مستوجبة لذلك. وقد جاء التمديد الأخير للعمل بقانون الطوارئ مرفوقا بتعديلات حكومية تتعهد بتطبيق القانون في محاربة الارهاب وجرائم المخدرات فقط. ومع ذلك فان القانون يلقى رفضا شديدا من جماعة الاخوان المسلمين ( وهي الأكثر تضررا بالعمل بالطوارئ) وكل قوى المعارضة السياسية بأطيافها المختلفة. و يبدو أن المصدر الرئيسي لقلق وتخوف معارضي هذا القانون يأتي من منتظرات الاستحقاقات المقبلة، حيث تقبل مصر في الأشهر القليلة القادمة على انتخابات رئاسية تثير بدورها جدلا حادا.
    ان العمل بقوانين الطوارئ ليس شأنا مصريا فقط، فقد عرفته عدد من الدول في العالم في أوقات محددة. غير أن العمل به ينتهي عادة بمجرد اتفاء الأسباب التي دعت الى اقراره. وهذا ما يجعله موصوفا في الأوساط السياسية والاعلامية ب " حالة الاستثناء ". لكن الأمر يتعلق في الحالة العربية بقانون طوارئ مزمن. ورغم زوال الأسباب الحقيقية التي أدت الى اعلانه، ما يزال جاثما على الحريات العامة في عدد من الدول، فبالاضافة الى مصر تعيش سوريا أيضا تحت نفس الوضع بموجب المرسوم التشريعي رقم 51 بتاريخ 22/12/1962. والذي يتماهى الى حد بعيد مع القانون المصري السالف الذكر، ويكاد يكون منه نسخة طبق الأصل. ومنذ 8 مارس 1963 تعيش سوريا حالة الطوارئ التي أعلنت بقرار من " مجلس قيادة الثورة " آنذاك. وفي الجزائر أيضا تم اعلان الحالة ذاتها منذ 9 فبراير 1992، وذلك عقب الغاء الجولة الثانية من أول انتخابات تعددية في البلاد كان الاسلاميون في طريقهم الى اكتساحها ( الجبهة الاسلامية للانقاذ. )....
    هكذا تكون  حالة الطوارئ  عربية بامتياز. ولا يقتصر الأمر على النماذج الثلاثة، فعدد من دول المنطقة تعيش نفس الحالة لكن بالمرموز وليس بالواضح، فالتضييق على الحريات يظل قاسما مشتركا وان بنسب متفاوتة. ويساهم موضوع الارهاب بشكل كبير في اضفاء مزيد من الشرعية على هذه الحالة التي يبدو أنها لن تنتهي في الأفق المنظور.
                                             
محمد مغوتي.13/05/2010.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !