مواضيع اليوم

حاضر ومستقبل الصحافة الورقية

حاضر ومستقبل الصحافة الورقية

بنحو عام وفي البلدان المتقدمة أو الدول النفطية والغنية بدأت الصحف ‏التقليدية التي باتت تسمى الآن بالورقية كمصطلح دلالي يفرق بينها وبين ‏الألكترونية ...... بدأت هذه الصحف تشكي من قلة أعداد توزيعها وتضاؤل ‏حصتها في سوق الإعلان مما يشير إلى فرضية تعرضها للإفلاس المالي ‏وأنها تترنح الآن تحت ضربات الانترنت الأكثر رحابة وشفافية وامتيازات ‏من حيث جاذبية وسهولة العرض والتقنية وإحساس الفرد بقدرته على المشاركة بحرية . وحيث من السهل على الفرد العادي في هذه الدول المشار إليها ان يقتني ‏لنفسه جهاز كمبيوتر وخط انترنت ... كما أنه بإمكان كل من يمتلك لاب توب ‏الآن في الدول اتي ينعم مواطنها بمداخيل متوسطة بالإضافة إلى سكان الدول ‏الغنية والمتطورة أن يذهب به إلى أقرب مجمع تجاري ومقاهي متخصصة ‏ومحلات وجبات سريعة عالمية ليحصل على خدمة الانترنت مجانا عبر تقنية ‏نظام الانترنت اللاسلكي ‏wireless‏ ...... ‏
وفي بعض البلدان ذات الدخل المنخفض للفرد يتحايل الجيران في المبنى ‏الواحد أو عدة مباني متجاورة على الإستفادة من خدمة الانترنت عبر مد ‏توصيلات داخلية وبينية بينهم وبين مستأجر رئيسي للخدمة ويساهمون معه ‏بالتالي في دفع الفاتورة الشهرية التي عادة ما تكون ثابتة وفق حزم محددة ‏سلفا.‏
الآن يتوقع بعض الخبراء في مجال الاعلام المقروء أن يتم وضع الصحافة ‏الورقية في متاحف التاريخ بعد 15 سنة من الآن ... هذا بالطبع في بلدان ‏العالم المتقدم والغني ... ولكنني لا أعتقد أنه استقراء يشمل البلدان المتخلفة ‏والفقيرة ، أو تلك التي تحكمها أنظمة دكتاتورية وحزبية شمولية. حيث لا ‏يزال هناك فسحة من الوقت بالنسبة للصحافة الورقية على الأقل لدى كبار ‏السن والعامة من متوسطي الثقافة وكذلك وسط الطبقات الفقيرة حيث تتولى ‏الدول ذات الأنظمة الشمولية والدكتاتورية أعباء الصرف على الصحف ‏الورقية من الخزينة العامة ، أو حيث تعاني الدول الفقيرة من تدني مستوى ‏دخل الفرد إلى الحضيض وبالتالي عدم قدرته على اقتناء الوسائل الالكترونية ‏الحديثة التي تمكنه من الحصول على خدمة الانترنت بالاضافة إلى انقطاع ‏التيار الكهربائي أو عدم توفره تماما على العكس مما هو عليه الحال في ‏الدول الغنية والمتقدمة تكنولوجيا.‏
وفي الوقت الذي تظل فيه أهم العقبات السلبية التي تقف أمام الصحافة الورقية في ‏العالم المتحضر والغني هي ما باتت تقدمه الصحافة الألكترونية من خيارات ‏تكنولوجية متطورة ومواكبة متصلة دقيقة بدقيقة للأحداث الهامة وغير ‏الهامة في كافة مجالات الاهتمام من سياسة وفن وأخبار عامة وفردية ‏وحوادث وإعلانات حية .. فإن مشكلة وعقبات وسلبيات الصحافة في البلدان ‏المتخلفة وتلك التي ترزح تحت حكم أنظمة شمولية ودكتاتورية تكمن في ‏الرقابة اللصيقة المزمنة المبالغ بها والتي تصل إلى درجة الغربلة أكثر من ‏مرة للخبر والتعليق والعامود وهلم جرا وبطريقة تخرج فيها الصحيفة في ‏نهاية المطاف مسخا من أحبار سوداء وملونة لا طعم ولا ورائحة لها ......
وعلى سبيل المثال نرى الصحافة السودانية تعيش الآن اسوا أوقاتها بسبب ‏الرقابة الشرسة المجهضة والتي لم تعد حكومية فحسب بل باتت الصحافة ‏المحلية تعاني كذلك من رقابة حركات أخرى مسلحة متحالفة مع الحكومة أو ‏معارضة لها تقف بالمرصاد لكل صحفي تسول له نفسه كشف العـفـن ‏المستور وإظهار الحقائق ...... باتت السياسة نشاط مقاولات ومنافع وتجارة ‏عامة ولا تصدق غير ذلك .. لم يعد هناك في الساحة الآن سوى "تجار ‏سياسة" مرتزقة ومن ورائهم عصابات مسلحة تمارس الارهاب بإسم ‏السياسة وتقبض الثمن نظير حمايتها لهؤلاء أو أولئك أو تصفية الخصوم . ‏ولأجل ذلك فلا نتوقع من صحفي أعزل لا دية له أن يتصدى للواقع ويكتب في ‏الممنوع سواء بأسلوب نقدي بناء أو هدام .... ...‏
