جورج كلوني و دور المثقف.
زار نجم السينما الأمريكي جورج كلوني جنوب السودان قبل أيام في إطار مهامه كسفير للنوايا الحسنة، وذلك للوقوف على حقيقة الأوضاع الميدانية قبل الإستفتاء المقرر إجراؤه في يناير 2011 لتحديد مصير إقليم دارفور.
كلوني حذر من مغبة وقوع حرب جديدة في المنطقة على خلفية الإستفتاء المذكور، ودعا صانعي القرار في العالم للتدخل من أجل الحيلولة دون وقوع حرب أهلية. كما التقى رئيس بلاده " باراك أوباما " لإبداء وجهة نظره في الموضوع. و أكد الممثل الأمريكي الشهير أنه لا يمكن تفادي الإضطراب في المنطقة إلا بتغليب منطق الديبلوماسية، و الإبتعاد عن التهديد باستعمال القوة، خصوصا و أن الحكومة السودانية لا ترى أي بديل عن وحدة كل أراضي السودان، بينما يتجه زعماء الجنوب إلى تبني خيار الإنفصال. وهذا يعني أن فرص الإصطدام قائمة بشكل جدي. و لأن جورج كلوني يعتبر أحد النشطاء البارزين ضد الحروب فإنه يستخدم صورته كوجه سينمائي معروف إعلاميا من أجل الدفاع عن القضايا الإنسانية في كل مكان.
بالنسبة لوجهة النظر التي تؤمن بالمؤامرة، فإن ما يقوم به جورج كلوني دعاية انتخابية مجانية لدعم الإنفصاليين. لكني لا أنظر إلى الأمر من هذه الناحية إطلاقا، فهذا الممثل الأمريكي الكبير يقدم دروسا و أمثلة عن الدور الحقيقي الذي ينبغي أن يضطلع به المثقف في مجتمعه. و هو عندما يتحدث عن ضرورة التدخل لتفادي الحرب في جنوب السودان، فإنه يعبر عن رفضه لسياسات الإدارة الأمريكية التي دأبت على استخدام القوة العسكرية في عدد من مناطق العالم كما هو الشأن في العراق و أفغانستان. لذلك فإن صوته يترك أثرا ضروريا في ردهات القرار السياسي الأمريكي حتى ولو على سبيل الإرباك و الإحراج. و هو ما يفسر الإهتمام الإعلامي اللافت لكبريات المحطات التلفزيونية في الولايات المتحدة بتصريحاته.
إن جورج كلوني يعبر عن صورة " المثقف العضوي " بلغة " غرامشي" . ذلك المثقف الذي يحاول أن يكون فاعلا في المجتمع ليس من خلال إنتاجه الثقافي فقط، بل عبر حضوره في توجيه الرأي العام و تغيير العقول و الأفكار و الدفاع عن المستضعفين و التنديد بالظلم و العنف. و هي الصورة التي تتجاوز الحدود النمطية لدور المثقف التقليدي الذي يمارس تأثيرا محدودا لأنه يتعالى عن الواقع الإجتماعي. لذلك فإن الدور الحقيقي الذي ينبغي أن يضطلع به المثقف هو الوقوف في صف الحق و الدفاع عن السلم و الحرية. أما ذلك الذي يخاطب الناس من برجه العاجي و لا يقترب من همومهم فإنه غير ملتزم بقضاياهم، لأن الإلتزام يقتضي التسلح بالقدرة على النقد و المساهمة في تغيير الواقع عبر الإنخراط الفعلي و الصادق، و ليس عبر ترديد الشعارات و رفع اللافتات فحسب. محمد مغوتي.16/10/2011.
التعليقات (0)