ج 8 ـ الرحيل الأخير
ـ يوم النتيجة .. كان أسعد أيامي .. أصبحت المهندسة جنة وبدرجة جيد جدا ً .. أي فتاة تفرح لهذه النتيجة .. حصدت تعبي وسهر الليالي .
هرولت كي أخبر أبي بنجاحي .. فرحته لا تقاوم .. كان عنده شريكه مهندس يملك شركة زيادكو لإسكان .
سمع حواري مع أبي .. عرف أني مهندسة .. عرض علي العمل معه .. بالطبع هذه الفرحة تسعد أي فتاة مازالت متخرجة حالا ً .
عدت للبيت وأنا لا أصدق .. وفي الصباح ذهبت إليه كي أبدأ العمل .. عمل لمدة شهرين .. خلالها يطلب رؤيتي بحجة الرسومات التي أعمل عليها باستمرار .
وفجأة وجدت نفسي أصبحت نائبة مدير الشركة .. كانت نظراته من نوع خاص .. ولكني لم أكن أضع هذا في اعتباري .
كنت أريد تحقيق مكانة بمجهودي .. بدأت النظرات وكلام الغزل تظهر ما في جعبة الثعبان .. ليتطور الأمر لمحاولته ذات يوم يضع يده علي خدي .. بلحظتها لطمته بقوة وتركت العمل .
بنفس اليوم جاء وطلب يدي من والي .. وافق بدون تردد حتى قبل أن يأخذ رأيي .. فلم يكن أمامي خيار سوي العودة للعمل .
كنت أشعر بشيء ما وراء طلبه ليدي .. سيظهر السبب فيما بعد .. أعرف الثعبان لا يظل مختبئ .
مر ثلاث أشهر علي خطوبتنا .. خلال كنت أرفض مقابلته بمفردنا .. نتقابل بالأماكن العامة أو مقابلات في العمل أو مقابلات عائلية .
وفي يوم كان لدينا صفقة مهمة بالإسكندرية .. ذهبت معه لإتمام الصفقة .. تأخر الوقت والغريب أنه لم يطلب مني النوم بفندق للغد بل أصر علي عودتنا في نفس اليوم .. كي لا أتضايق .
ركبنا السيارة وبينما كنا في وسط الطريق .. أوقف السيارة وبدأ ينظر لي نظرات وقحة .. أقترب مني وحاول لمس وجهي .. فضربته فضربني بقوي .. لم يهتم لمحاولتي إبعاده عني .
بحثت عن أي شيء أضربه .. كل لحظة يقترب أكثر .. وجدت زجاجة المعطر .. ضربته بقوة ثم أخذت حقيبتي وخرجت مسرعة من السيارة .
وقفت انتظر أي سيارة تقف لي .. إلي حين وجدت رجل ومعه عائلته .. وقفوا لي وحاولوا تهدئتي إلي أن أوصلوني لأسفل منزلنا وتركوني .
كنت منهارة مما حدث .. تركت العمل معه بينما أبي لم يستطع .. العمل لا مجال بداخله للعواطف .. أخبره زياد أنني فهمته خطأ .. ظللت جالسة بالبيت إلي أن رأيت إعلان الوظيفة لشركتك .
عملت عندك في الشركة إلي أن التقينا وأحببنا بعضنا .. أما عن عودتي له مرة ثانية .. بعدما فقدت بصرك .. طلب يدي مرة ثانية .. أخبرني أبي لكني رفضته .. لكنه أصر علي طلبه .
كان يري أبي أنه أنسب رجل لي .. سينساني ما حدث في الماضي .. وأيضا ً ما حدث معك .. أخبرني ولكني رفضت .. لكن أبي لم يستمع لي .. رفضت لبس دبلته وأي شيء يحضره .
أرفض مقابلته .. أضربه لو أقترب مني .. عرفت أنه الانتقام لما حدث في الماضي .
ـ لو لم أحدثك كنتِ ستستمري معه ؟.
ـ سبق وقلت لك .. لن أكون لغيرك .
ـ كنت ستظلي تنتظرني .
ـ سأنتظرك العمر كله .. كفاية كلمة بحبك .. تساوي الدنيا وما فيها عندي .. يكفيني حضنك .
ـ أنتي أوفي حبيبة .. بحبك .
ـ الوقت مر بسرعة .. اذهبي الآن كي ترتاحي .. يحب أن أنام الآن لأجل العملية .. حتى أراك ِ وأتطلع لعينك .. نتقابل عند العاشرة .. العملية ستكون الساعة الثانية ظهرا ً .
ـ حسنا ً .. تصبح علي خير .. يا حبيب قلبي .
ـ تصبحي علي خير ملاكي .
عدت لشقتنا ورفضت الاستماع لأي شيء يعكر صفو سعادتي ، بالصباح استيقظت كالسابق علي " صباحك سكر " .
غيرت ملابسي وهرولت نحو الباب ، فتحته لأجد أمامي الشبح ، جاء كي يأخذني للخروج معه ، عندما فتحت الباب ووجدته أمامي ، ينظر لي بعيونه التي تشعرني بأنها طلقات نارية تصوب نحوي .
ـ إلي أين أنتي ذاهبة ؟.
ـ إلي خطيبي وحبيب قلبي .
حاول أمساك يدي بقوة ، ولكني رفضت فأخذ يصيح بوجهي ، لطمني بالقلم بقوي دوي في السكوت ، خلالها كان وسام يخرج من شقته ، سمع صوت الطمه ، وبكائي ، تغير لون وجهه .
