مواضيع اليوم

جوته..بتهوفن..الفن والموسيقى والحياة

سلطان الصبحي

2009-07-03 11:01:11

0

لودفيج فان بيتهوفن راعي الاوله

 

كلمة "رومانتيكية" مشتقة من كلمة رومانس "Roamnce " أي رواية غرامية أو قصة خيالية ، ولقد أطلق هذا الاسم على الإنتاج الفني الذي

ولد في الفترة ما بين النصف الثاني من القرن الثامن عشر حتى نهاية القرن التاسع عشر تقريبا لما اتسمت به تلك الأعمال من الإفراط في

العاطفية وسرحات الخيال البعيدة.


الموسيقى ما بين العصرين

 


ولما كان من العسير جدا وضع تعريف واضح موجز لسمات "الرومانتيكية" في الموسيقى فسنلجأ إلى المقارنة بين ما استحدثه وما أضافه هذا

التيار الجديد، فالشكل "الكلاسيكي" مقفل محدد بينما هو في الأسلوب الرومانتيكي مفتوح ولا تبدو فيه الحدود واضحة.

أيضا فإن الأسلوب الكلاسيكي أقرب إلى الاتجاه العقلي والمنطق بينما يجنح الفن الرومانتيكي نحو آفاق الخيال الواسعة وباختصار فإن الفن

الكلاسيكي يتميز بالوضوح في حين أن الفن الرومانتيكي يميل إلى الغموض.

ولقد تغير الأسلوب الموسيقي تغيراً أساسياً خلال القرن التاسع عشر نتيجة للتغيرات الكبيرة التي طرأت على المجتمع الأوروبي بسبب الأحداث

السياسية والثورات الصناعية والعلمية التي حدثت في ذلك العصر.

ومن جهة أخرى لم تعد الموسيقى وقفا على الطبقة الأرستقراطية بل أصبحت تعتمد على الطبقات المتوسطة وعلى رخائها وازدهار تجارتها،

ولكنها لم تصل بعد إلى الطبقة العاملة كما حدث في القرن العشرين فقد احتفظت الموسيقى بموقف وسط.

وأصبح الانتشار شرطا أساسيا لبقاء الموسيقى وفي هذا القرن ظهرت عدة عوامل ساعدت على تحقيق هذا الانتشار مثل الحفلات العامة

وتأسيس الأوركسترات السيمفونية غير التابعة للأمراء والنبلاء وكذلك مجاميع الرباعيات وحفلات الغناء بأنواعه وعزف البيانو أو الآلات

الأخرى وإنشاء دور الأوبرا العامة وإقامة مهرجانات الموسيقى كل هذا إلى جوار وسائل الانتقال الجديدة وصدور الجرائد اليومية التي كانت

تخصص ساحات للنقد وما حدث من تحسينات في سرعة الاتصال بين الدول بواسطة البريد والتلغراف.

وترتب على ذلك ازدياد طباعة الكتب والمدونات الموسيقية وانتشار تعليم الموسيقى وإقبال الجماهير على الاستمتاع بالموسيقى والفنون عامة.

مشكلة الفن الهابط ( فن هز ياوسط )

على أن هذا الاتساع الكبير في الأنشطة الفنية كان له مساوئه وأخطاؤه، فكثيرا ما خضع الفن للتجارة واستغل من الناحية المادية أسوأ استغلال

وترتب على ذلك هبوط المستوى وضياع الغاية.


وفي نهاية القرن التاسع عشر ظهرت موسيقية جماهيرية ملوثة بفساد الذوق وإلى قدر لم يسبق له مثيل من قبل، واتجه البعض بإنتاجهم نحو

الآثار الحسية وإشباع الأذواق المبتذلة سعيا وراء الكسب المادي. ووش نقول الحين أجل ... يمكن للقارئ الكريم متابعة أحد القنوات الفضائيه

الخاصه بالاغاني .. وانتبه لا تكثر متابع لأنك ستصاب بالغثيان . pb094 .

وعلى الرغم من كل هذه المساوئ فقد بلغ تقديم الموسيقى الرفيعة الجادة للجماهير نجاحاً لم يسبق له مثيل إذ تخصص عازفون بارعون في


تقديم مؤلفات كبار الأعلام "للبيانو" أو "للفيولينة" إلى جانب العديد من مغني الأوبرا ممن حباهم الله بصوت جميل.... وهم حتى في زماننا ذا


موجودين ولكنهم يترنحون وسط الكم الهائل من الخنبقه والطقطقه اللي مالها سنع ..

وهكذا شاعت معرفة التراث الموسيقي الذي تجمع خلال قرون ولم تعد معرفته قاصرة على دائرة من الهواة أو المحترفين .

ومن جهة أخرى فقد كان لعلم البحث العلمي الموسيقي Musicology”" دور هام في التنقيب في المؤلفات الضائعة أو المنسية وتفسيرها

وتقييمها وفي كتابة تاريخ الموسيقى كما ازدادت أهمية النقد الموسيقي وأصبح للناقد وكاتب المقال في الجريدة قوة لا يستهان بها في توجيه الجماهير.

وكما سبق وذكرنا أن الموسيقى في العصر الكلاسيكي كانت خاضعة تماما لرعاية طبقة النبلاء أما في القرن التاسع عشر فلم تعد مهمة

الموسيقي مقصورة على الترفيه عن عائلات الأمراء وسكان القصور بل أصبحت في رعاية الطبقة المتوسطة التي كانت قد نهضت اجتماعيا

وثقافيا بفضل الثورة الفرنسية التي أثرت في العالم كله وكانت ثورة ضد الطغيان الإقطاعي لصالح الطبقات المتوسطة والدنيا.

وتعتبر الحركة الرومانتيكية من نتائج ظهور هذه الطبقة البورجوازية الجديدة، فكانت الموسيقى الرومانتيكية أوضح تعبيراً عن انفعالات الإنسان

مع آلامه وأفراحه وتحتوي على عناصر درامية تهدف إلى التعبير عن الحياة بحلوها ومرها وأصبح دورها إنسانيا بعد أن كان في العصر

الكلاسيكي جوهرا موسيقياً بحتاً.

ولعل ارتباط الحركة الرومانتيكية بالبيانو لم يأت بمحض الصدفة فلم يكن في استطاعة آية آلة أخرى القدرة على التعبير عن الموسيقى العاطفية

التي كتبها مؤلفو ذلك العصر بمثل الروعة التي يحققها استعمال البيانو، فلم تكن الآلات الأخرى بأصواتها الشحيحة وألوانها الباهتة صالحة

لأداء موسيقى العصر الرومانتيكي إذا قورنت مع صوت البيانو بعد أن أصبحت الأصوات أو مضاعفة قوتها ورنينها بواسطة دواسات أو بدالات

البيانو وكان هذا الرنين بالذات مناسبا وروح الموسيقى للعصر الرومانتيكي ومن جهة أخرى فإن المفعول الذي تحدثه هذه الدواسات هي التي

أوحت بالاسم الذي أطلق على هذه الآلة فالكلمة الإيطالية "FORTE" معناها صوت قوي و"piano" معناها صوت منخفض وهكذا سميت هذه

الآلة "فورتي بيانو" و"forte Paino " وتختصر إلى بيانو.

 

علاقة الطغيان والخيال

 


وربما كانت الأحداث السياسية التي سببها طغيان نابليون بونابرت هي التي أوجدت عند الفنانين الرومانتيكيين ذلك الميل إلى اللجوء إلى عالم

الخيال والعاطفة وفي هذا الوقت أيضا اشتعل كفاح اليونانيين للتخلص من الحكم التركي وكذلك قامت ثورة البولنديين ضد الاحتلال الروسي

لبلادهم ووفرة من الأحداث المثيرة الأخرى.

وفي العصر الرومانتيكي اهتم المؤلفون بابتكار تركيبات صوتية من شأنها أن تصور الضوء الساطع البراق كالنهار أو الظلام الدامس كالليل وما

بينهما من فجر وغسق.

وفي العصر الرومانتيكي أصبحت الموسيقى مرادفة لكلمة الشاعرية فقد كان من أهم أهداف موسيقى ذلك العصر أن تصعد بالمستمع إلى عالم

الخيال الفسيح وإثارة رغبة التأمل داخله.

وفي عالم الموسيقى الرحب يندر مصادفة ألحان لها قدرة على إثارة أقوى العواطف أو إسالة الدموع أو بعض البهجة والانشراح مثل ما نجد في

 

أعمال مؤلفي العصر الرومانتيكي.

