في معرض الحديث عن حياة رئيس أميركا الجديد، ذكرت زوجته أن أوباما لا يملك سوى أربع بذلات وأنه يلبس جوارب مقطعة، السناتور جواربه مقطعة، إلا أن هذا لم يمنعه من أن يطلب العلم في هارفرد ويتولى في عمله الدفاع عن الحقوق المدنية ويحارب التمييز بفلسفة عمادها الدعوة للتغيير، ثم الفوز بنسبة ترشيح غير مسبوقة.
الرئيس أوباما أيضاً يخطط لأن ينتقل إلى بيت الرئاسة مصطحباً جدة بناته لكي لا يعتمد على مربية للأطفال، فهو يقول إنه تقليدي في هذه المسائل، وتقليديته تمنعه من أن يعتمد على خادمة أو مربية، وزوجته خريجة هارفرد توصل ابنتيها بنفسها للمدرسة.
هذه المدرسة ليست خاصة بالنخبة، وكل يوم أربعاء على ابنتي الرئيس أن تُحضرا الخضار من بيتهما إلى المدرسة، لإعداد وجبة حساء كبيرة تسلّم لمطبخ خيري يوزعها على الفقراء والمساكين!
هكذا يفتش كثير من الناس في الدول المتقدمة عن المعاني الجوهرية للحياة التي ترتقي بإنسانيتك وتجعل القيم الإنسانية فوق كل ما هو مادي. أما أخبارنا نحن العرب فلا تقودك إلا إلى ما هو استهلاكي وتجعلك فرداً مستهلكاً بلا معنى.
الإحصاءات الخليجية تقول إن الإماراتيين أنفقوا 300 مليون درهم في الجمعيات الاستهلاكية، وهي بقالات مثل السوبر ماركت، في اليومين اللذين سبقا رمضان، من خلال 450 ألف عملية شراء، أما السعوديون فهم الأعلى نسبة في استهلاك منتجات التجميل والسيارات والأجهزة الخليوية. المشروبات الغازية تحتل المركز الأول في نسبة استهلاك الإمارات والسعودية أيضاً، أما معدلات هدر الكهرباء فالسعودية تهدر ما يبلغ 45 في المئة من الكهرباء!
هذا الشغف الهائل بالاستهلاك لا يقودنا فقط إلى حياة من الرفاهية الفارغة من المعاني الرفيعة للحياة، لكنه أيضاً يضعنا في المراتب المتقدمة للإصابة بالأمراض كالسمنة والسكر والضغط، خصوصاً لدى الأطفال. فالكويت تحتل المركز الثاني في السمنة والسعودية ثالثة!
الحقيقة أن إسرافنا الشديد في التجمل والأكل وهدر الطاقة، هو طاقة لم تجد مكانها في الترشيد ولا في التوعية، نُراكم الأشياء في بيوتنا وفي حياتنا وفي بطوننا لكي يصمت شيء آخر، هل هو الشعور بالهزيمة أم بقلة القيمة؟ لكننا في نهاية الأمر نحتل المراكز الأخيرة في المهن الذكية وفي البحث العلمي وفي التعليم، والأدهى من هذا أن حياتنا تصبح فارغة من كل معنى، فتخمة الجيوب التي لا تعرف طريقاً إلا للبطون هي تخمة لا تؤدي إلا إلى السأم والبطالة. وبينما رئيس أميركا لا يشعر بالنقص لأن جواربه مقطعة، فقد سمعت سيدة في إذاعة خليجية تشكو حالها للمذيع وتقول، «تصوّر ما عندي فلوس لراتب شغالة»!
يقول أوباما في حديث له: «ما أدركته هو أن الحياة لن تكون لها قيمة كبيرة ما لم ترغب في لعب دورك البسيط لكي نخلّف لأبنائنا، كل أبنائنا، عالماً أفضل. فتلك هي مسؤوليتنا النهائية كآباء ووالدين».
ترى ما هي الدروس التي نعلمها نحن لأبنائنا؟
بدرية البشر الحياة - 10/01/09//
التعليقات (0)