ج 7 ـ أخفي حنانه وراء قناع ... من رواية أرواح القمر المظلوم
مروان :
ـ هرولت حينما سمعت ذلك .. عندما عدت ووجدتكم بانتظاري لم أصدق نفسي .. سعادة لا يمكن وصفها .. روح العائلة لا تقدر بثمن .. شعرت وقتها أنني حي ولم أمت .. لا أستطيع العيش بدونكم .
لكن الالتقاء كان قصير جدا ً .. حان موعد العودة للعمل .. انصرفتم وتركتوني بمفردي مرة ثانية .. صعدت لغرفتي وبدأت أذاكر دروسي .
نسيت الوقت لم أدراك إلا حينما سمعت دقات الساعة .. وجدتها الثامنة مساءاً .. ركبت دراجتي وذهبت للبحيرة .. ربع ساعة سرعة فائقة للوصول .. فوجدت الجميع بانتظاري .
مروان :
ـ أسف تأخرت .. نسيت الوقت وأنا أذاكر دروسي .
حاتم :
ـ لا عليك .. هون علي نفسك .
مروان
ـ حان دورك لتروي قصتك .
حاتم :
ـ عائلتي تتكون من أب قاسي وأم حنونة وعطوفة .. أخي أكبر مني .. عمره ثلاثة وعشرين عام .. قاسي كأبي .. وله نفس ملامحه .. قمحي البشرة وعينه بني غامق .. شعره أسود ويدعي حازم .
أما أخي الأصغر مني عمره ثلاث عشر عام .. ملامحه كأبي ما عدا لون عينه عسلية .. قلبه حنون بعض الشيء واسمه خالد .
كان خالد يعمل مع أبي منذ صغره .. حصل علي دبلوم صنايع .. َمَال حازم لأسلوب أبي في الحياة .. فالتعليم عنده لا يسوي شيء .. المهم يعرف يقرأ ويكتب .. لذا أكمل الإعدادية فقط .
أما أنا فضلت أكمال دراستي .. عندما قتلت كنت في سنة أولي بكلية الهندسة .. أفضل دائما ً الجلوس مع أمي في شقتنا ..تقع علي بعد أميال عن البحيرة .. كل يوم أروي لها ما حدث معي .
أصعب شيء كان يمزق قلبي .. قسوة حازم علي أمي .. وفي أحد الأيام .. يوم عيد الأم رجعت للمنزل باكرا ً .. اشتريت لأمي هدية وعدت وأنا سعيد .. أتورق لأعرف ما رأيها في هديتي .
اشتريت لها سلسلة علي شكل مصحف .. قبلتها وألبستها لها .. ثم قرأت لها بعض الكلمات .. كانت تعبر عن قليل القليل من الحب .. بينما قلبي يحمل الكثير .. كتبت أقول :
منية النفس
يا منية النفس أراكي تسكين قلبي
منيتي لكي المنزلة الكبرى بقلبي
يا منية النفس لا ينافسكي في حبي
سوي الله عز وجل بجواره أنتي تسكني
يا أول من رأت عيني
يا من أخرجتني من بين حشاكي بعد دفئي
يا من أخرجتني لهذه الدنيا
أراكي تضمنني بحنان طوال عمري
لو اجتمعت النساء كي تقلدك
أشهد الله سيفشلوا يا حبيبتي
لكي ابتسامة تفوق أنيني
تأخذني من آلامي لجنتكي
تضمني في لحظة حزيني
فيرقص قلبي ويتعالي بحبكي
أري حبك من نوعا ً خاص
أشهد الله حبك بقلبي
بينما كنت اقرأها دخل خالد .. وقف يستمع إلي وينظر لأمي .. عندما انتهيت قبلت يدها .. لكننا لم نستمتع بالسعادة .. عاد حازم ليحن وقت الكآبة .. بمجرد ما دخل أخذ الورقة ومزقها .
فقال حازم ووجه عابس :
ـ كفاكم تهريج .. هيا لنتناول الغذاء .
حاتم :
ـ لما مزقت الورقة ؟.. لم أفعل لك شيء ! .
حازم :
ـ ليس لها قيمة مثلك .. مدلل كالبنات .
حاتم :
ـ لما تسخر مني دائما ً ؟! .. ولما تفسد علينا سعادتنا ؟! .
حازم :
ـ لا يهمني تكون سعيد أم بائس .. لا وقت أمامي لهذه التفا هات .. أنت تشعرني بالعار لأنك أخي .
أمي :
ـ كفاكم عراك .. الطعام علي المائدة هيا .
حاتم :
ـ جلسنا لتناول الطعام .. لم يكف عن النظر لي بنظرات حادة .. أشعرني بأنني حشرة لا أسوي .. بمجرد ما تناولنا الطعام دلت غرفتي .. دخلت والدتي ورائي بعدما أنصرف حازم وذهب خالد لصديقه .
أمي :
ـ حاتم لا تحزن من حازم .ز هو أخوك مهما كان .. وأنت تعرفه ورث القسوة من أبيك .. أما الورقة كلماته حفظت بقلبي .. آلا يكفيك هذا .
:::::::::::::::::::::::::::::
حاتم :
ـ مرت الأيام وبدأت أموال أبي تنقص شيء فشيء .. لا يعرف من أخذها .. وفي يوم أختفي مبلغ كبير .. لم يجد أبي حل لهذا الشك والغضب سوي تفتيش الغرف .
حازم كان له غرفة منفصلة .. بينما أنا وخالد معا ً معا ً .. فتش الغرف ولم يعد سوي غرفتنا .. بحث إلي أن وجد المبلغ في أغراضي .. لم ينتظر لأتكلم .. ضربني بالقلم وخرج من الغرفة وهو يقول :
ـ أهذا ردك للجميل ؟! .. أصرف عليك لتكمل دراستك وتسرقني .
ـ مستحيل .. صدقني لم أسرقك والله العظيم .
أمي :
ـ مستحيل حاتم يسرق .. مستحيل .
أبي :
ـ دائما ً تدافعي عنه .. من اليوم لن أصرف قرش عليه .. يشتغل ويصرف علي نفسه .
خرج أبي وحازم وخالد للورشة .. بينما ظللت بغرفتي وأمي تنظر لي وعيناها مدامعه .. فقلت لها :
ـ لم أسرق .. لم أسرق .. أكاد لك ِ .
أمي :
ـ عرفه يا حبيبي .. أنت ابني وعارفك مثل كف يدي .. مستحيل تسرق .
:::::::::::::::::::::::::::::
حاتم :
ـ مرت الأيام .. لم أتحمل نظرات الاتهام في عيون أبي والجميع .. سرقت مستحيل .. ولكنهم صدقوا المستحيل .
وفي يوم نسيت كتاب مهم وصديقي يحتاجه .. عدت للبيت كي أحضره .. فسمعت صوت بغرفة أمي .. ظنتها عادت باكرا ً من عند جدتي .
اتجهت صوب غرفتها في هدوء كي أفاجئها .. فوجدت حازم يبحث في دولابها .. يمسك صندوق مجوهراتها .
أخذ منه سلسلة وخاتمين .. بعدها أعاد الصندوق لمكانه .. بدون مبالاة ولا خوف .. فوجدته يخرج فاختبأت في ركن بجانب الحمام .. وبينما كان يخرج ظهرت له .
ـ إذا ً أنت من تسرق الأموال .. والآن مجوهرات أمي .. أهذا حقك علي أمك .. ألست تأخذ أجرك من أبي علي عملك .. لما إذا ً السرقة ؟ !! .
حازم :
ـ أجل أخذ ولكنها لا تكفيني .
حاتم :
ـ لما وضعت الأموال بأغراضي ؟ ! .
