كلنا يعرف ويدرك ما هو الجوع .. وكيف يودي بأحشاء صاحبه في متاهات الكفر والطغيان إن طال أمده و كثر تردده .. لكن هل جربتم يوما جوعة القلب وحاجته للامتلاء !! ولا أظن أن هذه حاجة أنثوية تخصنا نحن النساء .. بل هي حاجة إنسانية تعتري المرأة والرجل على حد سواء .. فكما أن الزاد و القوت يملأ المعدة و البطن وكما أن العلم والفكر يملأ العقل فلابد من شيء ما يملأ هذا القلب .. فما الذي قد يملأ هذا القلب الصغير يا ترى !! ومن يستطيع إشباعه وسد رمقه !!
هل هو الحبيب !! أم هو قرب الصديق !! أم هم قرة العين وفلذات الأكباد من يستطيعون فقط كبح جماح هذا الجائع السقيم !! أم تكون تراها الفكرة والقضية التي يحيا المرء من أجلها ويموت أيضا من أجلها !! أم هو الوطن و الديار !! أم هي الأنا و النفس !! .. هذه والله مشكلة العالم بأسره .. وهذه المجاعة الوحيدة التي لا تلقى أي إغاثة من الهيئات الخيرية أو اللجان العاملة في أفريقيا وغيرها من الدول الفقيرة .. بل إنها متروكة ومنسية بسبب هدوء اجتياحها وصمت أصحابها المتضورين جوعا .. فمن تراه يستطيع حل هذه المعضلة التي تجتاح قلوب كل البشر بلا هوادة أو تمييز .. وهذه المجاعة القهرية التي سكنت أفئدتنا دون أي سابق إنذار ..
و أما الحبيب فدوامه محال .. فهو إما أن يفارقني أو أفارقه .. وقد يملأ قلبي النحيل برهة من الزمن بحبه وقربه ثم يعاودني الألم ويتملكني الخواء بمجرد فراقه .. و أما الخل والصديق .. فهو عني لاهي .. وبأمور حياته شارد متعب .. ومشاغل دنياه تجعل مني زاوية صغيرة بالكاد ترى من فترة لأخرى في خضم انشغالات الحياة وازدحامها .. أما أولادي .. طَلع حياتي .. ونور عينيي .. وبهجة أيامي وسنيني .. فقد اعتاد قلبي أن يكون لهم مدادا .. فأنا له الأخذ بعد العطاء .. و الويل له من لومة الأمومة الجارفة التي تسكنني وتسكن كل أم إن خطرله يوما سلبهم بذلي وتضحياتي .. وأما قضيتي وفكرتي فقد عاش لها الملايين .. ومازال غيري يحيا لذود عنها ونصرتها حتى آخر قطرة من دمه .. وما أنا بقلبي المحتاج الهائم إلا حجر صغير قابع في زاوية من زوايا هذا السد العالي .. أما الوطن الغالي .. فهو مازال لي معطي .. ولكن لهذا العطاء سقف و حدود .. فمن هو المواطن الذي لم يسلب بعض الحقوق !! ومن هو المواطن الذي لم يفسد وده لوطنه بعض القوانين الجائرة والأحكام الظالمة !! .. و أما أنت أيتها الأنا الهزيلة .. ويا أيتها النفس الضعيفة .. فأنٌا لك البذل والعطاء وسد حاجة ذاك القلب المتضور ..
ولم يبقَ لي سواك .. يا فرد يا صمد يا واحد يا أحد .. يا من عطاؤك بلا حدود .. و يا من جودك يسع الوجود .. و يا من سكن أفئدة المؤمنين .. ويا من أشبع حبه القلوب الظمآ .. وتعلقت الأرواح الهائمة في كنف حبه السرمدي الذي لا ينضب .. فمن غيرك يملأ جوف هذا القلب العليل .. ويجمع شتات هذه النفس الممزقة بين أضلعي .. فلا تحرمني من منٌك وجودك .. و تفضل علي برحمتك ورضاك .. فمن لهذا القلب الضعيف إلا أنت تملؤه بحبك .. و تسكنه بانفراد يا الله ..
سبحـــانك ..
أطيب المنى ..
التعليقات (0)