أبرز المؤلفين في ذلك العصر:

لودفيج فان بيتهوفن 1770-1827 Ludwig Van Beethoven

ولد بيتهوفن في مدينة "بون" الألمانية، وكان والده قاسيا يجبره على التدريب على عزف البيانو ساعات طويلة دون رحمة ويضربه إذا توقف

وكانت طفولته تعيسة ولما بلغ السادسة قدمه في حفلة ليعزف منفردا وفي الثانية عشرة التحق بالعمل مع صديق لوالده كان عازفا في البلاط

القيصري فاكتسب خبرة كبيرة في العزف والغناء.

ولما بلغ السابعة عشرة انتقل إلى فيينا والتقى بموتسارت وأخذ منه بعض الدروس في التأليف ولفتت عبقريته نظر موتسارت فقال لأصدقائه:

"التفتوا إلى هذا الشاب فسوف يحدث ضجة في عالم الموسيقى".

وفي هذه الفترة توفيت والدته فعاد إلى بون، ولما بلغ الثانية والعشرين انتقل إلى "فيينا" ثانية وتتلمذ على يد "هايدن"، إلا أن عبقريته كانت

تفوق قدرات أساتذته دائمًا.

وأصبحت "فيينا" مقره الدائم، وبدأ صيته يذيع والتفت حوله مجموعة من الأصدقاء ذوي المكانة الرفيعة في المجتمع كما ارتبط بالشاعر

والفيلسوف "جوته" بصداقة متينة، وبدأ الصمم يسري إلى سمعه وهو في نهاية العشرينات من عمره، وهو ما سبب له آلاماً نفسيه مبرحة.

وسرعان ما برزت مواهبه كعازف ومؤلف وذاع صيته فرحبت به العائلات الأرستقراطية الكبيرة، ولكنها وضعته في منزلة الخدم كما كان

بالنسبة "لهايدن"، و"موتسارت"، إلا أن "بيتهوفن" لم يقبل ذلك، فكان أول موسيقي يتمسك بتلك النزعة التحررية ويقف في وجه العادات

القديمة الراسخة؛ وهو ما أدى إلى رفع منزلة الموسيقيين الألمان لا في زمانه فحسب بل بعد ذلك أيضًا، وهو ما زاد من جلال فن الموسيقى.

وكان بيتهوفن في شبابه ديمقراطيًا مقتنعًا بالنظام الجمهوري متحمسًا لشعار الثورة الفرنسية "الحرية" و"الإخاء"، و"المساواة" كما كان

معجبًا إعجابًا فائقًا بنابليون حتى أهداه أحد مؤلفاته الرائعة سيمفونية "أرويكا"، ثم أصيب بصدمة عنيفة عندما وصلت الأنباء إلى فيينا بأن

نابليون قد نصب نفسه إمبراطورًا على فرنسا، فمزق في ثورة غضب عنيفة ذلك الإهداء الذي كتبه على الصفحة الأولى من مخطوطة تلك

السيمفونية.

ومن أشهر سيمفونياته الخامسة وقد وصفها بأنها "ضربات القدر"، وفيها يعلن انتصاره على مصاعب الحياة.

وسيمفونيته التاسعة "الكورال" التي استقرت 6 سنوات، ويعد الكونشرتو الخامس "الإمبراطوري" أعظم ما كتب للبيانو.

يوهان براهمز 1833 – 1897 HOHAN BRAHMS

أهم ما قيل عنه أنه استمرار لبيتهوفن أي أن السيمفونية الأولى لبراهمز يمكن اعتبارها السيمفونية العاشرة لبيتهوفن ولم يكن كالرومانتيكيين

في نزواتهم العاطفية فقد كان يخشى أن تشغله المرأة عن فنه.

ولد يوهان براهمز في مدينة هامبورج بألمانيا وكان والده عازف "كونترباص" في أوركسترا الأوبرا بها.

تعلم العزف على البيانو من صغره، وكان في شبابه يساعد العائلة بالعزف في المقاهي وحفلات الرقص ولكنه لم ينقطع عن دراسة النظريات

والعلوم الموسيقية.

