علي جبار عطية
ــــــــــــــــــــــــــــــ
التقيت شخصاً لا اعرفه سابقاً في دائرة حكومية لكني ما ان تبادلت معه جملاً مفيدة في زمن اللغو والثرثرة حتى ادركت اني اعرفه منذ ثلاثين سنة في الاقل وذلك ببساطة لانه ينتمي الى اهتمامات جيلي وهو جيل القراءة الجيل الذي تربى على ثقافة ان اليوم الذي لا تعرف او تتعلم شيئاً فيه ليس من عمرك . وتعود بي ذاكرتي الى منتصف السبعينيات حين كنا (نناضل) من اجل الحصول على قصص ومجلات الاطفال ثم نقوم بمحاكاتها وحين بدأ الوعي بالتبلور صار من العار ان تدعي انك قارئ على طريق الثقافة ولم تقرأ روايات (الجريمة والعقاب) و (الحرب والسلم) و (البؤساء) وكتب طه حسين والعقاد والمنفلوطي وسلامة موسى ومن النادر ان تجد من يتفاخر بربطة عنق او بدلة جديدة بقدر تفاخره بفكرة جديدة او قصيدة جديدة ومع تقدم العمر تظهر اهتمامات مختلفة تعقبها قراءات وكتابات تتناسب مع تلك المرحلة فصار هناك تنويع في الكتب الفلسفية والمعرفية والادبية والعلمية والفنية ... هكذا كان جيلنا جيلاً محباً للمعرفة وعاشقاً للمعلومة لذا تبدو المقارنة مع الاجيال التي تلته في غير صالحها تماماً فقد شهد العالم مع الثورة التكنولوجية المعلوماتية جيلاً يمكن ان نطلق عليه (جيل الفرجة) همه الوصول الى اهدافه باسرع الطرق وباقل الجهود وهو ميال الى التسلية وقتل الفراغ وما بين جيل الفرجة وجيل القراءة مسافات يصعب اختصارها فلقد اعتدنا على الاعتماد على انفسنا وهم اعتادوا بل اتكلوا على غيرهم واعتدنا على ان نصنع مباهجنا من الاطلاع على تجارب الاخرين واختزانها واعتادوا على الفرجة على بعض التجارب والسخرية منها والسبب كما اراه ان بناء المؤسسات التعليمية والثقافية كان سليما فيكون المنتج صحيحاً وكان المعلم يعلم الطلاب على عشق المعرفة فيكون الطالب عاشقاً ليس للنجاح فحسب وانما للمستقبل فماذا نتوقع من جيل يقضي لياليه في التفرج على المسلسلات التركية الكارثية والمباريات المسروقة من القنوات المشفرة ! واذا صح القول ان الناس على دين ملوكهم فان جيل الفرجة على دين معلميهم وموجهيهم واصحاب شركات الهاتف النقال !
كاتب وصحفي عراقي
التعليقات (0)