اختار محمد جهيد يونسي الذي انقلب على شيخه عبد الله جاب الله الربع ساعة الأخير ليعلن عن نفسه مرشحا للحركة التي يرأس أمانتها العامة للرئاسيات المقبلة، وكان في الرئاسيات الماضية إلى جانب المرشح جاب الله الذي بقي وفيا له في "محنة" حركة النهضة ومن أشد أنصاره وانتقل معه من النهضة إلى الإصلاح قبل أن يفعل به ما في الحركة الجيدة ما فعله الأمين العام الأسبق لحركة النهضة الحبيب آدمي أثناء أزمة النهضة الكبيرة التي ولدت من رحمها حركة الإصلاح الوطني. ولئن جفت منابع قوة حركة النهضة بعد ذهاب "الشيخ" ولم تدم أيام الحبيب آدمي طويلا على رأس الحركة ومرغت في الأوحال عند كل استحقاق انتخابي، فإن حركة الإصلاح كادت تعرف نفس المصير من خلال نتائج الانتخابات التشريعية الماضية، وربما هذا ما جعل يونسي يحاول اللعب بطريقة جديدة من أجل الوصول بتجربته السياسية الشخصية وبحركة الإصلاح إلى بر الأمان.
محمد جهيد يونسي الدكتور في أحد التخصصات التقنية، وجد نفسه إلى وقت طويل أسيرة شخصية الشيخ عبد الله جاب الله الذي فرض عليه اللعب في مراتب ثانوية، فالتقني بقي تحت سلطة خريج معهد القانون طويلا ومازال تأثير ذلك واضحا حتى في طريقة الكلام وأسلوب الخطابة، فمن يستمع إلى يونسي وهو يتكلم في الإذاعة مثلا يخال نفسه يستمع إلى عبد الله جاب الله الذي لم يكن مروره سهلا على حركة النهضة والإصلاح وحتى على مستوى الإطارات، ومع المأزق الذي وجد يونسي ومن معه فيه وشبح مصير حركة النهضة يطاردهم في كل لحظة، بدأت الأصوات تتهامس عن إمكانية العودة مرة أخرى إلى عباءة الشيخ بحثا عن دفء مفقود، فمن الأفضل أن تكون رقم هامشي في هيئة كبيرة على أن تكون رقما أساسيا في تنظيم ميت، والدكتور محمد جهيد يونسي الذي كان تحت عباءة "الشيخ" تبوأ مناصب لا يحلم بها وهو الرقم الأهم في العهد الجديد، فقد كان نائب لرئيس المجلس الشعبي الوطني عندما كانت الحركة تحوز على أكثر من أربعين مقعد في البرلمان.
لقد وجد خصوم الشيخ الذين طردوه من نعيم زعامة الحزب أنفسهم في ورطة عند أول امتحان حقيقي لهم مع الانتخابات التشريعية الماضية، ومن شدة يأسهم فكر البعض في العودة إلى عباءة الشيخ، وكأني بهؤلاء يردون السير عكس حركة التاريخ بمحاولة العيش الأبدي داخل "جلباب" الأب على حد تعبير الكاتب إحسان عبد القدوس. وجد يونسي الذي سبق وأن اختاره الشيخ المطاح به، رئيسا لـ"هيئة التفكير والدراسات" عاجزا عن التفكير في كيفية الخروج من مأزق الانقراض، وتداولت الألسن فكرة التحالف أو الوحدة بين حركي الشيخ السابقتين (النهضة والإصلاح) وربما ترشيح الشيخ جاب الله باسم الحركتين حتى يعود الزعيم من البوابة الخلفية يحكم تلاميذه الذين خرجوا عن طاعته، وكمل ذلك لم يتحقق وساد اعتقاد بأن الإسلاميين يغيبون لأول مرة عن الانتخابات الرئاسية من خلال مرشح باسم أحد أحزابهم، ثم ظهر إلى العلن محمد السعيد الذي حاول استثمار قاعدة الإسلاميين، وفجأة ظهر على السطح اسم الدكتور محمد جهيد يونسي الذي أرهقه واقع حال حركة الإصلاح ومآل الحركة الإسلامية التي بدأت تفقد وعاءها الانتخابي عاما بعد آخر، ويونسي الذي يجيد لغة العلوم الدقيقة التي جاء منها، يدرك أنه لن يكون رقما صعبا في معادلة الرئاسيات القادمة التي تبدو محسومة، لكنه يريد لأن يرمي رصاصة الرحمة في جثة الشيخ الذي خرج من جلبابه والذي بقي شبحه يطارده طويلا، وإن فلح في ذلك قد يصبح زعيما بديلا عن الشيخ.
الخير شوار
التعليقات (0)