ولما بلغ العشرين كانت موهبته كعازف بيانو قد نضجت فقرر أن يقوم بجولة في مختلف مدن ألمانيا يعزف منفردًا في الحفلات.

وفي عام 1859 قدم كونشرتو البيانو الأول واختلفت حوله الآراء كثيرًا وبعد فترة انتقل إلى سويسرا حيث أقام سنتين ووجد ناشرًا لمؤلفاته

وطلبة عديدة له.

وفي عام 1862 عاد إلى فيينا ليستقر فيها نهائيًا بعد أن قدم كثيرًا من أعماله وتوطد مركزه الموسيقي.

كان براهمز إنسانًا بسيطًا لا يسعى وراء الدعاية لنفسه أو لأعماله يحب الطبيعة ويحب مجالسة الأصدقاء ولكن على شرط ألا يشغلوا وقته عن

التأمل والتفكير فيما يكتب.

ولا تثير مؤلفات براهمز الإعجاب من أول مرة – ولكنها من النوع الذي كلما ازداد الاستماع إليها ازداد فهمها وبالتالي الإعجاب بها.

وأهم مؤلفاته تشمل على أعمال للكورال والأصوات المنفردة والأوركسترا التي كتبها على أشعار وقصائد كل من "شيللر" و"جوته"، و4

سيمفونيات و2 كونشرتو للبيانو والأوركسترا بالإضافة إلى 190 أغنية وسبعة مجلدات من الأغاني الشعبية الألمانية التي أعاد صياغتها. وفي

عام 1897 تُوفي براهمز بسرطان الكبد بعد صراع مرير ضد هذا المرض.


جوهان فولف جانج جوته "Goethe"

 

 

ولد جوهان فولف جانج جوته "Goethe" في 28 أغسطس سنة 1749 في فرانكفورت المطلة على نهر "الماين".

كان والده مستشارًا للقيصر فكان رجلاً متعلمًا، طموحًا وكثير الأسفار.

وكان لأم جوته وأخته من بعدها أثر بالغ في حياته وقد قال جوته واصفًا أثر عائلته عليه:

- لقد ورثت عن أبي النظرة العميقة الجادة للحياة، وورثت عن أمي استمتاعها بالطبيعة النضرة والحياة!

عند بلوغ جوته السادسة عشرة من عمره رحل إلى "لايبزج" لكي يدرس هناك الحقوق إلا أن هذا النوع من العلوم الجافة لم يكن ليناسب هذه

الروح المبدعة المتمردة فكان أن أخذ دروسًا في الرسم وأيضًا درس كتابات "فينكل مان" والتي ساهمت في تعريفه بالمعايير الفنية للحضارة

اليونانية الرومانية القديمة.

رحل جوته بعد ذلك إلى "ستراسبرج" كي يتم بها دراسة الحقوق حيث كانت هذه الرحلة نقطة تحول في حياته كشاعر وفنان إذ إنه التقى أثناء

هذه الرحلة بالشاعر هردر وكذا إحساسه بالحب لأول مرة في حياته.

لقد اعتنى هردر بأن يقدم لجوته الكيان الحقيقي للشعر فأوضح له أن الشعر الحقيقي يجب أن يكون ناتجًا عن تجربة خاصة حتى لا يكون

صناعيًا متكلفًا.

إلى جانب ذلك جعله هردر يتذوق الجمال الحقيقي للأدب الشعبي.

هذه الأسس التي لقنها هردر لجوته وتجربة إحساسة بالحب لأول مرة جعلت ينابيع الفن تتدفق بداخله ويكتب قصائد تفيض بالمشاعر

والأحاسيس.

بعد هذه الرحلة عاد جوته ثانية إلى بلدته (فرانكفورت) حيث أخذ يمارس مهنة المحاماة وأثناء إقامته في (فيتسير) التقي بحبه الثاني إلا أن هذه

المرة أخذ شكل المأساة حيث أنه قد احب خطيبة أحد أصدقائه الأمر الذي دعاه إلى كتابه رائعته (آلام فارتر) حيث كانت تحكي هذه الرواية نفس

تجربته الشخصية فقد عاش بطل هذه الرواية نفس تجربة جوته إلا أنه أقدم في النهاية على الانتحار.

لاقت هذه الرواية نجاحاً كبيراً حتى وقتنا هذا و بلغ تأثيرها أن أقدم كثير من الشباب على الانتحار ناهجين مسار بطل الرواية البائس (فارتر).

سافر جوته بعد ذلك إلى سويسرا ومنها إلى (فايمر) و هناك وطد صلتة القوية الطاهرة بالسيدة شارلوت فون ستاين والتي كانت أم لسبعة

أطفال. وقد وصف جوته هذه العلاقة (لقد كانت علاقة مقدسة طاهرة حتى أن الكلمات لا تستطيع أن تعبر عنها).

وكما تعودنا تفجر هذه العلاقة ينابيع الفن عند جوته فيكتب كثيراً من أعماله الناجحة منها: ايفيغينيا، فيلهلم مايستر، ومقدمة لجمونت.

وكما نلاحظ فإن جوته في مختلف مداخل حياته يعيش مثل النحل إذ أن إنتاجها دائما ذو قيمة عالية مع اختلاف مصادره والبيئة التي يعيش فيها.

كان جوته في هذه المرحلة من اتباع الاتجاه الأدبى السائد في ذلك العصر (العاصفة والتيار).

وكان يمثل الثورة على اتجاه آخر سابق له ويسمي ب (عصر التنوير) حيث كان هذا الاتجاه يبرز العقل في كل نواحيه أو كما يطلق عليه (عصر

الدليل المادي) فعلى الإنسان أن لا يؤمن بشيء إلا إذا كان يمكن إقامة الدليل على وجوده.

أما الاتجاه الذي كان جوته أحد اتباعه (العاصفة والتيار) كان يقدم المشاعر والأحاسيس على كل الاعتبارات ويعطى حرية التعبير اهتماما كبيراً.

فإذا نظرنا ملياً إلى هذا الاتجاه وجدناه اكثر ما يناسب مرحلة الشباب بما فيها من انطلاق وحرية وقدرة على التعبير والتغير وبما أن ذلك التيار

صادف مرحلة الشباب عند جوته فكان من الضروري أن يكون هو من أهم المنتمين لة والمنتجين فيه.

إلا أنه وما كاد جوته يترك مرحلة الشباب إلى مرحلة النضج حتى شعر انه بحاجة لدافع جديد ومحرك لفنه وهذا ما كان في رحلته إلى إيطاليا.

لقد حدث في هذه الرحلة ما قلب حياه جوته رأسا على عقب فتحول جوته من الاتجاه الأدبي (العاصفة والتيار ) إلى (الكلاسيكية).

و(الكلاسيكية) اتجاه يطلق على الأعمال الأدبية التي تسير على نهج الحضارة الرومانية اليونانية القديمة والتي كانت تتسم بالكمال الأدبي

البسيط والغير متكلف.

وفي هذه الرحلة أحتك جوته بالأدب والفن الروماني اليوناني القديم واتخذ من أدباءه مثله العليا مثل هومر ، سوفكليز.

وهناك أتم جوته عمله الأدبي (إيجمونت) وكتب أعمال أخرى وأهتم أيضاً بكثير من أبحاث علم النباتات.

صداقة قوية

بعد رحلة جوته إلى إيطاليا التقي ب"شيللر" والذي كان يصغره بحوالي 10 سنوات إلا أن أواصر الصداقة لم تجمع بينهم في ذلك الوقت فلقد

كان جوته منتمياً للاتجاه الكلاسيكي وكان شيللر منتمياً لإتجاه (العاصفة والتيار).

ولم يلبث أن يجمع القدر بينهما مرة أخرى في صداقة قوية كان من نتاجها العمل الأدبي (إكسين) الذي جمع بين عقل حر متفتح على العالم

يعشق الضيعة بكل ما فيها من تمرد وتهور وجمال وبين عقل هو أقرب ما يكون للنموذجية في الفكر والرأي والروح والعمل.

وفي هذه الأثناء عاود جوته العمل في الجزء الأول من رائعته (فاوست) والتي انهي الجزء الأول منها بعد موت شيللر في 1808 ثم انتهي من

الجزء الثاني منها في عام وفاته 1832 حيث كتب في هذه الفترة أروع الأعمال مثل (الديوان الغربي والشرقي) والذي تأثر فيه بالأدب والفكر

العربي والفارسي والإسلامي وكتب أيضاً (الأنساب المختارة) وغيرها من الأعمال.