حازم :
ـ دائما ً تسلب مني كل شيء .. حب أمي وحنانها واحترام أبي .. أعمل كعامل ذليل .. يضربني ويسبني أمام الجميع .ز أخذت كل شيء من خالد .. دائما ً أنت الأفضل .. والآن تكلمني عن الحق .
فين حقي لما كرهني أبي في المدرسة .. بسببه كنت أغيب عن المدرسة والمعلمة تضربني .. أصبحت مصدر السخرية بين زملائي .. لم أجد أمامي سوي الامتناع عن الذهاب .. وأبي فرح لذلك .
أكون معه طوال الوقت .. لا وقت لأتنزه وأسافر في رحلات كأصدقائي .. ومع ذلك أنت أفضل مني .. يأخذ رأيك في كل أمر .. فكر قبل أن تتكلم .
حاتم :
ـ تقول أنني الأفضل .. حاسب علي كلامك لم يأتي من فراغ .. لم أستيقظ يوم وأجدني علي هذا الحال .. أبي يشعر أنني أكثر قدرة علي اتخاذ القرار .. لذا سأذهب ولن أدعك تنزل قبل إرجاع الأشياء لمكانها .
اتجه نحو الباب وفتحه ونزل .. فخرجت وراءه كي أكلمه وأهدأ من روعه .. لأحاول جعله يفكر بطريقة أخري .. ليزيل هذه الفكرة التي استوطنت بعقله .. انتشر بجسده كالمرض الذي يفترس الجسد .
هرولت وراءه وأنا أنادي عليه .. لم أفكر في الطريق ولا السيارات .. كل تفكيري كنت أحاول إيقافه وليرجعهم لمكانهم .. كي لا يكتشف أحد أي ما حدث .
لم أشعر إلا عندما سمعت آلة التنبيه يعلو صوتها .. تقترب و تقترب .. وفجأة سمعت صوت الفرامل .. لم أهتم إلا عندما أدار حازم وجهه ويشير علي ِ ويشير لشيء .
نظرت للخلف فوجدت السيارة نقل كبيرة تتجه نحوي .. وقفت مكاني لم أستطع فعل شيء .. شل عقلي عن التفكير .. وفي ثواني نفذ الأمر .
اصطدمت بالسيارة .. فقذفتني لبعيد .. وجدت نفسي أطير في الهواء إلي أن اصطدمت بالأرض .. أحسست حينها بأن كل جزء في جسدي انكسر كقطعة زجاج .
سقطت وفي ثواني لقيت مصيري .. كنت أقبض علي يده .. لأول مرة أراه يبكي .. شعرت بضعفه وخوفه علي ِ .
نفذ أمر الله وصعدت روحي .. لم أنسي نظرة حازم .. لأول مرة أشعر بحنانه في لمسته .. أمي وقتها كانت تسير بطريقها للبيت .. وجدت تجمع وسيارة إسعاف .. تقدمت تري ما الأمر .
فوجدتني ملقي علي الأرض لا أتحرك .. وحازم يبكي لدرجة الهستريا .. وبمجرد ما رأتني جرت علي وانهارت علي جسدي .
لم تتكلم رد فعله الوحيد .. أمسكت بجسدي ودموعها تنهمر بدون توقف إلي الآن .. لم أنسي شكلها ولا وجوه الجميع .
الحزن تملكهم حتى أبي .. حزن جعلني أشعر بأن والدي أخفي حقيقته .. كان وراءه قلب حنون .. يحب ويغار .. غيرته تنبع من قلب صافي .
لكن كل هذا جعل الحياة القادمة أسوء .. حياتهم دمرت .. حتى حازم لم يعد يعمل كالسابق .. لم يكن يجلس بمفرده .. لكن الآن أصبحت هي شاغله الوحيد .
يقول لنفسه :
ـ أنا قاتل .. قاتل .
حياته أصبحت جحيم .. لكنني لا أرض أن تكون حياتهم هكذا .. لا أرضي .
:::::::::::::::::::::::::::
انتظروا الأحداث القادم
التعليقات (0)