والحكومة بدورها كانت اشطر فلم يعد هناك كاتب أو موهوب يستطيع ان ‏يكتب أو يمارس مهنة الصحافة إلا إذا كان مسجلا كصحفي ممارس لهذه ‏المهنة في كشوفاتها ويكسب من ورائها قوت عياله وما يسد رمقه .... ‏وبالتالي يسهل محاسبته وتخويفه ومحاكمته ومعاقبته وسجنه وجلده ‏وتشريده وتجويعه وفق القوانين الموضوعة المقيدة لحرية الصحافة والنشر ‏‏.. كما أنها تضمن أن مثل هذا الصحفي سيفكر مليار مرة قبل ان يقدم على ‏التصدي للباطل والفساد لأنه ببساطة سيعرص نفسه للسجن وسيفقد مصدر ‏رزقه الوحيد في هذه الحالة وحيث لا مصدر له غيره ... إنه استغلال بشع ‏لحقيقة أن "الإنسان الذي لا يملك قوت يومه لا يمتلك بالتالي قراره" .‏
والمؤسف أن المشكلة قديما كانت في زجر وتشريد كل من يتصدى بالكتابة ‏في الممنوع .... ولكن المصيبة الآن أصبحت اكثر بشاعة حين بات كل ‏صحفي لا يلبس الطربوش ويحمل المباخر . أو لا ينافق بموضوع أو يطبل ‏بمقال ويحزم وسطه ويرقص "10 بلدي" بافتتاحية رئيسية في الصحافة ‏الورقية .... بات أمثال هؤلاء معرضين للمساءلة والتقريض والتوبيخ ‏والحرمان من الهدايا ومظاريف الكاش وصكوك الغفران والمحسوبية وغض ‏الطرف عن الفساد المالي والإداري من واقع أنه "لا يمدح" .. و"لا يبرز ‏الإيجابيات" حتى لو لم يكن هناك ما يستدعي ذلك أو ثمة إيجابيات .. ولكنه ‏المفروض أن يكون مدرك لطبيعة عمله ولا يحتاج إلى من يعلمه شغله وكيف ‏يجعل من البحر طحينة والفسيخ شربات وغير ذلك من اتباع وإجادة أساليب ‏وممارسات كانت في الماضي نسائية بحتة لا يمارسها سوى عواجيز الرقيق ‏في معية الأسياد او على منصات معارض تجار النخاسة ... فإذا صبغ الحاكم ‏شعر راسه ولحيته وما خفي من مناطق جسده فهو دليل على فتوة وشباب ‏الدولة .. وإذا تزوج رئيس الوزراء أكثر من إمرأة فهذا دليل على العافية التي ‏تتمتع بها الحكومة .. وإذا اقتنى الوالي أكثر من عشيقة وعشر سكرتيرات ‏حسناوات في مكتبه فهذا مؤشر إيجابي على فحولة ذكر النحل والرخاء ‏المرتجى من إنتاجية العسل ..... لأجل هذا يتم تعيين الصحفي وترقيته ومنحه ‏درجة المقربين والصديقين وحسن أولئك رفيقا في السهرات والسفرات ‏الخارجية والترفيه والسياحة وما تيسر من إمتيازات على حساب خزينة ‏الدولة دونا عن غيره من المغضوب عليهم والضالين .‏
ولا ننسى في النهاية أن الضغوط القمعية للأقلام والفكر الحر تطرد الصحفي ‏والكاتب الموهوب وتبقي بطبيعة الحال الفاسد الجاهل والمنافق ومن ثم فقد ‏كانت النتيجة الحتمية لسياسات القمع للصحفي أن تخرج الصحف صبيحة كل ‏يوم ولم يهريق من أحبار في صفحاتها سوى الغثاء وزبد سيل الألوان وقد ‏عم النفاق والمهازل كل صفحاتها ولم لا ؟ فحتى الراقصات وممثلات الإغراء ‏ومطربات الدرجة الثالثة بات لديهن مراكز قوى يتكئن عليها من الكبار وذوي ‏النفوذ . والويل والثبور لرئيس ومدير التحرير ورئيس الصفحة الفنية ‏و"الجرنالجي" الذي لا يسارع ويلهث ليطرق باب "الفنانة الكبيرة" لإجراء ‏لقاء والتقاط بعض الصور ذات الأوضاع الساخنة والدافئة والباردة ويشفع ‏ذلك بتدبيج مقال يمدح مواهبها الفنية المتعددة ثم ينتقل إلى حياتها الخاصة ‏فيسهب عن تواضعها وكرمها وبرها باليتامى ووالفقراء والمساكين وإغداقها ‏على "موائد الرحمن" في رمضان ورجب وشعبان وكيف أنها حولت عرفة ‏نومها إلى "مسجد" تختم فيه القرآن كل ثلاثة أيام وتوالي فيه "بطريقتها ‏الخاصة" القيام والركوع والسجود بين كل نمرة وأخرى.‏
وبالطبع فإن مثل هكذا مناخات سلبية لاشك أنها لن تتطلب حضور صحفي ‏موهوب يحترم نفسه بقدر ما تتطلب زمار وطبال وحامل مباخر يعرف كيف ‏يحزم وسطه لا غير . وجراء ذلك خرج الخيرون تاركين المهنة تعففا وزهدا . ‏ولم يتبقى سوى سقط المتاع ممن لا يجد حرجا في الكشف عن عورته ‏ولحس الأحذية في سبيل جني الأموال والحصول على الترقيات والامتيازات ‏ويحظى بالرضا والقبول المؤهل وحده للقفز إلى المقاعد الشاغرة في ‏الوظائف العليا ولو كان عبر الركل في المؤخرات .....‏

مصعب الهلالي
‏20 يونيو 2009م ‏




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات