على من يريد أن يشخص الحالة العربية عامة , والحالة المصرية خاصة عليه أن يعود إلى الوراء بعض الشىء و ويقرأ التاريخ القريب للمنطقة , لا بد من ذلك التشخيص حتى تتضح الرؤية ,ويكون الخروج من المحنة واضحا أمام من يريد الخروج منها حتى يستعمل الآليات المساعدة على هذا الخروج , وان يكون واضحا أيضا أمام من يريدون استثمار المشكلة واستمرارها حتى لا يقعوا فى سوء التقدير , وألا ينسبوا لأنفسهم نصرا لا يستحقونه , وإنجازا لم يصنعوه . أنا أرى ان لعبة إدخال الدين فى السياسة , والعزف به على عواطف الجماهير لاستمالتها , وتجييشها خلف نظم الحكم المستبدة , قد بدأ فى عصر عبد الناصر , ومع أنه أعلن عداءه للاستعمار من منطلق وطنى ,وقومى إلا أن الدين كان أحد أهم مكونات حشده المعنوى , ولم يكن خلافه مع الإخوان إلا خلافا سياسيا ,لأنهم كانوا ينازعونه الحكم , بعد أن شب الخلاف بين الفصيل الواحد , لأن عبد الناصركان ضمن تنظيم الإخوان قبل الثورة , . ومن دلائل ذلك التوجه لاستغلال الدين سياسيا ,أنه أثناء حرب 56 , اعتلى عبد الناصر منبر الأزهر وألقى خطبة ليثتثير بها عواطف الشعب الدينية لتسانده الجماهير فى ورطته . , ثانيا تم تهميش المسيحيين فى عصره , وأخذ النظام يعاملهم بشىء من الريبة , ومعروف أنه لم يتم إسناد أى منصب من المناصب السيادية لمسيحى إثناء حكم عبد الناصر على عكس ماكان يحدث أيام مصر الملكية , . وبعد أن آلت الأمور للسادات وجد أن فى مصر تنظيما قويا مؤمنا بعبد الناصر ,وهو التنظيم المسمى بالطليعى , بالإضافة إلى كوادر مهمة وقوية فى الجيش والاتحاد الاشتراكى , ومع أننى أقدر دهاء السادات السياسى خاصة مع إسرائيل , إلا أنه استخدم دهاءه هذا استخداما انتحاريا حينما سمح للإسلام السياسى ان يحتل الساحة , من منطلق أن هذا التيار كان عدوا لدودا لعبد الناصر , ومن منطلق أن ( عدو عدوى صديقى ) . , ومن يتصور أن السادات كان محبا للديموقراطية والتعددية فهو واهم , المسألة انه كان يريد أن يقضى على شعبية عبد الناصر الطاغية , فاتخذ قراره بترك الإسلاميين يعبثون فى الساحة , وكانت النتيجة أن دفع حياته ثمنا لذلك . ثم آلت الامور بعد ذلك لمبارك , الذى كان أكثر حكام مصر توضعا فى ملكاته , ومحدودية ذكائه , فلم يكن الرجل يحلم بهذا المنصب الخطير ,ولا يستطيع تحمل القرارات الصعبة , ونظر حوله فوجد ان الإسلاميين صاروا الأقوى صوتا ,والأشد تأثيرا على الجماهير , كما وجد ان التيار الليبرالى والعلمانى يطرح على الساحة أسئلة محرجة , من هنا فقد أمسك العصا من المنتصف بما يحقق له الاستقرار على كرسى الحكم , فقد أعلن أن تنظيم الإخوان تنظيم محظور قانونا , ولكنه واقعا ترك لهم حرية الاجتماع ,ونشر آرائهم حتى المتطرف منها , ومكنهم من معظم مؤسسات التعليم , وأعطاهم مساحة واسعة فى الإعلام , حيث سمح لهم بإقامة فضائيات تهاجم حرية الفكر , بل وتهاجم أصحاب الديانات الأخرى من شركاء الوطن , فى نفس الوقت الذى ضيّق فيه على الأحزاب الليبرالية , ودست أجهزته الوقيعة بين قادتها , مما مهد الارض تحت أقدام التيار الدينى . , بل أقول إن ا لتدريبات القتالية لميلشيات الإخوان لم يكن لها ان تغيب عن عيون أمن مبارك , ولكن جاء يوم 25 يناير 2011 , وكان الزلزال لم لم يتوقعه حيث قاد الثورة مجموعة من الشباب الليبرالى الحر , ولكن لأنهم كانوا يفتقدون تنظيما يجمعهم ,فقد سقطت الثورة فى يد الأقلية الإسلامية المنظمة والمدربة على القتال من ناحية وعلى أساليب الخداع السياسى من ناحية أخرى , . على أنه لا يغيب عن الذكر أن العسكر الذين تربوا على يد مبارك , وعلى تواضع رؤاه , والذين سلمهم الثورة بعد تخليه , هؤلا ء هم أيضا من مكّن الاسلاميين من رقاب الوطن , ولا يغفر لهم هذا اللغو الذى يقال بأنهم ليست لهم خبرة سياسية , لأننى أعتقد أنهم فعلوا ذلك عن عمد وربما تواطؤ لأهداف اتضح بعضها , والأيام كفيلة بكشف البعض الآخر . اكرر وأؤكد ان حكم العسكر الذين كانوا يبحثون عن وهج السلطة وشهوة الحكم, وارتداء ثياب الزعامة والبطولة ,هم ا لذين وظفوا الدين ورجاله : دعاة وأدعياء للترويج لسياساتهم , ولحشدالمؤيدين لهم , ولتبرير استبدادهم . , ولمن نسى أقول إنه غداة الثورة فإن قادة التيار السلفى أعلنوا حرمة الخروج على الحاكم , كما أعلن قادة الإخوان عدم مشاركتهم فى هذه الثورة التى يحصدون الآن ثمارها , ويوجهون البلاد وجهة خطيرة ستدفع ثمنها غاليا . , وأقول أيضا إن المسؤولين الأوائل عما حدث لمصر ليس الإسلاميين وحدهم ولكن من هيئوا لهم الطريق , ومهدوا لهم الأرض , بسبب شهوة السلطة , و بقصر نظر وغباء دفع العسكر ثمنه , وسيدفع الوطن الثمن الأغلى لهذه الحماقات, ما لم تحدث معجزة
التعليقات (0)