العقل البشري بمثابة الآلة المعقدة , فهو يشبه إلى حدٍ كبير جهاز الكومبيوتر المعقد بل أشد تعقيداً من جهاز الكومبيوتر المصنوع بشرياً , يحتفظ بكم هائل من المعلومات ويحرك أعضاء الجسم بإشارات عصبية وأوامر وتلك معجزة إلآهية عجز العلم عن تفكيك خيوطها الدقيقة . يقوم العقل البشري يتخزين ما يتلاقاه من معلومات ويعيد في كثير من الأحيان بإعادة إنتاجها بصورة مختلفة عن السابق وهذا ما يسميه البعض بالمراجعة أو الإجتهاد أو الفلسفه بصورتها المبسطة , ويقوم في حالات بمحاولة تطبيق ما فهمه وأستوعبه على أرض الواقع وقد يصيب أو يخطيء وهذه مرحلة قد تكون خطرة إذا تطرفت رغم أن الغالبية تؤيد التطبيق السريع لأي فكرة دون تمحيصها وتمريرها عبر نوافذ الدماغ المنطقية والتحليلية والتأملية وتسمى هذه المرحلة الخطرة بمرحلة الإجتهاد وهي في الغالب سبب رئيسي للكوارث داخل المجتمعات خاصة المجتمعات الشرقية والعلة في ذلك عدم تمريرها عبر نوافذ الدماغ المختلفة !! تعيش المجتمعات الشرقية في جهل مركب , فالجهل لا يعني فقدان معلومة بل يعني عدم العمل بالمعلومة وعدم التوصل للحقيقة الكاملة , وجهل المجتمعات الشرقية "العربية خاصة" جهل مركب ظلمات فوق ظلمات جعل منها "المجتمعات" تعيش حالات صراعات سياسية دموية وصراعات فكرية وإحتقان وتخبط ورداءة تنموية والأسباب لتلك الكارثة وبلا حصر تكمن في إعادة إنتاج ماهو منتج وتسليم العقل دون مقاومة لأي شخص يدخل على المجتمع من باب العلم والهيئة الخارجية المنمقة وغياب الوعي وتزايد حالات الإحباط وضبابية بعض الأراء والأفكار وأدلجة الحياة بأدلوجيات معينة ضيقة طابعها قد يكون ديني متطرف أو علماني متطرف بشدة أسباب وعوامل جعلت من العقل البشري العربي في ذيل قائمة العقول البشرية وعلى مر العصور تسليم وإنقياد بسرعة رغم الكوارث المختلفة تلك العوامل والأسباب غيض من فيض يتصدرها الإستبداد بمختلف أشكالة وصورة فالعقل لا يتحجر الإ بسب الإستبداد غذاء كل داء فالإستبداد ينتج الجهل المركب والجهل المركب يكرس الإستبداد فلا جهل بلا إستبداد ولا إستبداد بلا جهل ؟ المتأمل في حال البلدان المتقدمة لم تصل لذلك الإ بعد أن تخلصت من الأستبداد الممنهج والمؤدلج فأنطلقت بعد أن تحررت من عقد الإستبداد نحو العقول البشرية تزرع بذور الوعي والتعددية والتعايش لتقضي على الإنتقام والصراعات وبدأت بعملية نقد للتراكمات الفكرية ووضع كل شيء على طاولة النقد والبحث لا قالب العواطف والتعصب الأحمق فأنتجت معجزة لم يكن يتوقعها أحد رغم أن أوروبا بلا حضارة تاريخية تؤهلها للنهوض لكنها نهضت من تحت الركام وكانت أولى خطوة لذلك النهوض هو التمرد على التراكمات والأفكار والخوف من المجهول والمستقبل الغامض فكانت النتائج مذهلة رغم الصعوبات والعوائق . تعيش المجتمعات العربية في ظل التاريخ القديم تستذكر كل شيء بإعتزاز تارة ومرارة تارة أخرى لم تستطع حتى الآن التحرر من تلك العقده عقدة العيش في الماضي ولم تحاول إستنهاض الهمم بذلك التاريخ خاصة الجانب المشرق منه والذي ينحصر في عهد النبوة والخلفاء الراشدين فقط , فوقعت في صراع مع الذات أنعكس على الواقع بدموية شاذة وبعنف متصاعد وبصراخ عالي وتلك هي إشكالية العقل المعطل وجلد الذات ! مفكروا العالم العربي يعيشون في أبراج عالية هكذا يظنهم المجتمع العربي وقد يكون لذلك الظن وجاهه من ناحية الواقع , لكن اؤلئك المفكرون لم يتخلصوا حتى الآن من صراعاتهم الفكرية المختلفة والتي أفضت بطريقة غير مباشرة لتكريس الجهل وزيادة حدة الإحتقان داخل المجتمعات , تلك الصراعات الفكرية المختلفة في أدبياتها وأدلوجياتها كان أولى أن تكون داخل أروقة مراكز البحث والنقد وعلى طاولة الحوارات الفكرية والوطنية لتتحول من صراعات محتدمه إلى عوامل تزرع التعددية وتشرعن قبول الآخر وتحول الإحتقان وقود الصراعات الدموية والمذهبية إلى وقود يشعل فتيل التحرر من القيود الضيقة ويحولها لعوامل إيجابية تبني ولا تهدم عن طريق النقد والبحث وتشجيع المبادرات وإطلاق روح التعاون والتعايش لتهنأ المجتمعات بحياة كريمة أمنة مطمئنة لتنطلق نحو النهضة الفكرية والتنموية والسياسية والإقتصادية والتكنلوجية والثقافية بخطى متوازنة لا يوقفها تراكمات ماضي تعيس ! لكي تنهض المجتمعات العربية فإن عليها أولاً التخلص من عقد الماضي المختلفة ومن تراكماته المعقدة وتلك مهمة العقلاء والمفكرين الذين كانوا سبباً في وصول العقل العربي لمرحلة المغالبة الدموية والتي نشاهد أثارها المدمرة ببعض البلدان التي كانت في السابق محطة آمل في نهضة عربية ,على نخب المجتمعات الفكرية والثقافية والسياسية التحرر من حب الذات والدخول بمصالحة مع الذات أولاً ومع المجتمعات تانياً وعليها أن تدرك ان العقول العربية ستتحرر في يوم من الأيام وستقلب الدنيا رأساً على عقب إذا لم تجد من يوجه تحررها نحو الطريق الصحيح وذلك ما يسمى بالتحرر السلبي الهادم لانه يستمد تحرره من التمرد على القيم الإنسانية لا من التمرد على أفكار وأدبيات جعلت منه أسيراً للجهل المركب والتخلف بشتى صورة وعليها إدراك أن ذلك التحرر ثمنه باهض جداً ولا يمكن السيطرة عليه في غضون سنوات قليلة بل سيمتد لسنوات وسنوات يكون عنوان تلك السنوات السنوات العجاف في كل شيء ولن تستثني احداً , فهل يدرك العقلاء والنخب من المحيط إلى الخليج تلك الحقيقة وهل سيستطيعون البدء بعملية تحرير للعقول لتبدأ المجتمعات في النهوض والعودة لصفحات التاريخ من جديد , لا يمكننا الحكم حالياً لاننا نمر بمرحلة مخاض فكري وسياسي عميقة لها توابعها المختلفة وهنا يتوقف العقل عن التنبؤ بما سيحدث رغم الآمل الكبير الغير منقطع بغدٍ مشرق في أبهى صورة رغم الغموض الحالك ورغم غياب العقلاء والمفكرين عن الساحة بعدما تسلقها من خلط الأوراق ببعضها البعض ؟
التعليقات (0)