حاجة العراق إلى الوفاق
يصدمنا المشهد الدموي الذي تعيش على وقعه العراق يوميا منذ أن سقط نظام صدام حسين بفعل قوى الاستكبار العالمية، ونراه، نحن الذين لا نعيش في أتونه، وحشيا ومدمرا ومثيرا للاشمئزاز ومشوها لكل ما هو جميل في الحياة...
مهما انشغلنا عنه بأسباب اشتعاله ودوافع الأحقاد التي تُغذّيه ومهما التمسنا من أعذار لتبريره،فإننا لا يمكن،بأي حال من الأحول،أن نصرف النظر عن قبحه ورعبه وفجاجته...
الكلمة قاصرة على توصيف الصورة التي،غالبا،ما تصلنا منقوصة بحكم استحالة ملاحقة شريطها البشع كاملا...والشعور بالرعب والسخط الذي يتملكنا،ونحن في بيوتنا الآمنة،من بعيد،نتلقى وابلا من المشاهد العنيفة الدامية،هو لا يرتقي،بأي حال،إلى ما يكتوي بسعيره إخوة لنا في العراق من حقهم رفض حياة العدم التي تُفرض عليهم فرضا،وهذا الحق يستدعي واجب إيقاف نزيف دماء الأبرياء وهدرها بجنون عبثي مروّع...
لكن من يُوقف هذا النزيف الكريه المدمر؟
إن كان ثمة من يأمل في وصفة علاج عربية فليتعفف عن هذا الأمل الوهم،إذ العرب في غيبوبة،هي الأخرى علاجها ميئوس منه...
أما الذين ما يزالون يُراهنون عن المسؤولية القانونية والأخلاقية للمحتل،فهذا الأخير انسحبت جحافله منكسرة الخاطر تحت جنح الظلام،وأبقى على حضوره الرمزي في العراق حفاظا على ماء الوجه ومن أجل العمل الاستخباراتي وحراسة مصالحه الإستراتيجية الضيقة...
ولا تسل عن ضمير عالمي يتظلل بمنتظم أممي فهو لهذا المنتظم أودعه متخلصا من تأنيبه منشغلا عنه بهوس جنون العظمة والتسابق من أجل إشعال الحرائق هنا وهناك في شعاب المعمورة الرخوة التي تئن تحت وطأة انحباسها الحراري وكوارثها البشرية والطبيعية...
من الجرائم التي تُقترف في حق العراق،ولعل أشدها إيلاما،الانشغال عن برك دماء شعبه اليومية بترف التحليل والتبرير،ولكن ما الحيلة؟
لا يستطيع ملاحظ، في ظلّ تجنّيه على العراق بالتحليل، ألا يُلفت النظر إلى أنّ الحياة التي تختطفها التفجيرات وفنون احتراف القتل البشع الأخرى، هي،ويا أسفاه،تستهدف غالبا مسلمين وبأيدي تدّعي الانتساب لدينهم...
هل من الممكن أن يعي القاتلون أنهم ليسوا مسلمين أو ربما يفقدون عقيدتهم الإسلامية إن احترفوا القتل؟..
هل من الممكن لدولة جارة مثل إيران، وهي ترفع راية الإسلام انتصارا لرفعته وقضاياه، أن تختبر قدرتها وتأثيرها في وضع حدّ لشلالات الدماء العراقية التي تزكم أنوفهم؟..إن فعلوها وتكللت مساعيهم بالتوفيق في تحقيق الوفاق العراقي، طوعا أو فرضا، فلن يكون لإيران الإسلامية حجة أمضى وأشد وقعا من حجتها في ظفرها بالإسهام في حقن الدماء الإسلامية...
قبل هذا وبعده، فالأمل يبقى معقودا لتحقيق الوفاق العراقي خارج "منطقته الخضراء" التي لم يثبت لها فضل إلا في تحويل العراق إلى منطقة حمراء، الأمل معقود على أحرار العراق في الداخل والخارج من أجل هبّة تنزع وحشا غازيا تلبّس بنفوس عراقية استأجرها بثمن مهما كان إغراؤه قيمة له بالنظر إلى الشهامة العراقية...
الوفاق بين العراقيين عراقي عراقي أو لا يكون!..
التعليقات (0)