مات جوته وحيداً بعد موت زوجته وولده ودُفن إلى جانب شيللر في (فايمر).

وكتب على شاهد قبره

"وعلى شاهد قبرك سيقرأ الناس :

إنك كنت بحق إنساناً"

 


جوتة وسحر الشرق


كان جوتة كثير التأمل في فنه ودائب السعي إلى معرفة كنهة وقد عثر في خطاب لة إلى

 

(الكسندر فون هومبولت) عما يتمكن ان نسميه المفهوم الملخص لشخصة قائلاً:

" صحيح أنني في حياتي الطويلة أنشأت ما أنشأت وأنجزت ما أنجزت من أعمال، قد يحق لي على كل حال


أن أفخر بها. وإذا أردت الصدق مع النفس أقول إنه لم يكن من شئ خاص بي (في عملية الإبداع) إلا الميل والقدرة على المشاهدة والاستمتاع

والتمييز والاختيار، وبث الحياة فيما شاهدته وسمعته بشيء من روح، وبالتعبير عنه بشيء من مهارة. إنني لا أدين مطلقاً بأعمالي إلى حكمتي

أنا بل أدين بها إلى آلاف من الأشياء والأشخاص غيري قدموا إلى المادة لـ"إنشاء" هذه الأعمال.

فكما نرى موهبة جوته لم تأت من فراغ وإنما ظهرت عن طريق كثرة البحث وحب المعرفة والتعطش إلى العلم والإطلاع على ما أنتجه الآخرين من تجارب.

كان من أكثر ما ميز جوته عن كثير من أدباء الغرب الإطلاع على الأدب العربي الثري وألف ديوان سبق ذكره (الديوان العربي الشرقي) بل اكثر


من ذلك فكتب مسرحية عن (محمد صلى الله عليه وسلم) وصفه فيها بأنه جاء بأفكار عالمية جديدة ليشيع السلام والمساواة والإخاء في العالم

 

حتى إنة قال في الإسلام :

يا لحماقة البشر عندما

يصر كل منا على رأيه

إذا كان الإسلام معناه

أن نسلم امرنا لله

فعلى الإسلام نعيش ونموت كلنا

 


تأثر جوته بالفكر الأدبي العربي فبعد ترجمة جوته مسرحية (محمد) لفولتير بدأ في كتابه مسرحية عن محمد صلى الله عليه وسلم إلا انه لم يتم

كتابتها وقد وجدت بعد وفاته مخطوطات بها مشاهد من هذه المسرحية والتي يظهر منها ان جوته أراد أن يكتب نصاً منصفاً عن هذه الشخصية

العربية الإسلامية العالمية حتى إنه صور النبي صلى الله عليه وسلم هادياً للبشر في صورة نهر يبدأ التدفق رقيقاً هادئاً ثم لا يلبث أن يندفع في

شكل سيل عارم آخذاً معه البشرية نحو النهر المحيط (رمز الألوهية).

فيقول:

وهكذا يحمل إخوانه

أحبائه وصغاره

إلى الخالق المنتظر

بقلب عاصف بالسرور


ويتضح مما سبق لنا أن جوته كان مهتماً بالثقافات المختلف منها الإيطالية والفرنسية والإنجليزية واليونانية وحتى الصينية، ويرجع اهتمامه


بالأدب الشرقي خاصة إلى الظروف السياسية الموجودة في عصره حيث انهارت المملكة الألمانية وتفككت بعد اجتياح نابليون للبلاد وانهارت في


العام ذاته بروسيا عسكرياً وأخلاقيا فأصبح الطريق أمام نابليون ممهداً لدخول برلين دون ادني مقاومة مما ترك أثرا سلبياً على جوته الأمر الذي


دعاه لأن يتواجد فكرياً في مكان آخر بعيداً عن هذه البيئة المدمرة حتى انه كتب قصيدة بعنوان (الهجرة) فقال فيها:

 

"الشمال والجنوب أقطارها تتصدع وعروضها تزول، وممالكها تنار

اهرب ، اهرب أنت إلى المشرق الطهور،

واستنشق الهواء المعبق بعطر الآباء".

