في الجزء الماضي تخلي مروان عن صمت ، أخبر والديه بما يشعر به ، فتشجع سامر ، وقررت رندا السافر لتمتع بالحياة
ج 2 _الصدفة جمعتهم لنيل الحب
من رواية رغبة أرواح القمر
انصرف الجميع وهم يفكروا في الكلام ، دخلوا غرفهم وعقولهم مشتت الذهن ، لما ثار البركان فجأة من خموله .
جلست والدته علي السرير فقالت :
ـ ألهذه الدرجة كنا أسوء والدين أبناءنا .. لم أتخيل في يوم أقف في مثل هذه المحاكمة .. وبالأخص من مروان .. سامر ورندا لم يتزوجوا بسببنا .. طموحي أخذني بعيدا ً عنك وبيتي .. لم أقصد وصولنا لهذه الدرجة .
فقال الأب :
ـ وأنا أيضاً أهملت البيت .. اهتممت بجمع المال .. أصبح من الضروري جلوس كل منا بمفرده .. ونعيد حساباتنا .. لعلنا نجد حل لهذه الحالة .. دمر بيتنا بدون قصد .. إلي أن هدمه زلزل قوي .. لما حدث ذلك ؟.
فقالت والدته :
ـ أن ابتعدنا عن بعضنا ستحل المشكلة .. ولكن إلي متى سنظل نهرب ؟.. هيا بنا لنعرف ما حدث معه جعله يصل لهذه الحالة ؟ .
دقوا الباب ليجدوا سامر ورندا جالسين بجانب مروان فقال الأب :
ـ ماذا تفعلون هنا ؟.
فقالت رندا :
ـ جئنا لنفس السبب .
فقالت الأم :
ـ وهل أخبركم بشيء ؟.
فقالت رندا:
ـ كان سيبدأ .. لم نكن نعرف أنكم ستهتمون لأمره .. هذا أغرب ما حدث اليوم .
فقال الأب :
ـ ألهذه الدرجة وصلنا من الاستهتار وعدم المبالاة .. لم نكن نعي لما وصلنا له .
فقال سامر :
ـ لو كنتم وقفتم مع أنفسكم لحظات .. كنتم عرفتم لما أصبح المنزل لا يمثل لنا الأمان .. فندق ليس أكثر .
فقال الأب :
ـ يكفي كلام عن سبب ما نحن عليه الآن .. فلنبدأ من هنا ..مروان ماذا حدث ؟.
فقال مروان :
ـ وما المهم في أن تعرفوا .. هيا أتركوني بمفردي .
فقالت رندا :
ـ أرجوك أخبرنا ماذا حدث ؟.. أشعر بأنك لست بخير .
فقال مروان :
ـ لن تصدقني أحد لو أخبرتكم بما حدث معي منذ اثني عشر يوم .. بعدما تركتني ماما بشري وذهبت لزيارة أهلها في لبنان .. تركتني بمفردي .
أكرر دائماً حينما اكتب عنواني بحي بحيرة القمر .. لم أكن أعرف أن وراء هذا الاسم حكاية طويلة .
بدأت معي في أول ليلة سافرت فيها .. جلست بمفردي يتيم .. أخبرتني عن بحيرة توجد بنهاية الحي .
فقال سامر :
ـ وما علاقة البحيرة بك ؟!.
فقال مروان :
ـ سأخبرك لا تستعجل .. حينما يشعر المرء بالوحدة .. يحاول أن يشغل نفسه بأي شيء .. يومان ولم أراكم .. الوحدة كادت تقتلني .. افتقده كثيرا ً .. فلم أجد بجانبي سوي ألبوم صوري .. التقطته لي .. لم أشعر بالوحدة قط وهي معي .
جلست في الشرفة وأمامي كرسيها الفارغ .. وبيننا طاولة كنا نلعب الشطرنج عليها .. لم تدخلوها قط .. أليس كذلك .
