جيوش ومؤسسات ظل
يوسف محسن
في كتاب ( تنظيم العنف في حقبة الكونية ) تقول ماري كالدور انها في العام 1992 زارت يوغسلافبا خلال الحرب الاهلية الطاحنة ، لاحظت ان هذه الحرب لم تكن بأي حالة عودة الى ماضي البلقان وحروبه بل هي تجربة معاصره وفريده ، حروب تعج بفتيان يرتدون بزات عسكرية محلية الصنع ولاجئين يأسين وسياسين متنمرين وهي حروب تتشابة من نواحي عدة مع الحروب الجارية في افريقيا او في اماكن اخرى، ويصنف بعض الباحثين ان هذه الحروب الجديد، هي ( خصخصة للعنف ) رغم انها حروب اهلية محلية ولكنها تنطوي على حشد من الروابط العابرة للامم بحيث يصعب التميز بين ماهو داخلي وماهو خارجي ويطلق بعض الباحثين على هذه الحروب مصطلح (حروب ما بعد الحداثة).وقد جاء هذا التنظيم الجديد للعنف بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الايديولوجيات الكبرى على حد تعبير بورديارد وتفكك الامبراطوريات الشمولية حيث اصبحت عملية تقويض العزلة الكونية للدول والمجتمعات عملية مركبة عن طريق العولمة، لذا تنشب هذه الحروب مابعد الحداثة في اطار تأكل الاستقلال الذاتي لمجال الدولة وفي اطار انهيار قدرة الدولة على احتكار وسائل العنف الشرعي المنظم ويبدأ هذا التاكل والانهيار في اعلى قمة الدولة واسفل المجتمع ينتج ظهور جيوش ومؤسسات ظل للاحزاب السياسية والطوائف والاثنيات تمارس العنف الجامح بالبزات الرسمية خارج القانون وتحت ظل ايديولوجية الهوية قياساً الى الغايات الجيوسياسية للعنف الكلاسيكي ، وكذلك تم استبدال الخلافات الايديولوجية التي ميزت الحقب السابقة ، بالصراع وفق هويات متخيلة والذي يعني المطالبة بالسلطة/ الثروة اعتماداً على هذه الهويات سواء كانت الهويات الوطنية او الهويات القبلية او الهويات الدينية او اللغوية، و وتنزع سائر اساليب العنف ما بعد الحداثة الى نوع من التمثيلات المثالية، ذات الحنين المرضي الى الماضي وانبعاث الاحقاد القديمة التي لجمتها الكولونيالية او الدولة المركزية وتعتمد سرديات الهوية على الذاكرة والتراث او يتم اعادة ابتكارها واختراعها في اطار فشل المصادر الاخرى في اضفاء الشرعية السياسية او الايديولوجية على هذه الهويات ، حيث ان الهويات قديماً كانت ترتبط اما بمصالح دولة او بمشروع مستقبلي ما، او تصورات لبناء مجتمع. وارتبطت بالحركات القومية مابعد الاستعمار بوصفها مشاريع تحرر لبناء الامة/ الدولة ، لذا فان هذه المشاريع السياسية للهوية مابعد الحداثة تنشأ من الفراغ الناجم عن غياب مشاريع كونية كبرى داخل المجتمع وثمة جانبان في هذه المشاريع حول الهوية.
اولاً: ان الموجة الجديدة لسياسة الهوية هي محلية وكونية في آن، قومية وعابرة للقوميات حيث تلعب جماعات الشتات والمنفيين والهاربين من العدالة والمهاجرين دور في تقديم الافكار والاموال والتقنيات، متمكنة من فرض احباطاتها وخيالاتها على واقع مغاير تماماً ( العراق انموذجا )
ثانياً: ان سياسة الهوية هذه تستخدم التكنولوجيا الجديدة، لزيادة سرعة التعبئة السياسية عبر وسائل الاعلام الالكتروني والتلفزيون والراديو والفيديو وعلى هذا الاساس فان عنف مابعد الحداثة يبدو كانه حربا سرمدية بين الجماعات اللغوية والدينية والقبلية المختلفة، يتعاون فيها دعاة سياسية الهوية الخاصة الجزئية ومليشيات انتاج مجتمع خامل سياسيا لقمع قيم المدنية والتعددية الثقافية وبتعبير اخر يمكن اعتبار هذه الحروب، حروباً بين الروح العالمية والخصوصية ، ويمكن ان نحلل العنف العراقي القديم والجديد في ضوء افكار المنظر السياسي كلاوز فيتز حيث يرى ان حروب المليشيات لا تنتمي الى مجال الفنون والعلوم بل الى مجال الحياة الاجتماعية وهي تشبة المنافسة في مجال الاعمال التي تعبر عن تضارب المصالح والانشطة البشرية السرية والعلنية حيث يتم تعبئة الرجال وتنظيم النساء بصورة شبة عسكرية ، بغية انزال العنف المادي بالعدو فضلاً عن تنظيم بعض انماط العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، في الحالة العراقية فمنذ سقوط النظام السياسي العام 2003 برزت سياسات الهوية بشكل فاقع فضلا عن العجز الكبير في تشكيل مؤسسات الدولة ونعدام الشرعية وتراجع الخدمات ، ظهرت انشطة اجرامية واقتصاد مافوي قائم على الفساد والخطف والعنف الطائفي والسياسي وسرقات الريع النفطي والاستحواذ على المقاولات الضخمة وشبكات التجاره الداخلية والخارجية والاستيراد والتحكم بالوظائف العامة والدراسات العليا في الجامعات العراقية والسجون الخاصة التي تدور من قبل المليشيات او من قبل جيوش ومؤسسات الظل ، او عبر انشاء شبكة من الاجهزة الامنية والمخابراتية شبة الرسمية تابعة للاحزاب وتقوم على شبكات القرابة السياسية والطائفية ، حيث ان اغلب الاحزاب السياسية العراقية الحالية تمتلك قوات مليشيات مدربة وتستند بنيتها الداخلية على تراتبية هرمية عسكرية فضلا عن اجهزتها الاستخبارية ، والايديولوجيا البدائية وتمارس الهيمنة على المؤسسات السياسية بطريقة ضبط التمثيل السياسي ، فضلا عن ذلك تلعب الانساق الطائفية السياسية العراقية دور في انقسام الاجهزه الامنية والمخابراتية والاستخبارات والجيش والشرطة مبلوره جماعات عسكرية سرية سياسية تقترن عملياتها بسترتيجيات امنية
التعليقات (0)