جيفارا .. أسامة ....ناصر .. صدام ....عرفات .
لعله لم يحظى ثائر في العالم قديما وحديثا ، وعلى مر التاريخ الإنساني ، بما حظي به الثائر الاممي تشي جيفارا ..
هنا لست في محاولة لاستعراض انجازات جيفارا .. فتلك متاحة لمن يرغب بكبسة زر على لوحة المفاتيح في أي جهاز حاسوب مرتبط بالشبكة العنكبوتية .
لاحظت وفي كثير من المواقع والبلدان العربية وغير العربية ، في أوساط الشباب والصغار وحتى في أوساط العامة من الناس ، وعلى قمصانهم وأغراضهم ومعلقاتهم وسيارتهم صورة الثائر الكبير تشي جيفارا الثائر الاممي ، الذي عم ذكره العالم وبات رمزا لكل حر او ثائر او متمرد او رافض ، وبات يشكل بصورته بشعره المنفوش وبشرته الحنطية الضاربة الى السمرة .. وكأنها لتناسب صورة معظم الناس المطحونين في العالم .. او وهو يعتمر القبعة الصغيرة التي بالكاد تستقر فوق كتلة الشعر الكثيفة له . بات رمزا كبيرا للكثير من الفقراء والمظلومين والمضطهدين .
نعم ، قميص الولد الصغير وحقيبته المدرسية ، ومقلمته ، ومظلته ، ومدالية هاتفه الخلوي جميعها مزينة بصورة كبيرة او صغيرة لجيفارا ، وعندما يعود يرى سيارة والده وقد زينت بصورة لتشي جيفارا ، وربما يعلق بوستر كبير فوق سريره ، او منشفة الحمام خاصته تكون مطبوعة بصورة جيفارا .. وربما يسمع الاغنية الشهيرة للشيخ امام وهو يقول : جيفارا مات ... ترت ترن .. خلف بنات.. ترن ترن ..
وعندما يستعرض كتب التاريخ التي يقرأ .. لن يجد صورة مكافأة لصورة تشي جيفارا .. وربما يجد الكابتن ماجد وساسوكي في افلام الكرتون اكبر كثيرا من صلاح الدين ، وخالد بن الوليد ، وعندما يشاهد ابو شهاب وابو عصام ، في باب الحارة لن تعد كل كتب التاريخ الذي قرأه تعادل صورة ابو شهاب او ابو عصام. .
وربما الكثير ممن يهتم بهذه الصورة ويعلقها لا يعرف معناها ولا صاحبها وما ترمز اليه الصورة .. فمن طبعها طبعها لأسباب تجارية بحتة خالصة دون أي هدف سامي ..وبالتأكيد ثمة الكثير ممن يهتمون بالصورة دون معرفة الخلفية التاريخية لها .. فقط هي على سبيل ( الموديل – الموضة ) . كما ظهرت من قبل صورة علم القراصنة وسادت لفترة معينة من الوقت ... الجمجمة التي تتقاطع بعظمتين على شكل حرف اكس باللغة الانجليزية ..
ورأيت الكثير من الشباب الكبار والصغار ممن يلبسون القمصان المطبوعة بالرسومات والكلمات ، ربما ابتاعوها من البالة ( محل الملابس المستعملة المستوردة تسمى في الأردن بالة ) وهم لا يدركون ولا يعرفون ما ترمز اليه تلك الرسومات وما تعنيه تلك الكتابات باللغات المختلفة .. ربما تكون بالانجليزية او الايطالية او الالمانية او الفرنسية او الاسبانية .. الخ .
ذات مرة ، صادفت شابا صغيرا ، يلبس قميصا مطبوعا بكلمات كثيرة على شكل فقرة او اكثر .. سألته ماذا تعني تلك الكلمات ... هل تعرف ماذا يقول هذا النص الذي تحمله مطبوعا على صدرك وظهرك ... قال لا .. أوقفته ورحت أقرأ ما هو مكتوب : وكان النص يقول بما معناه : ( أنا مثلي .. وانتمي الى مجتمع المثليين .. فلنشارك معا من اجل النقابة .. ) وعندما قرأت له ما هو مكتوب انزعج كثيرا .. وخلع قميصه .. وبقي بالقميص الداخلي ... وغيرها من القصص كثير .
المهم في الموضوع : أننا نركض وراء ( الموديل والموضة ) حتى لو كانت على حساب كل شيء من ذواتنا وتاريخنا ومعتقدنا وقيمنا . وهذا قادني رغما عني الى الكتابة حول .. جيفارا الذي امدني بالكثير من الحماسة والقوة والروح المعنوية العالية وفتح قلبي على آفاق رحبة واسعة كثيرة ..
ترى لماذا لم تستثمر رموزنا التاريخية من العروبة والإسلام ليزرع في نفوس أطفالنا وشبابنا روح الاعتزاز بالذات والفخر بما نحن عليه حتى وان كان هذا قليلا بائسا .. لماذا لا نستثمر مقدراتنا وتاريخنا وحاضرنا .. من إبطالنا .. وأماكننا التاريخية والتراثية والمقدسة لتعزيز قيم نحن بأشد الحاجة الى التمسك بها ، ونعزز قيم الولاء والانتماء للأرض والإنسان والتاريخ والعقيدة .. الا يمكن ان نصوغ مناهجنا بما يكرس في نفوس أبنائنا وشبابنا روح الحب والانتماء والفخر ...
ماذا لو كانت القدس بقبة صخرتها المشرفة ومسجدها الأقصى المبارك رمزا للعروبة والإسلام ، تطبع على القمصان والقبعات والكتب والدفاتر والمعلقات بأشكال فنية مبتكرة ، بدل أن نكرس حرفي N Y وهمها يطبعان على كل شي من الجرابات الى القمصان والمناشف والقبعات والأحذية .. ولا يدري الكثير الى ماذا ترمز تلك الأحرف ، انها تعني مدينة ( نيو يورك الأمريكية ) . فما فائدة تلك الرموز لنا .
اعتقد.. لو كان الشيخ أسامة بن لادن مسيحيا ..او بوذيا .. او يهوديا .. او بلا دين حتى .. وشاهدناه يحارب من يحارب من اجل قضية كبيرة هو مؤمن بها .. تماما كما حارب جيفارا ضد كل قيم الاستبداد والطغيان والامبريالية ... لكانت صورته بدل ان تكون كاريكاتيرا للإساءة له ولمن ينتمي ومن يمثل .. لكانت صورة للحق والعدل ونصرة المظلوم .. وهو الذي ترك ما نعرف الى ما نعرف .. وتخلى عن كل الرفاهية والعز والجاه الذي لا زال أهله وذويه يفتخرون به وينعمون به ، تركه .. الى الجبال والصحارى ..والجوع .. والخوف والمطاردة وبذل المال والولد من اجل القضية التي آمن بها .
تماما .. كصورة ناصر وعرفات وصدام .. الذين لا يزالون يحظون بكل الاحترام والتقدير عند الغالبية العظمى من العالم . فصورهم لا زالت تطبع وتوزع مجانا كملصقات في كل مكان ، وقلما تمر من شارع لا تجد صورة احدهم على الجدار او في بقالة او محل او سيارة او كتاب او دفتر من دفاتر الأطفال والشباب ، ولكن بصورة منظمة وممنهجة ومقننة ومتقنة يتم التخطيط للإساءة لكل القيم النبيلة في تاريخنا العربي ، وارى أننا نرقص في عرس الجيران أكثر من عرسنا .. ونرى عروس الجيران أجمل من عروستنا .
التعليقات (0)