جلست لأستمتع برائحة الزهور التي زرعتها لي .. لعلي أشعر بوجودها معي .. وكن لم أستطع منع نفسي من البكاء .. بكيت من شدة الوحدة .. فأخذت أقلب الصور .. صورة تلو الصورة أشاهدها وهي تضحك .
كان القمر في هذه الليلة هو مصباحي .. بدراً يتوسط السماء أمام شرفتي .. كان سهران ليضيء ليلة مملة .. فإذا بالهواء يقلب الصفحات كلها .. يقلب ويقلب .. وفجأة توقف النسيم أمام صورة غربية لم أشاهدها من قبل .
صورة لماما بشري وخلفها بحيرة جميلة .. جدرانها من الجرانيت .. وهناك أربع تماثيل علي الجدران .. تبتعد مسافات متساوية علي شكل يدين مفتوحتين .. تحمل كرة بيضاء .
يحيط بالكرة سلسلة سوداء .. ولون اليدين أحمر .. والورود تملأ المكان وتوجد ورود بالمياه .
كانت تلاعبني وتتحدث معي .. تحثني علي المذاكرة .. تروي لي كل ليلة حكاية عن الأرواح الطيبة .. وعن بحيرة توجد في نهاية الحي يسكنها أرواح طيبين .. مظلومين ينتظروا فارس يدعي فارس القمر .. سيأتي ويحرر أرواحهم وينتقم لهم من الذين ظلموهم.
نظرت للصورة في دهشة وإعجاب من جمال هذه البحيرة .. أخذت الصورة من الألبوم ودخلت الغرفة .. الجو بدأ يبرد مع أننا في شدة الحر .
ألقيت جسدي علي السرير .. أغمضت عيني وأنا أقول " لما أكون وحيد هكذا دائما ً ؟.. لما تكون الوحدة مصيري ؟.. ثم خلدت للنوم بعدما قبلت صورة ماما بشري التي خلفها البحيرة .
فقالت والدته :
ـ وماذا حدث بعد ذلك ؟.
فقال مروان :
ـ لم أكن أعرف أن رؤيتي للصورة ليس مجرد صدفة .. وإنما هو قدري .. وبينما كنت نائم استيقظت حينما شممت رائحة الزهور .
بدأت استيقظ شيء فشيء إلي أن فتحت عيني .. وجدتني نائم علي حشائش خضراء .. الجو دافئ .. والزهور تملأ المكان بعطرها .. وأوراق الأشجار تعزف ألحان المساء .. والمياه تعكس صورة القمر .
كانت المفاجأة الكبرى تنتظرني رأيت نفسي في البحيرة وأمامي أناس غريبين .. دق الخوف أعماقي .. كانوا يلبسوا ملابس بيضاء ولكن وجههم حزينة .. فقلت : أأنا بحلم أم حقيقة ؟.. من أنتم أخبروني؟ " .. لم أعرف الخوف والرعب إلا لحظتها .. كنت كالذي رأي شبح .
فقالت شابة :
ـ اسمي نورهان .. لقد جئنا بك هنا .. ببحيرة القمر المظلوم .. كي تخلص أرواحنا وتحررها من الظلم .. كي نرحل وتصعد أرواحنا .
فردت عليها :
ـ لقد روت لي ماما بشري أن من سيخلصكم فارس القمر .
فقالت نورهان وهي تتقدم نحوي :
ـ أنت فارس القمر .. لقد اخترناك أنت .
فقلت :
ـ ماذا ؟.. فارس القمر أنا .. مستحيل !!.
فقالت :
ـ ولما مستحيل ؟.
ـ لا أعرف ولكن أشعر بأنه من سابع المستحيلات .
فقالت :
ـ لم هناك أمر مستحيل في هذا الزمن .. وأظن الأكثر غرابة وجودك هنا معنا .. أليس كذلك .
فتقدم شاب وقال :
ـ اسمي حاتم ولقد اخترناك لأنك تشعر بالوحدة مثلي ..لا يهتم بك أحد مثلي .. ستعرف قصتي فيما بعد .
