مواضيع اليوم

جون ديوي هو اللي قال!(2)

ممدوح الشيخ

2010-07-28 17:25:50

0



بقلم/ مـمدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com

من الأسئلة المهمة التي يطرحها الفيلسوف الأمريكي جون ديوي في كتابه "الحرية والثقافة": "هل يُفرِّط الناس في حُرياتهم وينزلون عنها إذا استقرَّ في نفوسهم أنهم يحصلون بذلك على الرِّضا الصادر عن الإحساس بالاندماج في غيرهم وعلى احترام الناس إياهم، ذلك الاحترام الناجم عن تلك القوة التي يخلقها التضامن؟".
والسؤال يشير إلى مصدر غير منظور من مصادر الخطر على مساعي الإصلاح الديموقراطي وهو ضغط "السياق العام"، فعندما يكون ما حولك كله يدعوك إلى المسايرة واحتياج الفرد إلى الشعور بالتضامن من جانب أهله شعور طبيعي، لكن التضامن عندما يتحول إلى سجن نصل إلى مرحلة: "أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم إناس يتطهرون"، فدعاة الإصلاح أحيانا يحتاجون صلابة تشبه صلابة الأنبياء ليفلتوا من ثقب أسود هائل اسمه "السياق العام".
ويلفت جون ديوي النظر إلى حقيقة مهمة هي أن مما يعيق تحقيق حلم الحرية وجود "مؤسَّسات حرَّة" "بالاسم ليس إلاَّ"، أي أن البرلمانات المزورة والمجالس المحلية التي يتم التحكم في ها بالريموت كونترول والصحافة المدجنة والأحزاب المستأنسة ليست خطوة في طريق الوهم الجميل المسمى "توسيع الهامش الديموقراطي "، بل هي عقبات في طريق الحرية!
ويحذر ديوي من أن "ظروفًا غير عادية، مثل بعض ما يُصيب بعض الدول من خذلان وإذلال قومي، قد دفع الناس إلى الترحيب بأيِّ شكلٍ كان من أشكال الحكم يمكن أن يُعيد الاحترام لقوميتهم وكرامتهم الأهلية؟"، وهو هنا يشير للتجربة النازية، وعليه فإن المبالغة التي يشهدها الخطاب التحليلي في إعلامنا ومنتدياتنا السياسية عن مصر المستهدفة دائما ومخططات الهيمنة والسيطرة والاختراق تغذي في المواطن العادي الميل للتصالح مع الاستبداد خوفا من "الخطر الخارجي".
وفي وقت مبكر جدا ينبه ديوي إلى مخاطر التشبث المشبوه بمقولات السيادة المطلقة للدولة والخصوصية الحضارية هي قيود تبدو أطواق نجاة وهي في الحقيقة فخاح للشعوب لتنحاز إلى من يقمعونها وهو يعبر عن ذلك بالإشارة إلى اعتقاد أخلاقي بأن: "الديمقراطية السياسية حقٌّ أخلاقي، وإنَّ القوانين التي تستند إليها قوانين أخلاقية أساسية يجب أن يُطيعها كلُّ شكلٍ من أشكال الحكومات"، ومن اللاأخلاقي – بكل معنى الكلمة – إشاعة أكاذيب رخيصة عن الفساد الموجود في كل مكان في العالم والتطور الديموقراطي وفق أجندتنا الخاصة...وما شابه من التبريرات الخادعة.
والمؤسسات السياسية (السلطات الثلاث والصحافة والمؤسسات الأهلية) هي حسب ديوي "نتائج ومعلولات وليست أسبابًا وعِللاً"، أي التغيير والإصلاح لن يتحققا دون تغيير في الثقافة. فالثقافة هي المحرك الحقيقي والمحدد الحقيقي لوجهتنا "مهما كانت المعتقدات اللفظية التي يؤمن بها الناس"،وهذه السمة بالذات مهمة لحالة المجتمع المصري الذي يتعايش بهدوء مذهل مع ثقافة لفظية براقة تغلب عليها "اللماضة" والمبالغة والادعاء.. .. ..على طريقة المثل الشهير "كلكم يبكي... فمن سرق المصحف"، فكلنا يردد الكلمات المنمقة نفسها والكل – تقريبا – يشارك في جرائم تتناقض تمام النتاقض مع الأقوال.
ويضيف ديوي عن أهمية الثقافة: "وكلَّما تغيَّرت الثقافة فإنَّ مشكلات جديدة ستحلُّ محلَّ تلك المشكلات التي كانت تتحكَّم في تكوين شكل القوى السياسية السابق". و"الأحوال العامة التي من نوع تلك التي تتلخَّص في لفظة "الثقافة" لها دخلٌ كبيرٌ في المؤسسات السياسية"؛ والأهم في كلام جون ديوي هو قوله: "هذا اعتراف فعلي بأنَّ الأحوال البيئية قد تكون أقوى من النزعات النظرية الموروثة"، وفي الحقيقة فإن الكثير من الأشياء المتأصلة في الثقافة المصرية تساهم في منع التحول الديموقراطي وغير قليل منه تعززه الخيارات الثقافية للنخبة الثقافية المصرية.
ويطالب الفيلسوف الأمريكي بـ "إقامة حواجز معينة تمنع الأشخاص الذين يتبوَّءون مراكز تخوِّل لهم سُلطةً رسمية، من أن يعتدوا على المؤسسات الحرَّة ويُزعزعوا أركانها ويُضعفوا من أسُسها التي قامت عليها .. فالاعتراف بأنَّ الناس قد يدفعهم طول العهد بالعبودية والرِّقِّ بأن يُحبوا أصفادهم التي تقيدهم اعتراف بأنَّ الطبيعة الثانية – أي الطبيعة المكتسبة – أقوى فعلاً من الفطرة الأصيلة".
نعم يا سادة المجتمع المستبد قد يقتل في الناس فطرتهم المحبة للحرية ومجتمعنا أبوي بشكل خانق ومسكون بدرجة مقلقة بالحفاظ – بالروح والدم – على كل ما يبدو أنه تقاليد حتى لو كانت هذه التقاليد من نوع حرمان الإناث من الميراث أو ما يسمى جرائم الشرف أو .. .. ..

وللحديث بقية




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !