في هذه المتاهة التي نعيش، ماأحوجنا إلى ضبط النفس أكثر فأكثر، كي لانقع في لومةِ لائم، أو حاسدٍ حاقد، وبعدها نلطم على صدورنا، ونؤرشف لواقع مسّه الجنون والاغتصاب، والاعتراف السائد، تماشياً مع ما نردّده اليوم: "معاهم معاهم، عليهم عليهم"!
- وما أحوجنا، أن نحتكم إلى العقل، وان كنا نعيش في ظل دمٍ يُراق، ونَفَسٍ زكيْ تنشد بارئها الوفاء بالعهد، على أن نخلي لها الطريق، وأن نلوذ في معترك الهاوية، وأن ننشد لها الأمل والحرية، واللقاء بالأهل، وكل ما يربطنا بتلك الأرض الخيّرة المعطاء.
- وما أحوجنا، إلى فارسٍ صنديد، لم يسبق وأن رأته العين، أو سمعت به الأذن، ليعلن خلاصنا من هذه المتاهة التي نعيش، وان صعب عليه التحدي!
- وما أحوجنا، إلى أن يكون التعامل الحسن، والاعتراف بالذنب، هو سيد الفضائل، على أن يتسع صدرنا لأي قضية، أو مشكلة تواجه مصيرنا، وكل ما له علاقة بالضمير والوجدان، والأنا والـ نحن.
- وما أحوجنا، الى أن نتخلى مصغرين عن أسلحتنا، وآلات القتل والتدمير، وكل ما هو مؤذٍ، وبانتظار نتائج مؤتمر أستانة وغيرها التي لم تتوصل لحل الكثير من الرواسب والمنغّصات، والآلام والأوجاع، ونرنو إلى استصدار مراسيم وقوانين وقرارات وأوامر وتعليمات جديدة، وحياة جديدة، وشعب جديد وفكر جديد، يتماشى مع هذا ــ الآستانة الأمل.
- وما أحوجنا، إلى أن نغسل قلوبنا من كل ما هو ضار، ونبرئ ساحتها من الغل والضغينة، والعمل بما يرضي الله..
- وما أحوجنا، إلى كلمة حق، والإعلان عن الثوابت، والبعد عن كل ما يؤلّب مشاعرنا التي انطلى عليها المصائب، وساحات الاقتتال تشق غبارها، وتعترف بأخبارها.
- وما أحوجنا، إلى الالتفاف على بعضنا البعض، وبحبٍ صادق، خلي من الحقد والضغينة والغيرية، على أن تكون في نطاقها الشريف، والتنافس بما يخدم المجتمع والعامة، لا أن تورّث الكراهية، وكل ما يسيء إلى أخلاقنا.
- وما أحوجنا، الى أن نبعد عن أنفسنا الخداع وصوره التي تؤلّب القلوب وتدميها، ويلفظها المجتمع، وأن نكون أكثر صراحةً في كل ما يدور عمّا حولنا، بعيداً عن العودة للماضي، والتمجيد بالأطلال، وعلى المرء أن يتغنّى بأفعاله، وليس بما جاد به عليه أجداده، ومثالنا في ذلك ما أشار إليه شاعرنا:
ليس الفتى من يقول كان أبي ... إنما الفتى من يقول ها أنا ذا
- وما أحوجنا، إلى أن نعيد النظر بالغيرية التي فقدناها وأن نظهرها، لأنه من الصعوبة بمكان أن نحجب الشمس بغربال!!
- وما أحوجنا، إلى الصدق، لأنه مظهر حضاري، ويزيد ثقتنا بأنفسنا، ويدفع بها نحو تحقيق ذاتها.
- وما أحوجنا، إلى قول الحقيقة، لأنها تعنى أكثر ما تعنى برغد العيش بين أصدقاؤنا ومعارفنا.
- وما أحوجنا، إلى صحفي متفهّم مقنع في هيئته وكتاباته، وحسّه الإعلامي الكبير، وفي معرفة مداركه ليقنعنا بالتالي، بما يَحدث في الوقت الحالي على الساحة من أحداث فظيعة، والعمل على نبذ كل من أساء لصاحبة الجلالة التي عَرفت ـ وللأسف ـ متطفّلين كثر، وأخذوا دور غيرهم، وسجلوا حضوراً لافتاً، وهم في حقيقة الأمر ما يخدعون إلاّ أنفسهم، وهذا ما تجلى في الكثير من المواقع الالكترونية، وحتى في الصحافة الورقية، ويطلقون على أنفسهم مسمّيات ما أنزل الله بها سلطان!.
- وما أحوجنا، ـ أيضاً ـ إلى ذاك الفنّان التشكيلي، الحاضر الغائب، الذي ركن في الظل بعيداً عن تصوير ما يحدث!.
- وما أحوجنا، إلى شباب مؤمنين بقضيتهم الأم، حب الوطن، والحال الذي لا يزال يشكو، ويشكو، فإلى أين المصير؟! .
- وما أحوجنا، إلى موظفاً صادقاً ومخلصاً في عمله، لا أن يستغل عمله الوظيفي ومكانته في أن يُعامل الناس بصورةٍ سيئة، وفيها تعالي وأستذة، ويظل شعاره: ادفع بالتي هي أحسن!.
- وما أحوجنا، إلى صديقاً مخلصاً، وان ندر في هذا الوقت بالذات، يدفع البلاء عن صديقه، ويقف سنداً قوياً إلى جانبه إذا ما أصابه مكروهاً ما، لا أن يتحامل عليه، ويؤنّبه في ملمّاته، ويُعامله في تملّق وتذمّر أحمق، ويستخف في انجازاته!.
- وما أحوجنا، إلى أن نعيد إلى نفوسنا دفئها، وأن نهيئ أمامها طريقاً سليماً معافى، خلياً من النرجسية والحقد الأعمى الذي لايعرفُ طريقه إلى نياط القلوب.
- وما أحوجنا، إلى حب الناس بصفاء، ونبذ البغضاء حتى نتمكن من أن نعيش حياة كريمة وآمنة.
- وما أحوجنا، إلى قلب كبير، قادر على أن يحضن الجميع بحب، وأن يرسم السعادة أمام عشاقه ومحبوه.
في المقابل، هل نستحق كل هذا الحب؟
هذا الحب، الذي ينطوي تحت ظلّه صفحات وصفحات من البؤس والغل والأسى!
بالله عليكم، هل نحن بحاجة إلى هذا وذاك؟ وفي حال تحقق، فإننا نتغنى دائماً بـ: فهلاَّ من مزيد؟!
عبد الكريم البليخ
فيينا
23/09/2017
التعليقات (0)