وتقدم آخر وقال :
ـ اسمي علاء .. ولقد اخترناك لأن قلبك طيب .. ليس ظالم مثل كثير من الناس .
فتقدم آخر وقال :
ـ لأنك لست أعمي القلب والبصيرة .. وإنما لديك قلب شفاف .. واسمي أيمن .
ومن مكانها ردت وقالت :
ـ اسمي نهال وأعرف أهم سؤال يدور في ذهنك .. ماذا سنفعل الآن ؟.
شعرت بالعجز من سؤالها..لم أعرف ماذا أقول ، فتقدم شاب جلس علي حافة البحيرة وقال :
ـ سيبدأ كل فرد في رواية حكايته .. وتبدأ بدورك في مساعدته .
ـ أولا ً ما اسمك ؟.
ـ اسمي أمجد .
فقال علاء :
ـ سنبدأ بمن جاء أولا ً للبحيرة .. ثم من بعده إلي أن تنتهي حكاياتنا .
ـ حسنا ً من الأقدم هنا .
ـ أعلن جسدي استلامه للتعب .. فتوجهت نحو حافة البحيرة .. جلست وأخذت نفس عميق : إذاً من الأول ؟.
تقدمت نورهان .. فتاة لم أري جمالها من قبل .. صافي كمياه البحيرة .. في عنقها سلسلة علي شكل هلال .. وعلي طرفه ملاك .
بعدها تقدم الشاب الصامت كما أسميته .. لم يتكلم منذ وصولي .. وفي عنقه نفس سلسلة نورهان .
فقالوا :
ـ نحن أول من جاءوا .
ـ اسمي نورهان .. طالبة بكلية التجارة بالفرقة الثالثة مع حسام .. حياتي كانت عادية مثل أي فتاة ..يمر يومي عادي .. مملة لا شيء يهز مياهي الراكدة .. إلي أن قابلت حسام .
كان للصدفة دورها في لقائي بحسام .. تعرفت عليه في النصف الثاني من سنة أولي .. عندما كنت ابحث عن كتاب في المكتبة العامة .. فوجدته يبحث عنه أيضا ً .
دار بيننا حوار لا أعرف لما اطمئنيت إليه .. ومن يومها كلما يحتاج محاضرات نطلبها من بعض .
لم نرتب للحب كي ينمو بقلوبنا .. نمي من تلقاء نفسه شيء فشيء .. بدأت بصدفة بعدها تحول لحب كبير .
فأكمل حسام وقال :
ـ أحببت نورهان حب يفوق الحدود .. كانت بالنسبة لي صديقتي وأختي وحبيبتي .. جمعنا الحب فتبادلنا اللقاءات بالكلية .. نذاكر معا ً ونتناول الفطور .
علي هذا الحال استمرينا .. حياتنا جميلة مملوءة بالمرح والتمتع بالشباب .. إلي أول يوم في الدراسة للسنة الثالثة .
مرت أجازة الصيف لم أراها خلالها .. أعرف أخبارها حينما تحدثني علي المحمول .. وفي يوم جاءت ووجهها شاحب وحزين .. لم أنسي هذا اليوم .. كانت عيناها تهرب من لقاء عيني .
ظلت علي هذه الحالة من الهروب ساعة .. بعد إصرار مني وكثرة أسئلة عيني قررت الكلام .. قالت وهي تبكي " يوجد رجل يدعي سيف .. طلب يدي من أبي .. ووالدي معجب به .. رفضته ولكن أبي لم يخبره بعد " .
فأكملت نورهان :
ـ لم أري وجه حسام حزين هكذا من قبل .. ربع ساعة من الصمت والهروب من لقاء عيوني .. فقال " سآتي اليوم لأطلب يدك " .
الدهشة ازهلتني .. لم أتوقع رد فعله هكذا .. فطالما أخبرني أنه سيتقدم لخطبتي بعد انتهاء الدراسة .