 

وهذا ما حدث،فقد أنشغل جوته بالأدب الشرقي ومنها الأدب الصيني والفارسي بل والعربي أيضاً.

وكان قد تعرف على الشاعر الفارسي (حافظ الشيرازى) من خلال الترجمة الألمانية التي قام بها المستشرق (هامر بورغشتال)ـ لبعض قصائد

حافظ وعندما قرأها امتلأت نفسه إعجاباً بقوة الشعر الفارسي فقال مادحا حافظ:

فلتكن الكلمة هي العروس،

ولتكن الروح هي العريس

من ينشد في مدح حافظ

فقد شهد هذا العرس


وكذا قرأ جوته لشعراء فارسيين آخرين منهم: الفردوسي، جلال الدين الرومي وأيضًا السعدي. أما اهتمامه بالآداب العربية فلم يكن بالشيء


الحديث فقد قرأ جوته لكثير من شعراء الجاهلية مثل امرئ القيس، طرفة بن العبد، زهير بن أبي سلمى، عنتره بن شداد وأيضًا عمرو بن كلثوم.

 

كما أن جوته لم يكتفي بالقراءة في الشعر العربي فقط بل قرأ أيضًا في النحو والصرف فقد كانت روحه متعطشة دائمًا للعلم والمعرفة خارج حدود

المكان والزمان حتى أنه توجد مخطوطات حاول فيها جوته محاكاة وتقليد الخط العربي.

أما عن (الديوان الغربي الشرقي)، (الديوان الشرقي للشاعر الغربي) فلم يظهر فيه الأثر العربي فقط على شعر جوته وإنما ظهر فيه أيضًا بعض

الكلمات العربية حتى أن جوته الحق بالديوان فصلاً ضخمًا يتضمن معلومات شارحة لموضوعاته و معلومات عن الشعر الفارسي والعربي حتى

يستطيع القارئ الألماني أن يفهم هذا العمل.

والأكثر دليلاً على ذلك استخدام جوته لكلمة (ديوان) وهي كلمة عربية ذات أصل فارسي وغير شائعة الاستخدام في اللغة الألمانية مما يؤكد


رغبته في إضفاء الروح العربية على هذا العمل.

ظهرت أولى طبعات الديوان عام 1819 وقسمة جوته إلى أثنى عشر سفرًا.

الشادي ، حافظ ، الحب ، التأمل ، الحزن ، الحكم ، تيمور ، زليخة ، الساقي، الأمثال، الفارسي ، والفردوس.

ويظهر في هذا الديوان الكثير من التشبيهات العربية والغريبة في نفس الوقت على القارئ الألماني وأيضًا الكثير من القرآن لغة ومضمونًا:

مثل قصيدته:

"لله المشرق، ولله المغرب،

والشمال والجنوب،

يستقران في سلام يديه"

ونراه أيضًا يصف الجنه وشهداء المسلمون والرسول (صلى الله عليه وسلم) فيقول:

"إن موتاه يجب أن يحزنوا على الأعداء لأنهم يرقدون بلا عودة

أما إخواننا فلا يجب أن نحزن عليهم

إنهم يتجولون في السماء".

 

ويقول أيضًا واصفًا حوريات الجنة (الحور العين)

"وتهب الآن رياح لطيفة من الشرق

يقودها حوريات الجنة،

تجد المتعة في النظر إليهن، بالطبع النظرة إليهن كافية"


ونجد أيضًا في سفر (زليخة) وهو أضخم الاسفار في الديوان العديد من الكلمات العربية مثل:

الهدهد والبلبل ويكتبها جوته على صورتها العربية فيقول مثلاً:

"أسرع، يا هدهد،

أسرع إلى الحبيبة،

وبشرها بأني، دائمًا لها وأبدًا،

ألم تكن في الأيام الخوالي،

رسول غرام بين سليمان الحكيم وملكة سبأ؟".


و قرأ جوته أيضًا لبعض الشعراء المسلمين فيذكر في قصائد ديوان أسماء "جميل بثينة" و"مجنون ليلى "و"المتنبي"، لذا فإذا كان الشيرازي


هو النبع الأول الذي أرشد جوته في إنتاج هذا العمل الأدبي الضخم إلا أن الأدب العربي ولا شك كان من أهم المصادر التي ساعدت جوته على

إتمامه.

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !