بعض جُيوشنا العربية المُتخمة بالرّاحة، ظلّت تتوسّدُ عدتها وعتادها وأسلحتها، عقودا، وكانت مهامها مُقتصرة على العربدة خلف أسوار ثكناتها، في وقتٍ كانت تُصرف عليها ميزانيات ضخمة تُقتطع من ضرائب الكادحين !..وأول ما إستفاقت على مهام جادة وحقيقية، وجّهت فوهات بنادقها ودباباتها نحو صدور الشعوب وواجهتهم بندّية كبيرة، وكأنها في حربٍ ضروس مع غزاة قادمين من وراء الحدود ؟!.. فكانت الزنادات تُسحَب فعلا !.. وكان التعمير يُعادُ!.. وكان الرصاص يُطلق بوحشية ؟!..
هذا ويمكن إعتبارالجيش السوري، خير مثال على تلك التركيبة العسكرية الغريبة، التي تستقوي على المواطنين الضعفاء، فيما ترتعد فرائصها أمام الأعداء الحقيقيين لأوطانها !.. فلو فرضنا مثلا أن الأوامر المُوجهة للجيش السوري، هي الحراك نحو هضبة الجولان لمسح وصمة العار مِن على جبين عائلة الأسد، بدل التحرك نحو الشوارع ومحاصرة القرى والمدن السورية، فهل سيكون تعامله مع المغتصب اليهودي بتلك الوحشية التي يتعامل بها مع شعبه الأعزل ؟!..
لاأعتقد شخصيا ذلك لسبب بسيط، كون الأوامر لم تصدرمنذ أزيَد من أربعة عقود للتحرك نحو هضبة الجولان ومواجهة اليهود، وهي بالتأكيد لن تصدر مُستقبلا !.. أما الأوامر بقمع الشعب ـ الذي تقتطع رواتب المُجندين من عَرقه ومن مقدّرات وطنه ـ فقد صدرت أكثر من مرة منذ أن تمّ تسليم هضبة الجولان لليهود ؟!..
وإذا كانت للحروب الخارجية (أصولا) من المفروض أنها تُلقن للمجندين في الأكاديميات العسكرية خلال فترات تدريبهم، بعدم التعرض للمواطنين العزل وللنساء والأطفال والشيوخ، وأيضا معاملة الأسرى بإنسانية .. فلماذا يُعامَل الشعب السوري داخل وطنه بتلك القسوة والفظاعة، وعلى يد الجيش الذي أنشأ لحمايته في المقام الأول، بل وأسوأ مما سيُعامِل به نفس الجيش أسير حرب مع عدو خارجي مُحتمل ؟!..
أسئلة ليست لها سوى إجابة واحدة، هي أن مثل تلك الجيوش أصبحت شاذة، لأنها حادت عن قاعدة الجيوش (الأخلاقية) في عدم التعرض للمدنيين حتى ولو وُجد إحتمال تعريضهم أوطانهم للخطر !.. إذ كيف يُعقل أن يشكل الشعب خطرا على وطنه الذي من أجله يخرج إلى الشارع وفداه يُقدم قرابينا وضحايا بالعشرات كل يوم ؟!.. فالشعب السوري مثلا يُشكل خطرا على (عائلة) الأسد نعم، لكن لايحق للجيش التدخل وتحت أي مسمى، أو أن يقف مع العائلة ضد الشعب ؟!.. أو أن يذبح الشعب قربانا لبقاء العائلة في سدة الحكم ؟!.. فماذا تساوي عائلة الأسد لو أباد الجيش شعب سوريا عن بكرة أبيه ؟!..
كم من عائلة في صفوف ذلك الشعب فقدت عزيزا في خضم حملة التقتيل تلك ؟!.. وكم من عائلة لها مُجنّدا في صفوف ذلك الجيش تبكيه وتتألم لأجله ؟!.. أم إن الواحد من أولئك الجنود مقطوع من شجرة، ولا يملك عائلة تخاف عليه من نفسه ؟!.. نفسه التي تطاوعه ليكون سوطا في يد الجلادين ؟!..
وهل هم واثقون ـ أولئك الجنود ـ بأن عائلاتهم تقاسمهم الولاء للنظام المستبد ؟!.. وهل هم متأكدون تماما من أنهم لن يضطروا لتوجيه بنادقهم نحو صدور أقرب مقرّبيهم، إذا ما وجدوهم من بين المُنادين بإسترجاع أوطانهم ممن سلبها منهم، وأخذ يتصرّف فيها كيفما شاء، حتى إنه إقتطع أجزاءا منها وأعطاها لبني صهيون ؟!..
الأكيد أن (الإيعاز) هو لغة التخاطب العسكرية، ومن واجب الأقل رتبة أن يطيع الأعلى رتبة، لكن ماذا لو كان ذلك الإيعاز خارقا لمواثيق الشرف والمهنية ؟!.. حينئذٍ يُصبح إيعازا شاذا عن قاعدة الإيعازات (الواجب) إطاعة أصحابها وتنفيذ أوامرهم !.. فحفظ أرواح المدنيين هي أولى أولويات أي جيش في العالم، لأن الوطن بغير أرواحهم لايساوي أكثر مما تساويه رقعة جغرافية بورا وقاحلة .
أتمنى أن تقتدي أغلب جيوشنا العربية بالجيش التونسي، الذي أجبر بن علي على التنحي عندما رآى أن بقاءه يهدد أمن واستقرار تونس !.. فصاحب الكرسي زائل .. أما الشعب، وأي شعب، فهو باق .
26 . 11 . 2011
التعليقات (0)