أعجبني فيه ثقته واعتزازه بكرامته .. لم يرضي أن يصرف عليه أبيه .. بل كان يدرس في الصباح ويعمل في المساء بمعرض الموبيليات
علمت أنه يعمل مع أبيه وعمره أربعة عشر عام .. وفي الصيف يعمل كأي عامل .
فأكمل حسام :
ـ عودت في ذلك اليوم باكرا ً .. ذهبت لأبي في معرضه .. بمجرد دخولي قلت له " بابا أريد الزواج من فتاة أحبها بجنون .. أخاف أتأخر يزوجها أبيها لغيري " .
فقال :
ـ أتعرفها منذ فترة طويلة ؟.. أتحبك ؟.
فقلت :
ـ أعرفها من سنة أولي .. أخلاقها جميلة أيضا ً روحها خفيفة .. والأهم أنها تحبني مثلما أحبها .
فقال :
ـ ماذا تعرف عن أسرتها ؟
فقلت :
ـ اسمها نورهان جمال .. والدها يعمل دكتور أسنان .. ووالدتها محامية .. فتاة عادية كأي فتاة .. وأسرتها ذات أخلاق حميدة .
فقال :
ـ إذا ً مبارك .. فأنت طيب وتستهل الخير كله .. لم تنتظر مني أصرف عليك .. اشتغلت بجد وتستحق المتعة الآن .. وتنال كل ما تتمني .. شقتك لم يعد ينقصها سوي عروستك .
آه لو كانت أمك معنا الآن .. كنت سمعت زغاريت لا نهاية لها .. ولكنها ذهبت لخالقها .
ـ بمجرد ما انتهي حوارنا دخلت لغرفتي .. وقفت أمام صورتها أوصف لها ملامحها .. " أمي نورهان حينما رأيتها خطفت قلبي وعقلي .. جعلتني أشعر بالضحكة تهز كياني بعدما حطمني فراقك .
شعرت بأني طفل وأمي تهتم لأمري .. تخاف علي أن خففت ملابسي قليلا .. تسألني أكلت أم لا .. صدقت بأن الحب موجود .. أخذتني من أحزاني لأعيش الحياة مرة ثانية .
أحبها بجنون .. أحبها لدرجة أنني لو فقدتها .. سأفقد عقلي وأدور في الشوارع .. لا أقول هذا بدافع طيش الشباب .. بجد أشعر بأنها تجري في عروقي .. أشعر بكل نفس يخرج من صدرها .. أمي ما رأيك ؟."
بعدها جلست علي الأريكة لأريح جسدي .. ولكن النوم سلبني وغرقت في بحره قليلاً .. لم أتوقع رؤيتها في الحلم .. وجهها جميل ومبتسم .. صبوح لم أراه من قبل بهذا البهاء .
توفيت منذ أربع سنوات ومع ذلك لم أراها من قبل .. الطيور تحلق حولها .. تمنيت آلا أستيقظ .. ولكن استيقظت علي صوت أبي وأنا مبتسم .
فسألني أبي :
ـ ما سبب ابتسامتك ؟ .. ولما كنت تنادي أمك ؟.
فرويت له الحلم فقال :
ـ والدتك سعيدة بهذه الفتاة ؟.
بمجرد خروجه غيرت ملابسي بسرعة ونزلنا .. استقلينا سيارتي وذهبنا .. كان القلق يدق أبواب قلبي .. ويداي ترتعش ويتصبب منها العرق .
فقال أبي :
ـ عندما ذهبت لطلب يد أمك حدث ما يحدث معك الآن .
فقلت :
ـ وماذا فعلت ؟.
فقال :
ـ وصلنا هيا دق الجرس .. فيما بعد سأخبرك .
ـ ماذا حسنا ً .
دقت الجرس فكان أول وجه هو نورهان .. فتحت لي باب الخوف والقلق .. كان يدور بداخلي سؤال .. يا تري ما رد فعل والدها علي طلبي بالرفض أم القبول .. يا رب يكون القبول .. يا رب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ستعرفوا المرة القادمة هل سيوافق ؟.. انتظروني
التعليقات (0)