ـ ها هو الأعمى الذي تحبيه .. ترفضيني بسببه .. هو لا شيء .. لا يقدر علي الدفاع عنكي أمامي .. لا يستطع .. لا يستطع .
توالي علي بالضرب وأنا أصرخ ، خرج الجيران من شقاقهم ، لم يستطع وسام تركه يضربني ويقف بلا حركة .
أسرع نحو صوت الضرب ، أسرع وأمسك بيده ليبدأ الشجار ، لم أستطع تركه هكذا ، تواليت عليه بالضرب ليتركه ، لكنه لم يأبي بأي شيء .
ـ وسام .. أتركه زياد .. ليساعده أحد .. تحركوا .. وسام .
حاول مهاب وأستاذ أشرف فض الشجار ، لكنهم لم يستطيعوا ، وفجأة وبينما كانوا يتبادلوا الضرب ، يضرب بلا رحمة ، يصدمه في الجداران تارة ، وفي سور السلم تارة أخري .
ضربه ضربة قوية دفعته لسقوط علي السلالم ، يسقط دون توقف ، يسقط ويسقط إلي أن وصل للنهاية ، البداية الدور الثالث لتكن النهاية بالدور الأرضي .
ـ وسام .. وسام .. لا .. لا ليس ثانيا ً .. لما فعلت ذلك ؟.. لما لم يفعل شيء سوي أنه أحبني ؟ ..لما ؟.
ثواني واندفعت الدماء من رأسه وأنفه وفمه ، هرولت مسرعه نحوه بعدما تركت زياد ، كنت أضربه بقوة لم أعرف مصدرها ، ضميته بين ذراعي كما تمنيت منذ زمن ، لكن هذه المرة هو .. لا .. أنا لا أستحق كل هذا .. لما ؟.
ـ وسام .. أرجوك أنظر إلي .. أرجوك لا تتركني .. وسام .
فتح عينه بصعوبة ، جسدي يرتعش ويرتعش ، لا أستطع التمسك بوسام ، جسده يتثلج ، تندفع الدماء دون توقف ، أصابعي تلامس وجهه لأول مرة ، أحاول إزالة الدماء .
ـ وجهك جميل .. لم أخبرك من قبل أليس كذلك .
ـ أجل .. لطالما تمنيت أخذك بين ذراعي .. لكنك فعلها أنتي .. آخر أمنية أتمناها الآن رؤية وجهك ولو لأخر مرة قبل موتي .
ـ لا تقول ذلك .. ستظل معي .. سنذهب الآن لنجري العملية وتراني .. لا تقلق ستراني .. آه .. آه .. ليتصل أحد بالإسعاف .. لا تقفوا هكذا .. سأفقده مرة ثانية .. لا مستحيل .. مستحيل .. لا .. لا .
أبكي بدون توقف ، لا أستطع تملك أعصابي ، جسده هامد أمامي ، لا يتحرك بارد .
ـ لماذا ؟.. هل ضاقت الدنيا ولم يتبقي سوي وسام أمامك ؟!.. لماذا ؟.. لا ترحل أرجوك .. أرجوك .. أنا أحتاجك .. أحتاج بشدة .
.
انهمرت الدموع ، فأسرعت يدي كي تمسحها نظر إلي وهو مبتسم ، مسك يدي وجذبها صوب شفتاها وقبلها ، ابتسم لي ابتسامة لا تنسي أبدا ً .
لم أتحمل فانهمرت دموعي أكثر ، رفع يده نحو عيني ومسح دموعي ، يا إلهي آه ....
ـ وسام .. أتراني .
ـ أحمد الله حقق أمنيتي .. أرجوكي لا تبكي .. لا تنسي هدية زواجنا جنة وسام .. اعتدتها بنفسي .. كتبتها باسمك .. بحبك .. تمنيت أظل معك .
ـ بحبك .. بحبك بجنون لا يتوقف .
ـ بحبك يا جنة أيامي الحلوة .. بحبك .. منتظرك .
نظرت له غير مصدقة :
ـ لماذا سكت ؟.. لماذا توقفت ؟.. أرجوك أستيقظ .. كلمني .. أخبرني بأنك تحبني .. استيقظ .. كلمني .. وسام .. أرجوك لا تتركني .. لا .. .. .. ..
أهزه وأهزه دون أي رد فعل ، لم أعرف ماذا أفعل له ؟ ، لماذا لم يعد يرد علي ؟، لما لم يعد يكلمني ؟ ، لما يا زم كل ما القلب يحب ويفكر أن الدنيا ضحكت له ، تخدعنا وتسلب منا أجمل ما نملكه في حياتنا ، لما أيتها الدنيا ؟ .. لما ؟ .
ـ مستحيل .. لا آه .. وسام .. وسام .. يا ضي عيني .. وروحي .. وعمري .. لا أبقي معي .. حياتي بدونك لا تساوي .. لما تركتني .. لما .
جذبوني بشدة ، أذرعي لا تريد تركه ، سلبوه مني ، أخذوا مني حبيب عمري ونور عيني ، رأيته أمامي جسد هامد بلا روح ولا قلب ينبض .
كان يوم صعب وبالأخص لحظة أخذه مني ، لم أحتمل فراقه ، لم أستطع فسقطت فاقدة للوعي ، أصيبت بغيبوبة لشهرين ، لا أدري خلالها أي شيء يدور حولي .
التعليقات (0)